حاورها: عدنان حسين أحمد
تُعدّ المخرجة الألمانية المستقلة مونيكا ماورر المُقيمة في روما حاليًا من أشدّ المتحمسين للقضية الفلسطينية والمدافعين عنها في المحافل الدولية. وقد كرّست جلّ حياتها لهذه القضية منذ أواسط السبعينات وحتى الآن وأنجزت عشرة أفلام وثائقية طافت بها الكثير من المهرجانات العالمية نذكر منها "الهلال الأحمر الفلسطيني" 1978م،
و "الحرب الخامسة" 1980م، و "المولودة من الموت" 1981م، و "مختبر الحرب" 1984م و "فلتسمع" 1985م. تتعالق أفلامها مع أغاني فيروز وأشعار توفيق زياد ومحمود درويش. وتزاوج بين تقنية "التعليق الصوتي" القائم على المعلومات الدقيقة و "الرؤوس المتكلمة" التي تتحدث بعفوية تلامس فيها قلوب الناس ومشاعرهم الداخلية. ولتسليط الضوء على تجربتها الإخراجية وآرائها السياسية والفكرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التقتها "المدى" فكان هذا الحوار.
هل تعتقدين بوجود إستراتيجية لإبادة الشعب الفلسطيني واستبدال السكّان الأصليين في فلسطين باليهود من مختلف أنحاء العالم؟
-نظراً للوضع المأساوي على الأرض في غزة لنذكِّر أولئك الذين ليس لديهم ذاكرة تاريخية أو لديهم ذاكرة تاريخية محدودة للغاية، أن المذبحة، والنكبة مستمرة، وأن الجرائم ضد الإنسانية وضد السكان الفلسطينيين في غزة ليست فقط نتيجة لهجوم حماس على المستوطنات اليهودية، كما يقال مراراً وتكراراً في وسائل الإعلام المُضللة، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية لإبادة الشعب الفلسطيني: إبادة جماعية تدريجية، جزء من مشروع التطهير العرقي الذي بدأ عام 1948م أو حتى قبل ذلك، بهدف استبدال السكان الأصليين في فلسطين باليهود من جميع أنحاء العالم (غالبًا من روسيا أو بروكلين في مدينة نيويورك). وأنا شخصيًا كنت شاهدة على ذلك في حرب الغزو والحصار على (بيروت) عام 1982م ضد الفلسطينيين في لبنان مما أسفر عن مقتل وتشويه الآلاف (أكثر من 70% منهم من المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ الذين لم يتمكنوا من الفرار). كانت نفس الإستراتيجية، ونفس الصور تقريبًا، وربما اليوم أسوأ بسبب زيادة قوة القتل: أولاً قصف المستشفيات، وجميع البنية التحتية للمدنية، والماء، والكهرباء، ووقود المولدات، وما إلى ذلك. مما أدى إلى 800,000 لاجئ بدون مأوى، وتدمير المنازل، وخطر انتشار الأمراض المعدية، وبالتالي الأوبئة وتدمير المستقبل المحتمل لآلاف القاصرين. استخدام الأسلحة التي يحرمها القانون الدولي، مثل القنابل الفسفورية والقذائف الانشطارية والقنابل الانفجارية والغاز، وكل ذلك كان قبل أكثر من 40 عامًا، ولم تكن حماس قد ولدت حينها.
هل ركّزت في فيلم "أطفال فلسطين" على حرمان الأطفال الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية فقط أم ذهبتِ أبعد من ذلك إلى قضايا الاحتلال، والتهجير، والتطهير العرقي؟
- هو فيلم وثائقي صنعته عام 1979م (عام الأمم المتحدة للطفل) لمنظمة التحرير الفلسطينية من إنتاج مؤسسة السينما الفلسطينية – الإعلام الموحّد في بيروت لوصف مدى حرمان الأطفال الفلسطينيين من "الإعلان العالمي لحقوق الطفل"، بسبب تهجيرهم من وطنهم وحالة الحرب والعدوان المستمرة من قبل إسرائيل كجزء من مشروعهم للتطهير العرقي والاحتلال، الذي يلغي الحقوق الأساسية مثل الحياة، ووحدة الأسرة، والنمو بأمان، والحصول على التعليم، والرعاية الصحية، وتنمية الهوية الوطنية، والمواهب الإبداعية. وكل هذه الحقوق التي ينبغي ضمانها كما يطالب بها ميثاق الأمم المتحدة التي أنكروها على أطفال فلسطين في فلسطين المحتلة والشتات، وخاصة في لبنان. لكنه يظهر في الوقت نفسه البنية التحتية الاجتماعية والتعليمية والطبية التي بنتها منظمة التحرير الفلسطينية على الأرض لتسهيل حياة اللاجئين في المخيمات، وارتباط الأطفال بوطنهم الأصلي فلسطين، حتى لو كان لديهم ذلك. لم تتح لي الفرصة لرؤيتها أبدًا. حصل الفيلم على عدة جوائز في مهرجانات مختلفة، منها جائزة لجنة التحكيم الدولية في مهرجان لايبزيغ للأفلام الوثائقية عام 1979م.
هل ثمة فرق بين صور الحصار والإبادة الجماعية بين الأمس واليوم وخاصة استهداف المدنيين والمناطق المحرّم قصفها قانونيًا؟
-أثناء حرب الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت الذي دام ثلاثة أشهر قُتل وتشوه الآلاف، وشُرد أكثر من 800,000 طن. وكانت الغالبية العظمى (أكثر من 70%) من الجرحى والقتلى من المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال وكبار السن الذين لم تكن لديهم إمكانية الفرار. كانت الإستراتيجية العسكرية والعديد من الصور هي نفسها التي كانت موجودة هذه الأيام في حرب الإبادة الجماعية ضد غزة: قصف كثيف ومتواصل على المراكز المدنية؛ أولاً المستشفيات، والبنية التحتية الحيوية مثل الماء والكهرباء والوقود، فضلاً عن مستودعات الإمدادات الغذائية - كل هذا قبل 40 عامًا من وجود حماس، ومع ذلك كان الهدف هو تدمير أي وجود منظم لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ثم مقر قيادة حماس. المقاومة الفلسطينية. تجول هذا الفيلم الوثائقي لسنوات في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الجنوبية والشمالية وكندا وتم توزيعه في اليابان. ويتناول ثلاث قضايا نادرًا ما يتم التركيز عليها من قبل وسائل الإعلام الدولية أو بشكل غير كافٍ وهي:
المدنيون كجزء من هدف عسكري. و استعمال الأسلحة (القنابل الانفجارية والفسفورية، والقذائف المتشظّية) التي غالبًا ما يتم تصنيعها في الولايات المتحدة والمحظورة بموجب القانون الدولي. ومنظمة البقاء على قيد الحياة: حفر الآبار للوصول إلى المياه الجوفية، الوقاية من الأوبئة في المخابز العامة، إنشاء عيادات ومستشفيات بديلة في مناطق آمنة نسبياً.
كيف تصفين فيلمك "فلسطين تحترق"، هل هو بحث عن الجذور التاريخية للانتفاضة؟
-هو مركّب سمعي بصري حول الجذور السياسية والتاريخية للانتفاضة الأولى. على عكس الوصف الشائع آنذاك بـ "الانتفاضة العفوية"، أحاول التوضيح بأن جوهر الانتفاضة كان النضال من أجل الأرض الذي بدأ قبل وقت طويل من النكبة، مع الاستعمار الصهيوني في أوائل عام 1900م والاحتلال البريطاني. وهو ما مهّد في نهاية المطاف الطريق أمام المشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل اليهودية في فلسطين.
