محمد حسين النجفي
اتسم القرن العشرين والربع الاول من القرن الحالي بحروب ونكبات كارثية، تركت آثارها على العلاقات بين الشعوب وغيرت من طبيعة التوزيع السكاني جغرافياً، وخلقت شتات بشري مبعثر هنا وهناك بعدما اجبرتهم الحروب والاضطهاد السياسي والعرقي والتمييز الديني، على الهجرة من ارض الإباء والاجداد، الى ديار غير ديارهم، مرغمين عليها غير مخيرين.
ولنأخذ مثلثين واضحين، اضطهاد الدولة العثمانية للأرمن في بداية القرن العشرين، ابان صراعهم مع الغرب، والتي سُميت بـ "مذبحة الأرمن"، مما أدى الى نزوح الالاف من الأرمن للنجاة بحياتهم الى الدول المجاورة ومنها سوريا ولبنان والعراق وإيران. الحدث الثاني اثناء وبعد حرب وتقسيم و"نكبة" فلسطين عام 1948، مما أدى الى هجرت وتهجير الالاف من العوائل الفلسطينية مُجبرين، الى دول الجوار ومنها الأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق والكويت. أعيدت الكَرة على الفلسطينيين اثناء وبعد "نكسة 5 حزيران" عام 1967، واستمرت الاحداث تتوالى الى يومنا هذا.
سكن وتكاثر عدد الأرمن والفلسطينيين في المخيمات التي اُعدت خصيصاً لهم من قبل المنظمات العالمية، لحين ما استطاعوا شق طريقهم في التعليم والتكيف للعيش في الدول المُضيفة لهم وليصبحوا بمرور الزمن مواطنين لهذه الدول. الأجيال التي تلَتهم، بحثوا عن مستقبل أفضل لهم في الدول الغربية مثل أوروبا وكندا وامريكا الشمالية والجنوبية. واليوم الأرمن والفلسطينيين منتشرين في كل بقاع العالم. وما الأرمن والفلسطينيين إلا مثالين للاستدلال على الفكرة التي نروم الوصول اليها، فهناك المصريين والعراقيين والهنود والافغان وسكان افريقيا وغيرهم، أصبحوا كذلك منتشرين في كل ارجاء المعمورة.
يقال ان المهاجرين الاوربيين الى القارة الامريكية قتلوا تسعين بالمئة من سكانها الأصليين، إلا ان ما تبقى منهم استطاع ان يفرض نفسه ليتقاسم القارة الامريكية مع المهاجرين البيض وتوقيع معاهدة سلام تضمن للقبائل الهندية التي يصل تعدادها الى 574 قبيلة، ان يكون لها ارض ووطن، خارج إطار سلطة الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية للولايات المتحدة الامريكية. كذلك حينما حاول اليونانيون في قبرص المستقلة حديثا عام 1960، ان يهيمنوا على السلطة بمفردهم، انتفض اتراك قبرص عام 1974 وتدخلت القوات التركية واليونانية لفض النزاع ورسم حدود آمنة بين المكونين عام 1975 ليعيشوا بسلام بانفصالهم عن بعض، وان الحكومتين التركية واليونانية كفيلة بضمان تحقيق ذلك.
كذلك علينا ان لا ننسى ان اليهود اُضطُهِدوا من قبل فرعون مصر وهاجروا وتاهوا في سيناء، وتمّ سبيهم من قبل نبوخذ نصر عام 586 ق م واخذهم سبايا من القدس الى بابل، ثم تعرضوا للاضطهاد على يد سلطة هتلر النازية وإيطاليا الفاشية ولم يكن اليهود محبوبين في عموم اوربا او أمريكا. وعلى العكس من ذلك كان اليهود مُعززين مُكرمين في الشرق الأوسط في العراق وسوريا ومصر وإيران وفلسطين، لا بل كانوا الطبقة المميزة المثقفة والغنية التي ساهمت في نهضة وتحديث هذه المجتمعات في النصف الأول من القرن العشرين، الى ان جاءت حرب فلسطين وتقسيم فلسطين ونكبة فلسطين وتهجير الفلسطينيين.
للأسف الشديد بُنيت إسرائيل ليس لصالح اليهود كما يتصورون، وانما لصالح الغرب سياسياً واقتصادياً، وعلى حساب اهل الأرض الأصليين من المسلمين واليهود والمسيحيين. أراد الغرب ان يُحجم العرب ويسيطر على مواردهم الطبيعية (النفط والغاز)، وكذلك أراد ان يتخلص من سيطرة وهيمنة اليهود على الاقتصاد الغربي بتشجيعهم الهجرة الى فلسطين كي يتخلصوا منهم، بدءاً بوعد بلفور الذي وعد باستحداث شعب جديد على ارض فلسطين. وفي رأيي فإن اليهود قد أكلوا الطُعم وأصبحوا أداة بيد من أضطهدهم بالأمس، كي يبنوا وطناً مصطنعاً، سيبقى مهزوزاً، لعدم انتماء جذوره للأرض.
إن تجارب الشعوب تدلنا على ان أي حاكم او سلطة ممكن ان يقضوا على حزب او على حركة، إلا انهم لا يستطيعوا ان يختزلوا او يمحوا شعباً بالكامل، والدلالة على ذلك ان اليهود ما زالوا في الوجود رغم تعرضهم للاضطهاد على مراحل الزمان وفي مختلف البقاع، كذلك فإن الشعب الفلسطيني سيبقى وسيزداد عناداً مهما بلغت همجية سلطات الاحتلال، لأن الشعوب لا تُقهر، انها أكبر من حركة او حزب انها الأشجار المباركة.
كان حرياً باليهود ان يعاملوا الفلسطينيين كما يحبوا ان يُعاملوا، وليس كما عاملهم الغرب، كان حرياً بهم ان يحاربوا الغرب الذي هجّرهم من ديارهم. ان الحركة الصهيونية والتطرف الديني لدى بعض اليهود سيختفي يوماً، وربما سينتهي دور حماس في المستقبل، إلا ان بقاء الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي غير مرهونين بهما.
جميع التعليقات 2
مازن الحيدري
عل من الممكن ان نطلق تسمية شعب مستحدث على المجتمع الأمريكي المكون من مهاجرين من بلدان وشعوب مختلفة ؟
محمد حسين النجفي
نعم ممكن تسميته شعب مستحدث، ولكن استحداثه لا يعني انه شعب متجانس ذو جذور وتاريخ. لذا يقال هنا افريقي امريكي، عربي امريكي، فيتنامي امريكي. وسيبق كذلك. تحياتي ابا حمزة