ناجح المعموري
فوجئت عندما قرأت قصة القاص محمد كامل عارف "الطير الأسود الصغير " المنشور في مجلة الآداب ، العدد الثامن عام 1964
كانت لحظة تعرفي عليه فارقة عن ما تركته كثير من القصص التي اطلعت عليها تكرست هذه الملاحظة بعد قراءة ملاحظات الناقد الصاعد تواً صبري حافظ الذي تحمس كثيراً لهذه والقصة ، وتداولنا اسمه في أيام الجمع التي تجمعنا في مقهى الشابندر التي تحوّلت حاضنة لعدد من الأصدقاء ، وحّدت بيننا القصة على الرغم من التباين الفكري والسياسي ، كل منا قدم ملاحظاته على الطير الصغير الأسود ، والشحنات التي تتبدى عنها المرموزات والطاقة الشعرية الكامنة في السرد الذي لم يكن مألوفاً ، لأن محمد كامل هارف نشر قبل محمد خضير وعندما نشرت الآداب قصته الثانية "الغريبان " في العدد التاسع 1967 تكرس التعرّف عليه وانفتح أمامنا ــ نحن الشباب ــ منفذاً أوسع وأعمق في الكشف والتكشف ، حيث تعرفنا على تجربة محمد كامل عارف في الاطلاع على تأثير سارتر وسيمون بوفوار وكامو في الثقافة العربية وتشرب القاص هذه التمثيلات بوضوح في قصته " الغريبان " التي درسها أيضاً الناقد صبري حافظ وتحمس لها واعتبرها افضل بكثير من القصص التي نشرت معها في العدد ذاته . وصرنا نحن الشباب أكثر هوساً بهذا القاص ، كلما التقينا لكننا لم نفكر بالكتابة عنه ، لأنني ــ على الأقل ــ وجدته قاصاً يطوف وسط فضاء خاص به .
ظلت علاقتي بالقصتين مستمرة ، أعود لهما باستمرار وكلما التقينا في مقهى الشابندر ، ونحن نستعد لإصدار مجموعة قصصية شابة والمجموعة مكونة من " إبراهيم أحمد / جهاد مجيد / نعمان مجيد / أحمد محمد العلي / فاضل الربيعي / ناجح المعموري . وقاص بصري لا أتذكر اسمه الآن " واخضعنا القصص للمراقبة الذاتية فنياً وفكرياً ، وغادرنا كل من نعمان مجيد وإبراهيم أحمد ، واكتفينا بالأربعة وما اتفقنا عليه هو شبابية القصص أو المجموعة من خلال العنونة والتصميم والشهادات التي ستتقدم كل اسم من اسمائنا وأتذكر بأني كتبت رأياً نقدياً / ثقافياً عن إمكانات إعادة إنتاج الأسطورة في السرد . وما زلت حتى هذه اللحظة مقتنع بأنني أول من غامر بالحديث عن توظيف الأسطورة في السرد . ولكل من الآخرين محوره الذي لم يكن جديداً ، لكنه مغاير بجرأته وشجاعته . وصدرت المجموعة المشتركة " الشمس في الجهة اليسرى " والعنوان كاشف على الرغم من أن القاص المرحوم محمد أحمد العلي لم يكن منتمياً للحزب الشيوعي ، وصدرت المجموعة وحصدت اهتماماً نقدياً و كتب عنها عبد الكاظم عيسى / محمد جبير / ولابد من الإشارة الى أن الصفحات الثقافية لم تنفتح أمام هذه التجربة ، واتذكر بأن محمد جبير نشر رأيه عن المجموعة في جريدة الراصد ، وعبد الكاظم عيسى في مجلة الأقلام . والملفت لنا ونحن في شارع المتنبي ما قاله المرحوم لطفي الخياط الصحفي المعروف في جريدة الجمهورية ، معبراً عن رغبته لإجراء حوار بين أفراد الجماعة وكانت المفاجأة سعيدة وحدّد لنا موعداً مع جريدة الجمهورية وتأكد لنا بأن الخياط قرأ القصص . مع شهادات ، تعامل معها بوصفها بياناً سردياً ، وقاد حواراً مهماً وقنوعاً عن التشارك مع وجود تباينات فنية واضحة ومكشوف عنها من خلال ما يمكن أن نطلق عليه البيان الثقافي ، وعرفنا من المرحوم لطفي الخياط بأنه أنجز تحرير الحوار وقدمه للأستاذ محمد كامل عارف والمشرف على صفحة آفاق في لجمهورية لم يرتح للحوار وتمركز الأنوات الواضح وانزعج من ملاحظاتي عن قصة سمبثاي للأستاذ فؤاد التكرلي والتي نشرت قبل فترة قصيرة في الجمهورية وقدمت أنا ملاحظات نقدية قاسية على القصة مما أزعج محمد كامل عارف وأعاد الحوار للأستاذ لطفي الخياط الذي احتفظ به على أمل نشره في مكان ما . لكن لم يجد فرصته ووجدت الأستاذ الخياط في عمان ودار حوار بيني وعبد عون روضان وهو وسألته عن الحوار وأجاب بأنه محفوظ في مكتبته .
كل هذا التاريخ الطويل وأنا أتذكر محمد كامل عارف وأتابعه وهو في لندن وأقرأ ما ينشره في صحيفة المدى وفي الدورة الأولى الانتخابي رئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق وضمن مشروعي لاستدعاء الاسماء البارزة في الثقافة العراقية واستحضارها عبر ما يشبه الاحتفاء بها وحققنا ضمن هذا البرنامج الكثير ، لكني واجهت صعوبة في إقامة جلسة استحضار لمحمد كامل عارف ، على الرغم من أنني كلفت الناقد باقر جاسم بالتحضير لأمسية خاصة به وهديته الى مجلة الآداب التي قدمتها بأعداد كثيرة ضمن مكتبة واسعة الى كلية الآداب . وزودني بنسختين مصورتين من القصتين وقرأتهما ، لكني لم اكتب . وفي الدورة الثانية اتصلت بالأستاذ باقر جاسم واقترحت عليه المشروع وأنا سجلت ملاحظات عنهما وعرفت مساء الثلاثاء عن طريق الصدفة بأن جلسة الاربعاء هي عن قاص آخر .
على الرغم من أنني تصرفت بوصفي صديقاً وليس رئيساً للاتحاد ، فاتصلت وحاورت الصديق د. عمار المسعودي والعزيزة د. راوية ، واضطرت أمانة الشؤون الثقافية الى شطب الإعلان السابق ونشر ما يشير لمحمد كامل عارف ، كانت الأصبوحة الاستحضارية او الاستعادية لمحمد كامل عارف ناجحة ومتميزة .