اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الغرب ومعاييره المزدوجة!

الغرب ومعاييره المزدوجة!

نشر في: 11 نوفمبر, 2023: 11:21 م

بقلم: نبيل عبد الفتاح

من ابرز علامات عملية السيوف الحديدية، والارتفاع المتزايد لأعداد الضحايا من القتلى- الشهداء، والمصابين، من الأطفال والنساء والشيوخ 100022قتيل، و4104 من الأطفال، وأكثر من 26 ألف جريح- إنها أعادت إلى الجغرافيا السياسية للإقليم العربى المسألة الفلسطينية إلى الواجهة، بعد أن حاولت عديد البلدان في المشرق العربي - كل لأسبابه الداخلية- التركيز على التطبيع،

وإقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، أو علاقات غير مباشرة، على نحو أدى إلى تراجع الاهتمام الرسمى بالاحتلال الاستيطاني، فى الضفة الغربية، وأيضا سياسة حصار قطاع غزة، وهى سياسة إسرائيلية ممنهجة أدت إلى إتاحة الفرص لتمدد حركة حماس، والجهاد الإسلامي، ومعها الإيديولوجيا الأصولية الإسلامية، داخل أوساط اجتماعية عديدة، وباتت تمثل الثقافة الدينية السائدة وسط السكان! ساعد على تكريس الخطاب السياسي الديني الحمساوي، والجهادي، وجه الحركتين، المناضل ضد الاحتلال الاستيطاني، وتمدده، وميلُ اليمين الإسرائيلي نحو المماطلة، فى تيسير أية مساعي لحل المسألة الفلسطينية، وفق قواعد الشرعية الدولية منذ القرار 242، وما بعد، حتى أوسلو، وتحويلها إلى ملف لا قيمة له!، وعدم احترامه!.

لا شك أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، ساهما فى دعم قوة حماس فى غزة، وبعض الموالين لها فى الضفة الغربية، وذلك مع اغفال السياسات الإسرائيلية المحاصرة للقطاع، وأيضا استخدام مصطلح الإرهاب الغامض والفضفاض فى الخطاب الغربي، لوصف الجماعات الأصولية الإسلامية الراديكالية فى المنطقة، ونسيان أن السياستين البريطانية، والأمريكية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، هى من قامت بتوظيف الإسلام سياسيا فى مواجهة حركات التحرر الوطني العربية، والناصرية على وجه الخصوص، بدءاً من الحلف الإسلامى، ثم فى مواجهة الحركات اليسارية، والقومية العربية، والأحزاب الشيوعية للحد من انتشارها فى المنطقة العربية، والأهم استخدامها ضد الاتحاد السوفيتى السابق، وسياساته فى العالمين العربى والإسلامى، من هنا دعمت نشأة تنظيم القاعدة لمحاربة السوفيت، ونظام الحكم الموالي لهم فى أفغانستان. هذا الاستخدام الوظيفى للحركات الإسلامية السياسية الراديكالية، لم تكن الولايات المتحدة، وبريطانيا، والدول الأوروبية تصفه بالمصطلح العام والسائل، والغامض - في كل الاتفاقيات التى وضعت لمحاربة الإرهاب بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001-، لأنه شكل أداة لديها فى خدمة مصالحها القومية، وعلى المستوى الدولى! لم تكن الإدارات السياسية فى هذه البلدان، فى دعمها لهذه الجماعات على دراية في العمق بهذا النمط الإيديولوجى لهذه الجماعات، وأنه يوظفها في السياسات الداعمة له، وانتقلت القاعدة، من نظرية العدو القريب! إلى نظرية العدو البعيد! وظفت هذه الجماعات خبراتها، وعملياتها القتالية فى أفغانستان، فى عديد العمليات "الإرهابية"، فى مناطق عديدة، ومنها القارة الأفريقية، وفى بعض البلدان الأوروبية، وهو ما شكل رأسمالا خبراتيا، فى تطوير هذه العمليات. وبعد غزو العراق وإسقاط حكم صدام حسين، تم تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية داعش، الذى سرعان ما سيطر على عديد المناطق، ودفعت الولايات الثمن، حتى القضاء على هذا التنظيم نسبيا!

إذن نحن إزاء سياسة للمعايير المزدوجة تجاه هذا النمط من الحركات الأصولية، عندما توظفه لا تستخدم مصطلح الإرهاب، وعندما تعود هذه الجماعات إلى مرجعيتها الدينية، وتواجه المصالح الأمريكية، والغربية، تغدو إرهابا!.

أيضا السياسات الأوروبية -الفرنسية والبلجيكية- للاندماج الاجتماعي لمكوناتها من الجاليات الإسلامية، اتسمت بالفشل، ثم الإهمال لها سياسيا واجتماعيا، وسمحت للدعاة الراديكاليين القادمين من الشرق الأوسط، ومناطقه الوهابية والسلفية بالانتقال إليها، وممارسة الدعوة فى مساجد الضواحي، وفى إعادة تشكل الهوية الدينية لهذه المجموعات على نحو راديكالى، وعندما يمارس بعضهم أعمال عنف وممارسات راديكالية، يتم إطلاق وصف الإرهابي على هذه العمليات فى ذات الوقت شكلت بيئة اليأس، والتهميش، والأسلاموفوبيا، وكراهية المواطنين المسلمين بوصفهم أجانب! وهو ما شكل أحد دوافع، انتقال بعض الشباب إلى مناطق داعش، والنصرة، وتم تجنيدهم رقمياً!، بل وصل التجنيد لبعض السجناء من الأقلية المسلمة من داخل السجون الفرنسية، وبعضهم مارس أعمال إرهابية إزاء الأبرياء من خلال، أدوات تبدو بسيطة مثل الطعن بالمطاوي والسكاكين، أو الدهس للمارة بالعربات..الخ!

هنا الوصف إرهابى جاهز لوصم هؤلاء، وهذا صحيح، إلا أن بحث ما هى الأسباب والدوافع وراء هذه العمليات الوحشية! هنا يبدو الصمت وخطابات الوحشية، والإرهاب الإسلامى، دونما نظر إلي الدوافع الفردية، وما وراءها، وفشل سياسة الاندماج الداخلي!

فى العلاقات داخل النظام الدولي، يتم إطلاق الخطاب حول القانون الدولي العام، وقانون الحرب، والقانون الدولي الإنساني، فى الحالات التى يرتكب خصوم الولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية بعض أنماط السلوك الدولى المناهض لهذه المنظومة يتم استخدامها ضدهم، ثم تتحول إلي لاشئ! إذا كانت خارج مصالح هذه الدول، وسياساتها الخارجية! من هنا وصف أمريكا والدول الاوروبية ما تقوم به إسرائيل من مجازر، وعواصف نيرانية هائلة بأنه دفاع عن النفس علي الرغم من أن حجم القوة النيرانية يصل إلى حد أنها تمثل قنبلة نووية مثل التى أسقطت على هيروشيما، ونجازاكي فى اليابان من قبل الولايات المتحدة على نحو ما يصف بعض الخبراء العسكريين حجم الجحيم النيرانى على القطاع والمدنيين-، ويعاد مجددا إنتاج وصف حق الدفاع عن النفس فى كل خطاب سياسى من الإدارة الأمريكية، والسياسيين الأوروبيين، والإعلام الغربي المرئى والمكتوب والمسموع؛ دونما نظر إلى أن إسرائيل دولة احتلال للأراضي الفلسطينية، وأنها تعطل أية محاولات للعودة إلى مسار عملية السلام، وحل الدولتين! الأهم إغفال قواعد قانون الحرب، والقانون الدولي الإنساني، وحق المقاومة لمن هم تحت الاحتلال، ناهيك عن حقوقهم، وحدود ممارسات الدولة المحتلة على الأراضى والسكان المحتلين، وعدم التطهير العرقي، وفرض النزوح القسري على السكان، والعقاب الجماعي، ومنع وصول الغذاء، والمياه، والطاقة، والمواد الطبية إلى السكان المحتلين! الأخطر قصف المستشفيات، وجوارها من الطائرات على نحو أدى إلى تزايد القتلى من الأطفال، والنساء، والشيوخ، ومنع الدواء وانهيار المنظومة الصحية، وقتل بعض الصحفيين، وموظفى الأونروا، وغيرهم من المؤسسات الدولية!

كل هذه الانتهاكات غير المعهودة فى الحروب، تمارسها إسرائيل، وتساندها أمريكا، والدول الغربية، تحت وصف الدفاع عن النفس! على نحو أدى إلى تصاعد الاحتجاجات، والتظاهرات داخل هذه الدول الغربية الكبرى، إزاء هذه المذابح، وسياسات دولهم الداعمة لإسرائيل!

هذا التناقض الناضج فى مواقف الإدارات الأمريكية والأوروبية، ساهم فى نزع الطابع الأخلاقي عن السلوك الأمريكي، والأوروبي، والأهم اللا مبالاة بالقيم والقواعد الحقوقية الإنسانية، وجل ما تسعى إليه هو محاولة تهدئة الأطراف الإقليمية - إيران، والأردن، ومصر، وحزب الله، والسعودية، ودول الخليج- حتى لا تتحول الحرب إلى حالة من الاضطراب الإقليمي الشامل، فى مقابل ضغوطها علي إسرائيل من أجل ممرات إنسانية مؤقتة لإدخال المواد الغذائية والطبية، والإغاثية، دونما وقف شامل لإطلاق النار، وتبادل الأسرى من الجانبين!، وترتيبات لما بعد الحرب، والعودة إلى مسار العملية السلمية، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرعية مع ضمانات امنية لكلا الطرفين تحت إشراف الأمم المتحدة، أو أطراف دولية.

لا شك أن هذا التناقض فى القيم، والمعايير المزدوجة الأمريكية والغربية، ستؤدى إلى فوائض سوسيو- ثقافية ونفسية لدى الأجيال الجديدة من الشباب وصغار السن عربيا إزاء الدول الغربية، وإسرائيل، وقد يدفع ذلك إلى إنماء التطرف الديني فى المنطقة، واللامبالاة بالسياسات الغربية فى ظل التطهير العرقى، والتهجير القسري، والإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى غزة، وتجد دعما من الدول الغربية، وتضفى عليها وصف الدفاع الشرعي، على نحو يبدو مثيراً للسخرية من هكذا سياسات تكرس المعايير المزدوجة إزاء الشعب الفلسطينى، والعالم العربى، في ظل عالم مضطرب، فى طريقه للتغير فى موازين القوى العالمية!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القبض على عشرات المتسولين والمخالفين لشروط الإقامة في بغداد

لهذا السبب.. بايدن غاضب من صديقه اوباما 

في أي مركز سيلعب مبابي في ريال مدريد؟ أنشيلوتي يجيب

وزارة التربية: غداً إعلان نتائج السادس الإعدادي

التعليم تعلن فتح استمارة نقل الطلبة الوافدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram