اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العدوان الوحشي، والأقنعة الدينية التأويلية

العدوان الوحشي، والأقنعة الدينية التأويلية

نشر في: 25 نوفمبر, 2023: 10:22 م

نبيل عبد الفتاح

أن نظرة طائر على مشاهد الحرب العدوانية الإسرائيلية على المدنيين فى قطاع غزة، تشير إلى حالة من التحلل الكامل من الشرعية الدولية لقانون الحرب، والقانون الدولي العام، والدولي الإنساني، التى تشكلت تاريخياً من أجل ضبط السلوك السياسي، والعسكري، والإنساني لأعضاء المجتمع الدولى، ومنظمة الأمم المتحدة، وضبط غلواء الدول وقادتها من النزعات التدميرية فى الحروب، والنزاعات الدولية، والإقليمية،

والتى تؤدي إلى دمار البشر، والحجر، واأنهار الدماء، وخاصة فى الدول الصغرى، والمجتمعات والشعوب المحتلة، والتى لا تزال تحت الحكم الكولونيالي وبقاياه، مثل الشعب الفلسطيني، وأراضيه المحتلة فى غزة، والضفة الغربية! الأخطر حماية المدنيين وقت الحرب، وحدود وضوابط سلوك المستعمر تجاه المدنيين، وأرض، وممتلكات الشعب المستعمر! المثير للسخط، والغضب أن المستعمر الاستيطاني الإسرائيلي لا يأبه قط، ومعه داعميه الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، ودول الاتحاد الأوروبي، تساند وبقوة الحالة الاستعمارية الاستيطانية سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا بكل قوة. الأخطر - الأخطر هو التلاعب بقواعد الشرعية الدولية، وشرعنة العدوان الإسرائيلى بمقولة أننا إزاء دفاع شرعي تجاه عملية طوفان الأقصى التى قامت بها جماعة حماس والجهاد الإسلامي، ونسيان أن الحق فى المقاومة بكافة أشكالها هو عمل من أعمال الشرعية للشعب أو الجماعة المحتلة إزاء المستعمر الاستيطاني، من أجل تحرير الأرض، والشعب المحتلين. هذا النمط من التلاعب، واللا مبالاة بقواعد الشرعية الدولية يرمى إلى إضفاء الشرعية اعلى العدوان الإسرائيلى ونسيان جرائمه فى تمدد المستوطنات، والأبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والتطهير العرقي، والعقوبات الجماعية، وعمليات القتل، والتدمير الممنهج لإعداد ضخمة من المدنيين، والمبانى حيث وصل عدد القتلى - الشهداء- إلى أكثر من 13 ألف، وأكثر من 4506، طفل خلال ما يزيد قليلا على 4 أسابيع، وهو ما يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا فى الصراعات المسلحة فى 22 بلدا حول العالم منذ عام 2020، وفق الأمينة التنفيذية للإسكوا - برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا-، وتشير أيضا منظمات حقوقية إلى مقتل طفل كل 7 دقائق،، وهو سلوك ممنهج فى عمليات القتل والتدمير، على نحو يكسف عن نزعة عدوانية متأصلة فى الثقافة العسكرية الإسرائيلية التى تجد سندا سياسيا وعسكريا داخل اليمين المتطرف الإسرائيلي، والمسيحية الصهيونية داخل الولايات المتحدة، وخارجها!

لا شك أن تفسير هذا السلوك العدواني المتعصب مرجعه تركيبة الثقافة السياسية، والدينية داخل المجتمع الإسرائيلي، والطبقة السياسية، وجذور بعضها العسكرية والدينية الراديكالية إزاء الأغيار، وخاصة العرب، والمسلمين. أن بعض الخطاب الديني التوراتي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وحكومة الحرب المصغرة، وغيرهم فى الحكومة الموسعة، ومعهم الحاخامات المتطرفين تعيد طرح سؤال جديد، وقديم هل نحن إزاء صراع ديني، ومن ثم حرب دينية؟

هذا السؤال القديم/ الجديد مرجعه استخدام الميثولوجيا ذات السند الدينى، فى بناء تصورات أطراف النزاع المسلح فى خطابتهم، وفى أنظمة التنشئة الاجتماعية والدينية والسياسية، وفى نظام التعليم الإسرائيلي، على نحو يؤدى إلى إنتاج هذه الميثولوجيا الدينية التأويلية، وإعادة إنتاجها، فى تكوين وتشكيل المواطنين من مراحل الطفولة، والصبا، إلى مراحل الرشد المدني. من هنا تدخل هذه الميثولوجيا الدينية التأويلية من منظور غالبية الحاخامات، والمعلمين في تشكيل إدراك، ورؤية المواطنين الإسرائيليين تجاه الأغيار – " الجويم" -عموما، والفلسطينيين، والمسلمين والإسلام خصوصا، على نحو يؤدي إلى هيمنة رمزية للإيديولوجيا الدينية وأساطيرها التأويلية التوراتية تجاه الشعب الفلسطيني، ومعها شرعنة دينية للقتل، والاستيطان، واحتلال أراضي الشعب الفلسطينى، وخاصة ما بعد 5 يونيو 1967!

ثمة انتهاك لقواعد القانون الدولي، وقانونى الحرب، والدولي الإنساني، والقرارات الدولية 242، 338، وغيرها، -بل واتفاقية أوسلو 1993، وعدم الالتفات الإسرائيلي إلى المناشدات الدولية بوقف إطلاق النار، أو إقامة هدن إنسانية، وإنما إصرار علي تدمير المباني الذى وصلت نسبتها إلى نصف مباني قطاع غزة، سواء المبانى السكنية، أو الحكومية، وقتل الأطفال والنساء، والمسنين من المدنيين! والمدارس، وأماكن الإيواء، وقصف المستشفيات، ودور العبادة الإسلامية، والمسيحية، على نحو غير مسبوق فى النزاعات الدولية المسلمة!

