عبدالله السكوتي يحكى ان احدهم كان في سفر فاخرج من زوّادته رغيفا من الخبز، وجلس على النهر يريد تنقيعه بالماء، كي يأكله، وصادف ان زورقا مر بالقرب منه، فاثار المياه فجرفت الرغيف، لحق صاحبنا برغيفه دون جدوى، فعاد خائبا وهو يردد: اذهب صدقة عن روح والديّ.
وهذه الحكاية تطابق حكاية مشابهة، وقعت لاحد الاخوة الكرد فقال من الكردية: (برو بخير باوكم)، وبرو تعني اذهب وبخير تعني الصدقات على الميّت ويسميها اهل بغداد خيرات، اما باوكم فتعني والديّ. والصدقات ماشية في زماننا، ولم تقتصر على الخبز، وانما تعدته الى اشياء اخرى، ربما لم تكن من ضمن الصدقات في يوم ما، صدقات الارض، وصدقات الثروات وصدقات المياه، وربما تدخل هذه الصدقات ضمن باب المأخوذ بالقوة، وعند اليأس منها تردد الجوقة اذهبي صدقة عن ارواح موتانا، لاننا مشغولون بامر اكثر اهمية وعلينا الانتهاء منه اولا، وجلّ مانخشاه ان تطول قائمة الصدقات. ومانخشاه ايضا اننا حين نعطي، يكون عطاؤنا عطاء العاجزين عن استرداد ماخرج من ايديهم، لنبرر ضعفنا بمصطلحات اخرى، تحفظ ماء الوجه ليس الا، مايعني ان صدقاتنا كصدقة صاحبنا، حين هرول خلف الرغيف فلم يظفر به، ولذا اراد ان يقنع نفسه، ويدخره الى يوم آخر بعد ايمانه انه ضاع وانتهى الامر. وهذا الامر ماكان ليكون، لو ان اوضاعنا الداخلية مستقرة، ومع هذا ولان الديمقراطية وضعت بايدينا، وانه بعد كل اربع سنوات سنمرّ بوضع كهذا، علينا ان نرتب عن طريق وزارة الخارجية تشكيل لجان متخصصة تعنى، بامر الارض والمياه والثروات، وتنسق مع دول الجوار لحلحلة جميع الامور العالقة، وهذه اللجان المستقلّة لاتتأثر بالحالة السياسية، والتغييرات التي تحدث من جرّاء العملية الديمقراطية. الدول المحيطة بنا رسمت سياستها على ضغوط سياسية واقتصادية تمارسها بين حين وآخر، على اضعف ماموجود على الساحة، وهذه السياسة التي ترسمها دول المحيط، لاتعني بالضرورة الهيمنة العسكرية المطلقة، وانما قد تكون تمويلاً لنشاط حزبي معين، او تصديراً لازمات داخلية، او حتى تغذية تيارات متطرفة في داخل البلاد للانحدار بالنهج الجديد، او التأثير عليه باستخدام عوامل التشويش وهذا من شأنه ان يجعل البلد مضطربا، حتى وان كانت الاوضاع الداخلية مستقرة؛ وعلى مستوى عالمنا الممتد يشهد العالم اجمع ازمات حدودية، او ازمات مياه، لكن الدول المعنية بهذه الازمات ومنذ عشرات السنين تسعى دائبة، لتغليب مصالح شعوبها، مرة عن طريق المفاوضات المستمرة، ومرة اخرى باجراء المناورات واظهار قوتها كدول تستطيع ان تدافع عن مصالحها، ونحن وبعد سياسات النظام السابق، لدينا مشاكل مع اغلب دول الجوار، وعليه يتوجب رسم سياسة عامة تعنى بهذه الاشكالات كما تعنى بالمشاكل الداخلية، وحتى لانصبح مثل اخينا صاحب الرغيف، نضعه في الماء، فيأخذه الروج، وعندما نيأس، نقول له:اذهب صدقة عن ارواح موتانا.
هواء فـي شبك ..(صدقات)
نشر في: 23 أغسطس, 2010: 09:13 م