اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سياسية > هل يهدد التغير المناخي الآثار العراقية؟

هل يهدد التغير المناخي الآثار العراقية؟

نشر في: 7 نوفمبر, 2023: 10:49 م

 متابعة / المدى

لم تعد تداعيات التغيرات المناخية والأزمة البيئية المرتبطة بالجفاف والتي يعاني منها العراق منذ سنوات، تقتصر على تراجع الزراعة وتفكك واندثار التجمعات السكانية في العديد من مناطق غربي وجنوبي البلاد، بل باتت تمتد الى مواقع أثرية تأريخية شهيرة، مهددة بتدميرها وإخفائها.

يؤكد مختصون في مجالي الآثار والبيئة، إن تأثير موجات الحر والجفاف والعواصف الرملية المتزايدة، أصبحت تلحق اضرارا لا يمكن اصلاحها ببعض المواقع الأثرية في شمال غربي ووسط وجنوبي العراق، محذرين من أن مدينة "الحضر" قد لا تظل صامدة، وان الرمال تزحف لتخفي مدينة "أم العقارب" التي يعود تاريخها لأكثر من أربعة آلاف عام بما تضمه من معابد وقصور، ما يهدد باندثارها خلال سنوات.

بحسب رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة د.ليث حسين، يوجد في العراق أكثر من 150 ألف موقع أثري، تمثل حضارات عديدة من بينها الآشورية والبابلية والأكادية والإسلامية، حسبما ذكر تحقيق نشرته وكالات محلية.

التقرير اكد أن تلك المواقع تواجه مخاطر عديدة على رأسها عمليات السرقة والنبش العشوائي التي يقوم بها مهرّبو الآثار بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية لاسيما في المناطق الصحراوية، فيما يشكو مسؤولو الهيئة من قلة أعداد الحراس المكلفين بحماية المواقع الأثرية. لكن خطرا آخر كان ماثلا لعقود بتأثيرات محدودة، ظهر بقوة في الأعوام الأخيرة، متمثلا بتزايد الاملاح في التربة وارتفاع الحرارة وتزايد العواصف نتيجة الجفاف.

بنحو عام، شهد العراق في سنة 2022 هبوب عشرة عواصف رملية كبيرة، ضربت مناطق مختلفة فيه بحسب مدير إعلام الانواء الجوية عامر الجابري، ومع أن عاصفة رملية محلية واحدة تم تسجيلها خلال تسعة أشهر من العام الجاري 2023، إلا أن المخاوف مازالت قائمة بشأن هبوب المزيد، ولاسيما أن عوامل هبوبها ماثلة، كزحف الرمال وزوال الغطاء النباتي في أنحاء واسعة، وتقلص المساحات المزروعة، وهذا كله بسبب نقص المياه.

كيف يؤدي الجفاف إلى تدمير الآثار؟ سؤال يجيب عنه أستاذ الآثار بجامعة القادسية د.جعفر الجوذري، إذ يقول بأن نقص المياه نتيجة شح الامطار "يقود إلى ارتفاع تراكيز الملح في التربة وزيادة في العواصف الرملية ومن ثم تآكل المواقع القديمة".

ويتابع: "مشكلتا قلة المياه الجارية والتصحر بدأت منذ تسعينيات القرن المنصرم، أضيف إليها في السنوات الاخيرة استنزاف المياه الجوفية وارتفاع نسب الملوحة والتي تسببت بتطرف تأثير المناخ على العراق بشكل عام". ويرى الجوذري، بأن الرياح الهابطة مليئة بكميات كبيرة من الغبار والرمال والطمى بسبب جفاف التربة ما يحمل تأثيرات تساعد على تآكل المباني الأثرية الشاخصة، خاصة أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في تبخر الماء بسرعة كبيرة ولا تبقى سوى الأملاح التي تؤدي الى تآكل كل شيء.

ويشير إلى أنّ "المشكلة تكمن في التغيرات الكبيرة بين درجات الحرارة في فصلي الصيف والشتاء"، إذ تنخفض الى مادون الصفر بعدة درجات شتاءً فيما ترتفع صيفاً الى ما يزيد عن 50 درجة مئوية في محافظات الجنوب،وتزيد عن ذلك في الصحاري حيث تتباين درجات الحرارة بشكل كبير بين الليل والنهار، مما يؤدي إلى "إضعاف التربة وتفتيتها خاصة مع قلة الغطاء النباتي وعمليات التمدد والتقلص في المواد المبنية منها الأبنية الأثرية خلال الفصلين".

