ثائر صالح
يحصل الأمراء والنبلاء على تعليم ممتاز عادة، بضمنها الفنون والموسيقى، لا لكي يصبحوا فنانين "محترفين" فمهنتهم هي أن يكونوا نبلاء وحكام وملوك.
مع ذلك ظهر بينهم من "أبلى بلاءاً حسناً" في ساحة الفنون كذلك وقد ذكرت العديد من هؤلاء في كتابات سابقة، مثل الملك فريدريش الكبير ملك بروسيا المعروف. واليوم أذكر أخته الأميرة آنّا آماليا التي ستمر ذكرى ولادتها المئوية الثالثة يوم الخميس 9 تشرين الثاني. لم تكن بشهرة أخيها الذي ألف الكثير من الأعمال للفلوت، لكنها تشغل موقعاً مهما في تاريخ الموسيقى الألمانية والأوروبية على العموم بسبب دورها في تجميع الكثير من أعمال الموسيقيين الكبار وحفظها من الضياع، بالخصوص باخ وأبنه كارل فيليب وهندل وتلمان وكارل هاينريش غراون.
ولدت آنّا آماليا في برلين، وتلقت أول دروسها في الموسيقى من أخيها فريدريش بدعم من امها المثقفة صوفيه دوروتيا هانوفر للعزف على الهاربسيكورد والفلوت والكمان، بالضد من رغبة أبيها الملك فريدريش فيلهلم الأول الذي كان يميل إلى الحياة العسكرية الصارمة ويتعصب للعقيدة الكالفنية. كانت العائلة كبيرة تتألف من عشرة أخوان وأخوات، تلقى الكثير منهم تعليما موسيقياً ممتازاً بتأثير الأم المثقفة المحبة للفنون، فقد ألفت الابنة الكبيرة الأميرة فيلهلمينه زوجة حاكم بايرويت أوبرا كاملة (1740)، وكانت فيليبينا شارلوته وابنتها آنّا آماليا (دوقة برونسفيك - فولفنبتل) مؤلفات موسيقيات كذلك.
لكن الأمر تغير بعد وفاته واعتلاء فريدريش العرش سنة 1840، حيث تحول بلاطه إلى أحد أهم مراكز الموسيقى في ألمانيا وجذبت فرقته الشهيرة العديد من خيرة الموسيقيين مثل يوهان كفانتس أستاذ الفلوت، فرانس بندا (من بوهيميا)، وكارل هاينريش كراون، علاوة على كارل فيليب أيمانويل باخ الذي كان مؤلف البلاط (لكنه لم يعمل في الفرقة).
انتخبت آنّا آماليا رئيسة دير كڤَدلنبورك (Quedlinburg) الامبراطوري (نسبة إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة) سنة 1755 حتى وفاتها في 1787، مما أمن لها الرخاء والتفرغ للموسيقى، واهتمت بالعزف على الأورغن على وجه الخصوص. وقد امتلكت أورغن في كل قصر سكنته في برلين، بقي أحدها إلى اليوم يمكن رؤيته وسماعه في كنيسة في منطقة كارلسهورست في برلين (نقل إلى الكنيسة بعد الحرب العالمية الثانية).
عيّنت يوهان فيليب كِرْنبرغر مديراً موسيقياً لبلاط كڤَدلنبورك في 1758، وهو أحد تلاميذ باخ. وبقيت هي والحلقة الضيقة المحيطة بها مهتمة بالموسيقى "القديمة"، موسيقى باخ وغيره من عظماء الباروك المتأخر رغم استهزاء الآخرين بهم، وبدأت بتجميع أعمالهم. وشكلت المجموعة هذه عماد مكتبة "أكاديمية الغناء في برلين" (تأسست في 1791). لكن هذه المجموعة الثمينة من المدونات اختفت أثناء الحرب الثانية، فقد نقلها السوفيت إلى كييف من برلين بعد احتلالها في 1945 وأخفوها في كونسرفاتوار كييف ونسيت هناك. وقد عثر على المدونات الموسيقية في كييف سنة 2000، وأعيدت إلى ألمانيا وهي تحفظ اليوم في مكتبة برلين الحكومية، بضمنها 80 بالمئة من الأعمال التي كتبها باخ الأب بخط يده.