اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > كلاسيكيات: محرِّكات رهيبة. . شاذة ضارية إلى الغرابة

كلاسيكيات: محرِّكات رهيبة. . شاذة ضارية إلى الغرابة

نشر في: 22 نوفمبر, 2023: 11:33 م

ترجمة: عباس المفرجي

الظهور الأول لكاراكس منذ 13 عاما، هو اوديسّا سريالية مُحكمة، تجعل من أغلب الأفلام الأخرى تبدو مقموعة.

حيث قدّم المخرج الفرنسي ليو كاراكس، مخرج فيلم " عشاق بونت نوف " و " بولا أكس "، ظهوره الأول، منذ 13 عاما، بفيلم اوديسّي سريالي غريب، عنصره السحري هو كوميديا. هذا هو فيلم رائع، مناف للعقل ومفعم بالأسارير؛ هو بحد ذاته سرّ واحد كبير. " محرِّكات رهيبة " فيلم غامر ومنفِّر على نحو متزامن. خلاله، ينسى المتفرجون الى الأبد الإحساس بالقصة ويغرقون في حمام دافئ من اللامعقول، لكنهم يهتزون خارجين منه بإستنتاج غير متفق مع المقدمات، وإستراحة موسيقية اكورديونية، وحيل وألاعيب غير متوقعة.

ثمة شيء شديد الجنون حول هذا الفيلم، مفعم بحاجة شاذة ضارية الى الغرابة. بينما الكثير جدا من صانعي الأفلام راضين عمّا عرَّفه بيتر غرينواي بنتاجات قبل سينمائية – أفلام تبدو إقتباسات رصينة عن روايات أو مسرحيات، سواء كانت كذلك او لم تكن – فأن ما يريده كاراكس حقا هو إستخدام حرية السينما ومرونتها المتطوِّرة. حين شاهدت هذا الفيلم أول مرة، كتبت أن له طابع مستلهم من التشعث والفوضى. إنه يجعل أغلب الأفلام الأخرى تبدو مقموعة جدا.

نجم كاراكس هو شريكه منذ زمن طويل في أفلامه، دوني ليفان، الذي يؤدي دور مسيو اوسكار، رجل أعمال غامض، مستخدم من قبل منظمة مبهمة يترأسها رجل بشاربين كثّين (ميشيل بيكولي)، يقوم بظهور سريع ساخط في الفيلم. يتنقل اوسكار في باريس على مقعد خلفي في سيارة ليموزين بيضاء طويلة؛ على مقودها تجلس سائقته الموثوقة، سيلين، التي تلعب دورها إديت سكوب. وجه ليفان ملغز بقدر ما هو وجه باستر كيتون، لكن غموض وجهه هو كل ما يملكه. إنه وجه ملاك مدمَّر، أو وجه كائن فضائي تستحوذ عليه قوى غير أرضية. لدى مسيو اوسكار عدد من’’ المواعيد ‘‘ التي عليه إنجازها قبل نهاية اليوم، والتي يقيّم ضروراتها بفحص دقيق لحافظة أوراق. لكل موعد، يتنكّر بقناع جديد: المقعد الخلفي للسيارة هو بمثابة غرفة تبديل ملابس مسرحية، ومثل جيم فيلبس في " المهمة المستحيلة "، يستخدم اقنعة وجه لبنية.

لكن ماهي بحق الرب هذه المواعيد؟ لأحد المواعيد، يتنكّر بملابس امرأة عجوز متسوّلة، يتجول قليلا هنا وهناك – وكما هو واضح، من دون حديث او إتصال مع أي أحد – ومن ثم ينسحب عائدا الى سيارته. لموعد آخر، يصبح بهلوانا، مرتديا بدلة ضيّقة جدا سوداء بكرات بيضاء، ملوِّيا أعضاء جسمه، تصاحبه امرأة مكسوّة بالأحمر، يؤديان وصلة ايروتيكية جريئة من إبتكارهما. في قناع آخر، يغدو’’ مسيو ميرد ‘‘، عفريت صغير برداء أخضر، كان أبدعه كاراكس وليفان في قطعة قصيرة من فيلم " طوكيو " عام 2008. يختطف ميرد فتاة موديل، تؤدي دورها ايفا منديز، ويحتجزها أسيرة في كهف. هو حتى له صدام حاد، ومأساوي مع ايفا، امرأة يبدو انها حبه المفقود – أداء غنائي ظريف، لكنه رقيق من كيلي مينوغ. يقوم كاراكس في سياق الفيلم بتلميحات من مولع بالسينما الى جان كوكتو، جان- لوك غودار، جاك ديمي وجورج فرانجي؛ مع قناع بارد، تكرر إديت سكوب شخصيتها الشهيرة في فيلم فرانجي من عام 1960 " عينان بلا وجه ". لكن التأثيرات الأكثر فعّالية هي ربما جَي جِي بالارد، لويس كارول، فريتز لانغ أو ديفيد لينش، الذي يحوم فيلميه " رأس الممحاة " و" امبراطورية في الداخل " حول مقدمة الفيلم الغريبة، التي يستيقظ فيها المخرج نفسه ويطوف عبْر قاعة سينمائية مظلمة، يرافقه أصوات مكدّرة لطيور النورس. أقنعة اوسكار ربما هي تعليق غرائبي، هجائي عن توقنا للمنطق والتقدم في حياتنا، توق للإستقرار والهوية الذاتية، أو العكس تماما؛ توق للهروب من سجن الهوية. يمكن أن يكون الفيلم بوذية سقيمة، مجموعة من تناسخات لاعقلانية، أو ربما هو في الواقع إقتباس أدبي عن سطرين من قصيدة تي أس اليوت " بروفروك ": ((سيحين وقت / تهيأ فيه وجها للقاء الوجوه التي تلتقيك.))

فوق ذلك، الشيء المناف للعقل والحلم المناف للمنطق يتيحان قوة غير متوقعة للحظات جادة وعاطفية، تكون مؤثرة أكثر ومضايقة لأنها تنبع من لامكان وتكون حقيقية جدا بشكل غامر. في لحظة، يعاني اوسكار سكرات الموت، رجل عجوز يودّع صديقته المخلصة الرقيقة ليا (ايليز لومو)، التي جعل منها غنية، لكن بفعله هذا سبّب لها أن تحب رجل ما حطّم قلبها. في مشهد محكم آخر، يغدو اوسكار أبا نكدا، يذهب الى حفلة ليخرج منها إبنته المراهقة التعيسة. معاملته لها هي واحدة من أكثر الأشياء رعبا شاهدتها في السينما منذ سنوات.

" محركات رهيبة " يمكن أن يكون فوضى الروح متعددة الشخصيات، تحطم تراجيكوميدي للذات، ناشئا عن كارثة ما، كانت حدثت خارج البصر تماما، وراء ما تبلغة الذاكرة تماما، لكن من المحتمل تماما أن يكون مجرد أداء بارع متسم بالثقة بالنفس، خيال، هزل. هذه هي النظرية التي أميل اليها. إنه محض متعة صافية.

عن صحيفة الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مشهد بصري لشاعر يتلهّى ويستأنس بالكلمات والصُّور الشعرية

الأثر الإبداعي للكتب السينمائية المترجمة ملف "السينمائي" الجديد

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

مقالات ذات صلة

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية
سينما

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

المدىياسر كريم مخرج شاب يعيش ويعمل حاليا في بغداد، حصل على بكالوريوس علوم الكيمياء من الجامعة المستنصرية. ثم استهوته السينما وحصل علي شهادة الماجستير في الاخراج السينمائي من Kino-eyes, The European movie master من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram