علاء المفرجي
- 2 -
نتعرّف إلى قصّة الشاب الفلسطيني منذ طفولته، وما تعرّض له مع عائلته من تهجير قسري إلى مخيّم للّاجئين في لبنان، بعد أنْ صدرت أوامر بهدم مدينته القديمة، باستثناء منزله الناجي من الهدم، فيستخدم حقه الطبيعي بزيارة مدينة طفولته، متسلّحاً هذه المرة بوثائق تُثبت ملكيّته للدار، فيُجابه بالاعتقال وبتهمة جاهزة: الإرهاب. يُمنح حقّ تعيين محامٍ له، فيستعين بمحامية تتعاطف مع قضيته، التي تتّخذ مساراً مُعقّداً.
وقصة سليم الشاب بأختصار تعود إلى أيام كان طفلاً وتعرض للطرد مع عائلته إلى مخيمات اللجوء في الضفة الغربية ولبنان وقامت القوات الإسرائيلية بعدها بهدم المدينة ليبقى منزله قائماً لذا كان طبيعياً أن يحاول زيارته أكثر من مرة، مزوداً بوثاق تؤكد ملكيته للعقار، وبعد طرده عدة مرات اعتقلته الشرطة الإسرائيلية بتهمة الإرهاب، ووافقت عل تعيين محامية للدفاع عنه لأنها أميركية الجنسية لكنها يهودية بولندية، وفوجئت المحكمة بدفاع شرس للمحامية كوفمان عن حق سليم في بيته والعودة إليه، لتصبح القضية معقدة أكثر، مع إحراجات للسلطات الإسرائيلية مع ظهور الموقف الإيجابي للمحامية اليهودية من قضية الفلسطيني سليم.
ركّز كوستا ـ غافراس على التفصيل المتعلّق بملكية الأرض، وهذا جانب إنساني ترتكز عليه مطالب الفلسطينيين في حقّهم الشرعي المُغتَصب، حيث تتعارض مع السلطة القضائية الإسرائيلية، وكَسْب هذه القضية يعني اندحاراً للمنطق الذي تتبناه إسرائيل. كما أدار شخصياتٍ تحوّلت بالحدث من سكونه إلى احتدام النقاش عن أحقية هذا المطلب، وبينها طبعاً شخصية سليم، الذي اتّسمت أفعاله حول القضية بالهدوء، في مقابل تشنّج الآخر، وافتعاله الغضب. حتى في تصويره، اعتمد كوستا ـ غافراس تصويراً للمكان يختلف عن الصورة النمطية المُكرّسة في الغرب، بوصفه الجنّة الموعودة، فكان التوتر متمثّلاً بالوجود الأمني في كلّ شبر من المكان، وهذا ركّزت عليه الكاميرا.
أهمية "هانا ك." لديّ أنّ لمخرجه تقديراً في الوسط السينمائي، بوصفه من أهمّ مخرجي عصره، وأنّ اسمه ارتبط بعدد من الأفلام التي تناولت قضايا سياسية معاصرة، كـ"زد" (1969) و"حالة حصار (1973) و"مفقود"، وغيرها. كذلك لأنّه أول فيلم غربي يضع موضوع فلسطين أمام المتلقّي الغربي بمثل هذه المعالجة، التي تنتصر لجانبٍ مهمّ من جوانب المسألة الفلسطينية. أخيراً، لأنّ هذا الفيلم فتح المجال أمام سينمائيي العالم للتطرّق إلى هذا الموضوع بشكل مختلف، لم تعتده سينما الغرب.
الأدوار الأخرى جسدها في الشريط: جان يان (فيكتور بينيت) غبريال بيرن (جوشوا هيرتزوغ) ديفيد كلينون (آمنون) شيمون فينكل (البروفسور ليفنتال) أوديد كوتلر (الغريب) ميشيل بات آدم (إمرأة روسية) ودافنا ليفي (دافنا). وكلف غافراس المؤلف الموسيقي اللبناني العالمي غبريال يارد (العربي الوحيد الذي نال أوسكاراً عن موسيقاه لفيلم: المريض الإنكليزي) وضع الموسيقى التصويرية للفيلم والتي تميزت بطابع شرقي عصري. وعرض الفيلم ومدته 111 دقيقة في 7 أيلول/ سبتمبر 1983 في الصالات الفرنسية قبل أشهر من صدور كتاب جوان بيترز المليء بالمغالطات والحقد والأكاذيب بعنوان: من الزمن السحيق: أصل الصراع اليهودي الفلسطيني على فلسطين، والذي يُنكر وجود الفلسطينيين، فكان شريط غافراس رداً على هذا الكتاب