متابعة / المدى
فجّرت الأزمة المحتدمة بين محكمتَي النقض والدستورية العليا في تركيا، أول صدام حاد بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وزعيم أكبر حزب معارض، أوزغور أوزيل، وصلت لدرجة دعوة أوزيل الجماهير للخروج إلى الشوارع للاحتجاج.
وتعيش تركيا أياما قلقة على وقع أزمة كبيرة بين محكمتي النقض والدستورية العليا، منذ الأربعاء 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، تتمحور بشأن موقف المحكمتين من استمرار سجن المعارض جان أتالاي، رغم فوزه في الانتخابات أيار/مايو الماضي.
كان فوز أتالاي من عجائب الانتخابات حينذاك؛ حيث رشّحه حزب العمال عن ولاية هاتاي وهو يقضي عقوبة بالسجن لمدة 18 عاما، وكان منتظرا إطلاق سراحه، لأنه أصبح يتمتع بحصانة برلمانية.
ويعمل النائب بالمحاماة، متخصصا في قضايا الحريات، وتم القبض عليه في 25 نيسان/أبريل 2022 خلال احتجاجات ضد الحكومة، وأدين بـ"المساعدة في محاولة قلب نظام الحكم" بموجب المادة 312 من قانون العقوبات، وأيّدت محكمة الاستئناف الحكم، لكن محكمة النقض لم تفصل فيه، وبالتالي لم يكن هناك حكم نهائي يمنعه من الترشح.
لماذا اشتعلت أزمة المحكمتين؟
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما بالإفراج عن أتالاي.
أثار الحكم غضب محكمة النقض، وهي أعلى محكمة في تركيا، التي أبطلت الحكم، وأقدمت في 8 تشرين الثاني/نوفمبر على تقديم شكوى جنائية ضد أعضاء بالمحكمة الدستورية الذين أيدوا الإفراج عن أتالاي، قائلة إن المحكمة الدستورية انتهكت الدستور.
انحاز الرئيس أردوغان لموقف محكمة النقض، متهما المحكمة الدستورية بمراكمة الأخطاء، وقال: "مع الأسف في هذه المرحلة، اقترفت المحكمة الدستورية خطأ تلو الآخر".
ودافع عن استمرار احتجاز أتالاي، قائلًا إن احتمال رفع حصانته البرلمانية سيستغرق وقتا، وإنه "مع الأسف تمكّن إرهابيون كثر من السفر إلى الخارج في الماضي؛ لأن عملية رفع حصانتهم في البرلمان كانت تستغرق وقتا طويلا".
وعلّق وزير العدل، يلماز تونج، بأن المحكمتين العاليتين لديهما اختلاف في الرأي، وإذا كان هناك أي غموض في القانون سيتم حله، لافتا إلى أن "كل ما يتعلق بقانون إنشاء المحكمة الدستورية يقع على عاتق البرلمان"، حسب موقع "تي أر تي خبر" التركي.
في المقابل، أيّد الرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أوزغور أوزيل، المحكمة الدستورية، واصفا قرار محكمة النقض ضدها بأنه "محاولة انقلاب ضد الشخصية الاعتبارية للمحكمة الدستورية".
كما اعتبر أن قرار محكمة النقض "مجحف بحق أتالاي"، ومع ذلك فالقرار ليس ضد أتالاي فحسب "بل ضد شعب هاتاي (الولاية التي انتخبت أتالاي) والبرلمان، ومحاولة لإلغاء الدستور".
ذهب أوزيل لأبعد من ذلك، باتهام أردوغان أيضا بأنه "انقلابي" على الدستور، وتصريحاته "تسبّب أزمة قضائية أخرى"، لكن "يبدو أنها محاولة للقضاء على النظام الدستوري"، في أول صدام بينهما منذ توليه رئاسة حزب الشعب الجمهوري قبل أيام، وفق موقع صحيفة "الزمان" التركية، السبت.
وتعهد أوزيل بأنه باعتبارهم حزب المعارضة الرئيسي "سنقاوم ذلك في الشوارع، سنقاوم في الساحات، ولن نستسلم لهذا الانفلات"، داعيا الجمهور والأحزاب إلى المقاومة ضد هذه المحاولة الانقلابية القانونية، حسب صحيفة "سوزجو".
واصطفت نقابة المحامين مع موقف المعارضة، وأدانت في بيان نقلته صحيفة "جمهورييت" التركية، محاولة البعض اتهام المحكمة الدستورية بمحاباة المنظمات الإرهابية، معتبرة أن هذا لا يتناسب مع هيئة قضائية تنوب عن الأمة التركية، وطالبت بالتحقيق مع مَن أساؤوا للمحكمة الدستورية.
ويستند المحامون في طلب الإفراج عن أتالاي إلى المادة 83 من الدستور التي تمنع تنفيذ حكم جنائي على النائب خلال عضويته؛ حيث تنص على أنه: "يجب تأجيل تنفيذ حكم جنائي ضد عضو في البرلمان، إما قبل أو بعد انتخابه، حتى نهاية عضويته، ولا يجوز تطبيق قانون التقادم خلال فترة عضويته".