طالب عبد العزيز
كراهية الاسلام والموقف المتشدد من المهاجرين ورقتان ناجحتان بيد الناخب الاوربي اليوم، فها هي استطلاعات الرأي في هولندا تظهر فوز الحزب اليميني المتطرف، المناهض للإسلام، بزعامة (غيرت فيلدرز) في الانتخابات التشريعية وتراجع أحزاب أخر من اليمين واليسار والوسط، وربما ستشهد بلدان اوربية أخرى نتائج مماثلة، فالشارع هناك محكوم بالمال والاعلام بقوة، وهما قوتان مهيمنتان يداران بأيدي يهودية، في غالب الاحوال، وهناك عقل مدبر على يعمل على شيطنة الاسلام وابقاء وإدامة الهيمنة تلك.
وعلى الرغم من أننا أصبحنا نقرأ ومنذ عقود وصفاً جديداً لأوربا، فهي القارة العجوز في الاعلام والسرديات الحديثة. واضح أنَّ الخلل بالنظام الاجتماعي جعلها بحاجة مستمرة وغير مستغنية عن الفارين لها من من جحيم أسيا وأفريقيا، الباحثين عن ملاذات حياتية آمنة، مع يقينهم بأنهم سيتحسسون عنصرية الاوربي، وإن حاول اخفاءها، وإن كانت التشريعات والقوانين تمنع وتحرّم ذلك، وقد لاحظنا أمثلة صريحة كثيرة ضد الزنوج والآسيويين، في احتجاجات وتظاهرات لندن وباريس ونيويورك قبل سنوات. إذن، الحاجة الى المهاجر الملون قائمة في العقل الاوربي الابيض، لكنَّ ذلك لم يكبح الضغينة أو النقيصة التي في قلبه عليه.
نسمع من أصدقائنا العرب الذين هاجروا وأقاموا ثم أصبحوا مواطنين في اوربا عن القوانين والتشريعات الصارمة التي تجرّم العنصرية، وتمنع الازدراء الديني، والتفرقة بحساب اللون والعِرق، ويبالغ البعضُ منهم بإضفاء اللون الوردي على الحياة هناك، لكنَّ المعطيات الاخيرة، والحرب الاسرائيلية على عزة فضحت كلَّ ذلك، وتكشفت حقيقة الاوربي(الجنتلمان) في أكثر من موقف، بفرنسا ولندن ونيورك وبرلين، وما تحريك الاساطيل وإمداد اسرائيل بالمال والاعلام والقرارات الاممية إلا الصورة الاقبح لقادة وأحزاب القارة العجوز هذه. ربما يردنا البعض قائلاً: إذن، كيف تنظر الى بلوغ بعض المهاجرين المراتب الرئاسية الاولى في بلدان محورية باوربا، بريطانيا مثلاً، بعد صعود المهاجر الهندي، ريشي سوناك، كرئيس للوزراء هناك؟ نقول: هو الولاء والحاجة.
الغريب في الحياة هناك أنَّ نسباً كبيرة من المهاجرين تحولوا الى أوراق انتخابية بيد الاحزاب والمرشحين، ففي التسعينات، وعبر رسائل متبادلة، مع اصدقاء لي بكوبنهاجن واوسلو، ومعظمهم من المنتمين الى اليسار العراقي، كنت أقرأ جملاً مثل:" أنا سأصوّت الى الحزب الفلاني، هو يميني نعم، لكنه يعمل على تحسين تشريعات الهجرة، وإنصاف المهاجرين" هل أتت الفخاخُ المنصوبة لهؤلاء أكلها اليوم؟ هل استطاعت الاحزاب هناك من امتصاص موقف المهاجر واللعب على عواطفه؟
نحن نقرأ مع تونبي مراحل ولادة ونمو وشيخوخة الحضارة، وكل المعطيات تفصح عن أحوال القارة العجوز هذه، فالحقيقة القائمة، والمآل المتربص بها يقول بنهاية حتمية لها، ولن يكون بمقدور المؤسسات العملاقة إدامة هيمنتها الى الابد، وربما انقلب السحرُ على الساحر، فالاعلام الذي أحكمت قبضتها عليه وسخرته لإراداتها والمال المدَّخر في خزائن اليهود الاثرياء، والشارع الملون، شارع المهاجرين المتوطنين هناك لم يعد كما كان قبل عقود، أو قبل عقد واحد حتى، ولن يحكم العالم بتشريعات وقوانين بيضاء حسب، أفاز اليمين بهولندا أم لم يفز، هناك منقلب كوني سيعصف، وهناك قوى ملونة أخرى ستصحح ميزان الغرب الاعور.
بقيَ أن نقول: عملت الدوائر الاستخباراتية في امريكا وأوربا وطوال عقود، على شيطنة الاسلام، وخلق صورة مرعبة ومشوههة عن العرب والمسلمين، وهذا واضح في تنظيمات الاخوان والوهابية والقاعدة والدول الاسلامية(داعش) وغيرها، التي سوقتنا، نحن العرب المسلمين بوصفنا الصورة النهائية للقبح والتخلف، وساهمت في تنميطها الانظمة الرجعية العربية.. لكنَّ هذه ايضاً لن تَعِدَ بأمد طويل، فقد بانت العورات وتكشفت القبائح، وهذه الحرب التي بغزة تطيح بالدين والأحزاب الطالعة منه، وبالطوائف المتفسخة فيه، وبالعمائم والافواه، وبالجيوش وبالحشود وبالبرلمانات.