حسين العامل

لا يجسد تنوع الموروث الشعبي تنوع الحياة في مجالاتها كافة فحسب، وانما هو الحكمة المستخلصة من جميع التجارب الحياتية لشعوب الارض، ومن هنا تنطلق اهمية الحفاظ على هذا الموروث من الضياع والعمل على توثيقه عبر تدوين القديم والمستحدث منه.

فضياع اي جزء من الارث الشعبي هو ضياع لثروة معرفية قيمة من الحكمة المستخلصة من تلك التجارب الغنية والقاسية ايضا، وحسنا فعل الرعيل الاول المؤسس لمجلة التراث الشعبي العراقية عندما بادر ومنذ 60 عاما بإصدار اول مجلة تعني بالفولكلور والتراث لتحفظ بين دفتيها ما كان مهددا بالضياع من حكمة شعبنا.

فالحكمة والمثل الشعبي يمكن تشبيههما على سبيل المثال باللقى الاثرية أو العملة المعدنية المدفونة او المرمية على الارض فان نقبنا عنها وانتشلناها من الضياع عبر تدوينها وتوثيقها اصبحت ثروة معرفية وان اهملناها ضاعت واصابها الاندثار.

لذلك نرى ان ديمومة المشروع الثقافي لمجلة التراث الشعبي وجعلها مجلة شهرية بدلا من اصدارها الفصلي الراهن يكتسب اهمية مضاعفة للتعجيل بتدوين وتوثيق ارثنا الشعبي، فبالتوثيق وحده نحمي حكمة وتراث شعبنا من الاندثار ونتدارك ما حصل لإرثنا الحضاري من نهب وسرقات في حقبة ما بعد عام 2003.

فكم هو مبهج ان نجد اليوم ونحن نتصفح الاعداد القديمة والحديثة من مجلة التراث الشعبي ان ما وثقته هذه المجلة القيمة من تراثنا المدون عبر صفحاتها بات يشكل اشبه ما يكون بمتحف عريق يحفظ ارثنا الشعبي من حكمة وامثال وفولكلور شعبنا والشعوب الاخرى.

فالمجلة بعراقتها وحداثتها تشكل اليوم مساحة ثرية لتلاقح ثقافات المكونات والمدن العراقية وثقافات الشعوب الاخرى لتعبر بذلك عن الارث الشعبي الذي يوحدنا جميعاً.

وفي هذه المناسبة لا يسعنا الا ان ننحني اجلالا لجهود المؤسسين الذين وضعوا اللبنات الاولى في تأسيس واصدار المجلة ولإدارتها الحالية التي لمسنا حرصها على ادامة هذا المشروع الثقافي والمعرفي الذي يصون حكمتنا الثرية من الضياع والنسيان.

فحكمة الشعب لا يوثقها سوى ابناء الشعب، فيما الحكومات المتسيده لها كتابها ومدونوها الذين يوثقون تاريخها السياسي وتفاصيل حروبها وحتى خطاباتها المضجرة، فحكمة الشعوب العظيمة في الغالب لم تحظَ من الحكومات المتعاقبة بالاهتمام نفسه الذي يحظى به تدوين تاريخ الحاكم المبتذل.

ومن هنا بودي ان اشير الى ما قاله صديقي عالم الاثار الايطالي البروفيسور فرانكو دي اغستينو وهو يتحدث عن اهمية توثيق الارث الحضاري لشعوب بلاد ما بين النهرين اذ يقول ان " رجل الاثار يكون اكثر سعادة لو اكتشف حماما ولم يكتشف قصرا، ففي الحمام يكتشف معلومات عن الحياة اكثر مما تكتشف في القصر، ففي القصر ترى ما يودون هم ان تراه لكن في الحمام تكتشف اسرار الحياة الحقيقية وتطلع عليها عن كثب".

لهذا ندعو الى تفعيل دور وسائل الاعلام والدوريات الثقافية لإيلاء عناية اكبر بالتراث والموروث وحكمة هذا الشعب الذي تمتد جذوره عميقا في ارض الحضارة الرافدينية.

وفي الختام بودي ان اشير كباحث في مجال الامثال العراقية الى ان مجلة التراث الشعبي كانت ولا زالت بالنسبة لي، المعين الذي انهل منه مفردات الفولكلور والموروث والارث الشعبي عند تحقيق ومقارنة امثال مدينة الناصرية في كتابنا المعنون (سبعة آلاف مثل عراقي / جمهرة الأمثال في مدينة الناصرية) الذي يضم 14 مجلدا ويعد اضخم موسوعة امثال عراقية وعربية، والذي حظي اصدار المجلدات الستة الاولى منه بمباركة ادارة مجلة التراث الشعبي ورئيس تحريرها الدكتور صالح الزامل. فالف تحية وتقدير لإدارة المجلة وكتابها والعاملين فيها.