ويعتقد الدكتور الجوذري، بأن الدول المجاورة للعراق، لا تتحمل المسؤولية كاملة حيال أزمة المياه الحاصلة فيه، فالحكومات العراقية تتحمل المسؤولية ايضا لسوء إدارة الموارد المائية فيه واتباعها طرق وأساليب الري القديمة، والتي تعود إلى العصر السومري قبل 5000 سنة دون تغيير كبير يذكر.

ويوضح: "يعتمد الفلاحون والمزارعون على الري بطريقة الغمر التي تستهلك كميات هائلة من الماء، وتداعياتها انعكست عليهم بنحو مباشر، إذ دفعهم نقص المياه وبالتالي التوقف عن الزراعة إلى الهجرة الى داخل المدن، وسبقهم في تلك الهجرة، البدو الرحل، وقاطنو الأرياف، فتركت التربة دون استغلال، فباتت عرضة للرياح". وعاد للقول: "في بابل مثلا تحولت المياه الجوفية العذبة الى مياه مالحة بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي الى تبخر المياه بسرعة كبيرة، فتذوب الاملاح في المياه ثم تتبلور عند وصولها الى مواد البناء وتتمدد داخلها وتؤدي الى تلفها وتكسر الأسس".

د.داود سلمان بناي، المتخصص بجيولوجيا النفط والتفسير السيزمي، يؤكد بدوره، بان العواصف الغبارية تؤثر على سلامة هياكل الأبنية الأثرية عن طريق حملها للغبار والملوثاتالتي تؤدي الى تآكل وتلف البنية الأثرية، مما يزيد من احتمالية ظهور تشققات وتصدعات في الهياكل الأثرية.

وأصدرت الأمم المتحدة بياناً في 17حزيران/يونيو2022 بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر، ذكرت فيه أن العراق من بين الدول الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية، ويأتي في المرتبة 39 بين الدول الاكثر إجهاداً للمياه.

وذكر البيان أن الانخفاض القياسي في معدل سقوط الأمطار في سنة 2021، وهو ثاني أكثر المواسم جفافاً منذ 40 سنة، أدى إلى "نقص المياه والتصحر وتآكل التربة نتيجة الممارسات الزراعية غير المستدامة والتي تؤدي الى تضرر وانكماش الغطاء النباتي".

وعددت الأمم المتحدة جملة من التحديات البيئية التي يواجهها العراق، تمثلت في: "موجات الحر الطويلة، انخفاض معدل هطول الأمطار، نقص وفقدان الأراضي الخصبة، ملوحة التربة، عدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية، نقص المياه العابرة للحدود، انتشار العواصف الترابية".

وشدد البيان الأممي على ضرورة ما أسماه "تغلب العراق على الغموض السياسي الوطني والإقليمي" للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، وتدهور الأراضي، ومعالجة إدارة المياه العابرة للحدود الوطنية، وقيام السلطات الوطنية والمحلية بمتابعة التشريعات على وجه السرعة والممارسات المُحَسّنة المطلوبة لاستهلاك وإدارة مستدامة للمياه.ودعت الام المتحدة الجهات المعنية في العراق، الى العمل على تثبيت واستقرار التربة وحماية غطائها النباتي من خلال تشجيع الاستخدام الفعال للمياه، وتجديد خزانات المياه، وإعادة تأهيل البنية التحتية لمنظومة الري، وزراعة المزيد من الأشجار والغابات والشجيرات.

وأوصت بزراعة أحزمة خضراء مستدامة حول المدن، والتحكم في أنشطة التعدين، وتحسين جودة التربة وحمايتها من الملوحة من خلال تقنيات زراعية أكثر استدامة، وتوفير حلول ري صديقة للبيئة، وإعادة تأهيل وبناء مهارات المزارعين، وحثهم على استخدام أسلوب الري بالتنقيط وأنواع الري الذكية "لأن من شأن ذلك ان يوفر المياه وأن يكون له أثر في إحداث تحول إيجابي".

تلك الدعوات الأممية والتوصيات، لن تساعد على تحسين القطاع الزراعي وايقاف عمليات النزوح السكاني من المناطق المتضررة بالجاف فقط، بل ايضا يمكن ان تساهم في تثبيت التربة وتقليل آثار الجفاف وتحسين المناخ وبالتالي تقليل تداعيات الموجات الغبارية على المواقع الأثرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

الفياض يعد مشروعاً سياسياً خارج
سياسية

الفياض يعد مشروعاً سياسياً خارج "الإطار" ويزاحم السُنة على مناطق النفوذ

بغداد/ تميم الحسنلأول مرة يلتقي محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، مع قيس الخزعلي زعيم العصائب، ليس في اجتماع سياسي او زيارة ودية وانما على "خطر الفياض" رئيس الحشد.يزاحم الفياض القوى السياسية السّنية في مناطق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram