علي الياسري
افضل ما في (قاتل) المخرج ديفيد فينشر بعيدًا عن الجوانب الفنية من معالجة سينمائية وستايل بصري وموسيقى تصويرية مميزة ومونتاج ذكي يحفظ طبيعة الايقاع هو اضطلاعه بمهمة تفكيك العقل الباطن لأمة الويسترن التي ترى التفوق والبقاء للأقوى فقط، وأن المرء قاتل او مقتول وكل شخص عليه البحث عن مصلحته.
يغطي الغربي ظلامية فكره وفقره الروحي بتساؤلات مثل: أليس هذا من طبع البشر؟ وأن الذين يؤمنون بحتمية أصالة الخير في النفس البشرية على اي اساس بنوا ذلك؟
يُقارب فينشر فكريًا حقيقة ثقافة ماثلة منذ سيطرة الكاوبوي الامريكي على العالم من فوق صهوة قنبلته الذرية كما صوره العظيم ستانلي كوبرك نرى تجسدها كل يوم بأبشع صورة. يقترب الفيلم من هذه الرؤية بترسيم ملامح أن اساس الحضارة هو (استغلال القلة للكثرة) دائمًا وفق نظرة مادية متوحشة مبهرجة خاوية سوى من فناء الابهار اللحظي. ربما هذا يفسر اصرار فينشر على ادخال كل ذلك الكم من الماركات والعلامات التجارية الشهيرة عالميًا امر يُبرز الاضطهاد وكل السلوكيات البشعة في العوالم الخفية والمظلمة للمنتج وصناعته والمُنتهية بدمٍ مسفوك كقربان لتلك النظرة التاريخية للوجود الانساني التي تنزع من الانسان معاييره في الرقابة الذاتية بوحي الضمير وجملة الاخلاقيات المترسخة في الروح لتنقلها الى عالم مادي قبيح بجوهره يُنظّر بكل متبنياته المعولمة مُعتنقي افكاره الشيطانية لترسيخ سيادة مخبوئة تحت طي التكنولوجيا والتسليع المتجدد والتطرف بمختلف صوره. يُذَكِّر فينشر بحكمة كارتالات الصناعات العسكرية المفضلة (اعمل ما شئت فهذا دستورك الفصل) لا وجود لشيء اسمه العدالة ولا الكارما طالما ان القناعات بآخرة باردة وعدمية شيء حتمي.
ان ما نشهده اليوم بمختلف بقاع هذه الارض وخصوصا في حلبة الصراع الازلية (الشرق الاوسط) بدأ من بواكير الالفية التي انطلقت سياساتها منذ عاصفة الصحراء وحتى الحرب على غزة وما تتضمنها من تدمير ممنهج للانسان ما هو الا تجسيد لمنولوجات (القاتل) الذي بعد ان طبق كل قوانينه واستعرض كل مهاراته واسلحته وافكاره ذهب ليسترخي على ساحل الكاريبي الدافىء بضمير متجمد لأنه لا ينتمي للجنس البشري الذي اعلن موته في كل فعل قتل.
The Killer (2023)