أن عملية أسطرة الصراع الإسرائيلي، الفلسطيني، وتحويله من صراع بين المحتل الكولونيالى/ الأستيطاني، وبين الشعب الفلسطيني المستعمر، مرجعه استمداد أطرافه تاريخيا المرجعية الدينية سنداً، فى تبرير وتسويغ وشرعنة عمليات القتل، والتدمير، والأهم الاستخدام الوظيفي الإسرائيلي للميثولوجيا الدينية التأويلية فى بناء العقيدة العسكرية للجيش، والجنود والضباط إزاء الفلسطينيين والعرب عموما. هذا الدور الوظيفي للدين فى الميثولوجيا التأويلية للمسيحية الصهيونية مسيطر إعلاميا وسياسيا فى الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، علي الرغم من التناقضات التأويلية حول النصوص الدينية المقدسة لدى كل هؤلاء السياسيين الغربيين، ورجال الدين ونسائه!. من ناحية أخرى، تبرز حالة الهوس الإعلامي التقليدى فى فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والولايات المتحدة فى الدعم غير المسبوق لإسرائيل؛ وحربها العدوانية على قطاع غزة.، ومرجع ذلك "عقدة الذنب" التاريخية إزاء المحرقة لليهود، والتى لم يكن للعرب، والفلسطينيين أى دخل بها مطلقاً! إنها الميثولوجيا، والإسلاموفوبيا التى يؤججها اليمين الأوروبي، المتطرف، واليمين عموما، وبعض من اليسار المأفون ضد الإسلام والمسلمين فى فرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، وأوروبا إزاء إسلام الضواحى، والتهميش، والحصار له، وللمسلمين الأوروبيين من ذوى الأصول العرقية غير الأوروبية، من الأجيال الثانية، والثالثة من المولدين داخل هذه المجتمعات، وباتت تشكل حالة هوسيه لدى اليمين الأوروبي بكافة أطيافه، ومكوناته، ومعهم الطبقات السياسية الحاكمة، والسياسيين ما بعد الحرب الباردة، وملكاتهم السياسية المحدودة عن أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة!

أن تديين الصراع، يهدف إلى تحويله من صراع بين الشعب المستعمر، الى وحقه فى الدفاع الشرعي عن نفسه، ومقاومة المحتل الاستيطاني على الأراضى الفلسطينية المحتلة ما بعد 5 يونيو 1967 إلى صراع أديان، وهو ما ينذر باحتمالات خطيرة بعد أن تنتهي هذه الحرب العدوانية، وظهور راديكاليات إسلامية سياسية جديدة، ترد على مذابح الحرب الإسرائيلية. أن تديين الصراع السياسى بين الكونيالية الاستيطانية الإسرائيلية، وبين الشعب الفلسطيني، خطر على كافة الأطراف، لأنه يذكي عمليات القتل والمذابح والتدمير الممنهج للمبانى، والبشر.

قد يقال أن حماس والجهاد الإسلامى حركتين دينيتين، وخطابهما دينى! وهذا صحيح وجذوره ترجع إلى الاستدعاء المقابل للمرجعية الدينية التوراتية إزاء الكولونيالية الاستيطانية التى احتلت أراض فلسطينية على أساس ديني! من ناحية أخرى جذر هذه الجماعات -الإخوان المسلمين لحركة حماس- الديني والإيديولوجي واستخدامها الوظيفي للدين الإسلامي، يعود إلى فشل الأمم المتحدة، والدول الخمس الكبرى، فى إنفاذ قرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين، واللامبالاة بالعدوان المستمر على المدنيين. من هنا هذا التوظيف الديني للمقاومة، مرجعه أن إسرائيل استخدمته فى مواجهة الجماعات الراديكالية فى تكوين منظمة التحرير الفلسطينية، وفى إفشال اتفاق أوسلو -42% من الأراضى المحتلة بعد 5 يونيو 1967 -، وفى دعم وتوظيف الانقسام الفلسطيني بين سلطة أوسلو، وسلطة حماس.

عندما يغيب أفق حل الدولتين، والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لا يجد الفلسطينيون أداة للتماسك الاجتماعى، والتضامن، والتعاضد، سوى الإسلام، والمسيحية الشرقية، وأداة هوياتية ضد المستعمر الاستياطني، ووحشيته وخاصة فى ظل القصف الجوي، والمدفعي، والصاروخي، والقنص، وأنهار الدمار المتفجرة من الأطفال والنساء والمسنين، والآباء والأمهات، والأجداد!

هنا يبدو السند الرئيس للمدنيين، والمقاومة المشروعة للاحتلال متمثلا في الإسلام كهوية، وعقيدة، وأداة للتعبئة، والتعاضد الاجتماعى، وسط الدمار، لأن العالم لا يقدم سوى بعض الكلمات الفارغة التى تذهب هباءاً منثوراً فى الفراغ الإنساني!

· عن صحيفة الاهرام

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القبض على عشرات المتسولين والمخالفين لشروط الإقامة في بغداد

لهذا السبب.. بايدن غاضب من صديقه اوباما 

في أي مركز سيلعب مبابي في ريال مدريد؟ أنشيلوتي يجيب

وزارة التربية: غداً إعلان نتائج السادس الإعدادي

التعليم تعلن فتح استمارة نقل الطلبة الوافدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram