طالب عبد العزيز
كشفت الحرب في غزة حقيقة الغرب الاستعمارية، ونظرته الدونية للعرب والاسلام، مثلما كشفت الحرب في أوكرينيا كذبة حقوق الانسان، وانتهت شعوب العالم الى أنَّ الديمقراطية، التي تبجحت بها أوربا وأمريكا تعني سلطة القوي، وأنَّ إمتلاك أيِّ دولة للسلاح النووي يجعلها بمأمن من الشرور والعدوان، وكل ما عدا ذلك فهو كذبٌ وضحك على الذقون.
وتكاد جملة الرئيس الامريكي بايدن في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد يومين من هجوم اسرائيل على غزة، والتي أعلن فيها موقف أمريكا الداعم لإسرائيل: " نحن نفعل ما نريد" خلاصة لكل العنجهية، وبرهان قاطع على أنَّ حقوق الشعوب في تقرير المصير إنما تتم عبر مفهوم أمريكا للحرية، لا بمفهوم الشعوب، وأنَّ مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين إرهابٌ، بموجب اللوائح الامريكية، وأنَّ العقوبات(الدولية)هي عقوبات أمريكية، لا علاقة لها بأيِّ دولة سواها، وأنَّ أيِّ استقلال عن إرادتها يعني خروج على الاجماع الدولي، وكل التظاهرات التي جابت شوارع المدن في العالم مناصرة لغزة لن تغير من إرادتها بشيء.
ربما نجدُ نحن العرب في ضغط الشارع بلندن وواشنطن وباريس ودول أخرى نصيراً ومؤازراً، لكنه لا يرقى الى درجة الفعل المؤثر، وتبدو المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الحكومات هناك تنفيساً عن الضغط ذاك، أما خطهها ومشاريعها وهيمنة أمريكا واسرائيل على القرار الدولي فهي التي تنفذ، أغضبت الشوارع أم لم تغضب. ولعل العهر الذي تمارسه حكومات واشنطن ولندن وباريس يتجلى في طلباتها من اسرائيل ايقاف القصف لخروج الناس من غزة، دون الاشارة الصريحة والضغط عليها بوقف القصف لسلامة المدنيين، وكما لو أنه اتفاق معلن بينهم جميعاً على إبادة الشعب الفلسطيني تحت ذريعة البحث عن عناصر من حماس.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو يمكننا تقسيم العالم الى ثلاث فئات. الاولى هي أمريكا وحلف الاطلسي بقوته النووية المعروفة، والثانية هي روسيا وكل الدول التي تمكنت من إمتلاك القنبلة النووية، والثالثة هي تلك الدول الفقيرة، والتي لا تملك سلاحاً نوويا. ولاحظنا خشية أمريكا من تزويد اوكرينا بمقاتلات لأنها تخشى من غضب روسيا النووي، وغير الحصار الاقتصادي لن تقدم على فعلٍ عسكريٍّ ضد كوريا الشمالية النووية، أما بقية دول العالم فهي تحت سيطرتها، ويمكنها تحريك الاساطيل ضدها واسقاط الحكومات إذا اقتضت مصلحتها، دون رادع من أحد.
المشكلة أننا شعوب شرق المتوسط، الذين فرحوا بالربيع العربي فقد بتنا نستحضر خطب الدكتاتوريات العربية مثل عبد الناصر والقذافي وصدام حسين وسواهم بوصفها عقاقير، لم نحسن التعامل معها، على الرغم مما فعلوه بنا، ويقيننا بأنَّ ما نعانيه ونكابده اليوم هو جراء سياستهم الرعناء تلك. أما الحكومات العربية المرهونة بفلك الارادة الامريكية، والتي بلغها اليقين المطلق بنذالة وقذارة أمريكا وغالبية الدول الغربية الدائرة في فلكها فهي مثل (بلّاع الموس) المثل العراقي المعروف، غير قادرة على الخروج من المرسوم لها في الاقوال والافعال، لذا فهي محصورة بين مطرقة الضغط الشعبي وسندان الامر الامريكي، تستنجد بامريكا ضد شعوبها إذا تظاهرت ضدها وطالبت بالتحرر منها، وهي في المطلق حكومات جبانة وخائنة تقف في طابور واحد بانتظار دورها في التطبيع لا محالة.