فيليب اجيون *
ترجمة : عدوية الهلالي
في الأول من آذار عام 2023، ذكرت عدة مقالات دراسة أجراها المعهد الاستراتيجي الأسترالي أن الصين تتمتع بتقدم مذهل بين 44 تكنولوجيا ناشئة، ويعكس هذا الامر خوفاً متزايد الانتشار في الدوائر الغربية من نموذج النمو الصيني، القائم على تحالف غير مسبوق بين رأسمالية السوق والنظام السياسي الشيوعي.
فهل هذا الخوف مبرر؟ ورغم أن الصين حققت تقدماً كبيراً في مجال الإبداع، لكن الواقع يُظهِر أنها تظل معتمدة على الغرب، وأنها سوف تظل مضطرة إلى التغلب على العديد من القيود قبل أن تتمكن من تأكيد نفسها كدولة رائدة في مجال الإبداع.
ومنذ عام 1978، وتحت قيادة دنج شياو بينج، كان النموذج الصيني يفضل في البداية المشاريع الموجهة نحو الصادرات وتطوير بدائل للمنتجات المستوردة. وشجعت السلطات الاستثمارات من خلال عمليات نقل كبيرة للتكنولوجيا وحصة كبيرة من المكونات المصنعة محليا. وبسبب الميزة النسبية القائمة على انخفاض تكلفة العمالة لديها، أصبحت الصين بالتالي ورشة العالم، على أساس تسلسل الاستيراد - التحويل - إعادة التصدير، وذلك بفضل الشركات المتعددة الجنسيات التي شاركت في أنشطة تجميع التنمية.وبالتالي فإن نجاح نموذج النمو الصيني يكمن جزئياً في حجم عمليات نقل التكنولوجيا من البلدان المتقدمة. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ساهمت الشركات ذات الاستثمار الأجنبي بما يقرب من ثلث الناتج الصناعي.
على مدى عقدين من الزمن، كان تطوير قدرات الابتكار الصينية مبهرا: فقد ارتفع عدد الاستشهادات ببراءات الاختراع الصينية من قبل الأجانب بنسبة 33٪ سنويا بين عامي 1995 و 2005. ووصل إلى 51٪ سنويا بين عامي 2005 و 2014. وقد حققت الصين تقدمًا قويًا في مساهمتها في التقنيات الثورية: الطباعة ثلاثية الأبعاد، وسلسلة الكتل، ونشر الجينوم، والرؤية الاصطناعية، تخزين الهيدروجين والمركبات ذاتية القيادة على سبيل المثال.
ومع ذلك، وفي حين حققت الصين تقدما كبيرا من حيث جودة براءات الاختراع، فإن تأثيرها على تطوير التكنولوجيات لا يزال محدودا. وينطبق هذا بشكل خاص على البحوث الأساسية المتعلقة بأصل الابتكارات المعطلة للنظام الحالي، حيث لا تزال المختبرات الأميركية رائدة.
وتؤكد الدراسات اتجاه الصين للحاق بالولايات المتحدة تكنولوجياً فلدى الباحثين الصينيين حاجة أكبر للتعاون مع الأمريكيين. وكما كتب جيرار رولاند، الأستاذ في جامعة بيركلي، تنتج الصين بالتأكيد العديد من براءات الاختراع، فبين عامي 1998 و2018، لم تكن أي من الجزيئات الجديدة المكتشفة في صناعة الأدوية موجودة في الصين، مقارنة بـ 56% في الولايات المتحدة.
وفي الصين، تعتبر الدولة رائدة أعمال ومخططة بشكل مباشر، وهو نموذج يختلف جذرياً عن نموذج شومبيتر الغربي الذي يعتمد فيه الابتكار على رواد الأعمال ونظام بيئي يفضل المبادرة الخاصة. وبقدر ما يبدو النموذج الصيني فعالا في سد الفجوة التكنولوجية ، فإنه ينطوي على العديد من نقاط الضعف التي تمنع الصين من أن تصبح رائدة في مجال الإبداع.
إن مركزية السلطة والافتقار إلى الحرية الفردية لا يساعدان في اجتذاب المواهب ورؤوس الأموال الأجنبية ــ على النقيض من الولايات المتحدة. كما ان تطور التعاون العلمي مع الباحثين الأمريكيين حتى عام 2018 أتاح للباحثين الصينيين، ليس فقط الاستفادة من التميز الأكاديمي الأمريكي، ولكن أيضًا الاستفادة، من خلال المؤلفين المشاركين، من الحرية التي لم يتمكنوا من العثور عليها. وعلاوة على ذلك، فإن نظام التعليم الصيني لا يفعل الكثير لتشجيع الإبداع.
ومن الممكن أن تثبت الطريقة الصينية، حيث تستثمر الدولة بشكل كبير في البحث والتطوير مع القطاع الخاص، فعاليتها في اللحاق بالركب الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تعزيز الإنفاق ليس كافيا لتمكين الابتكار. إن تواجد الدولة في كل مكان في النظام المصرفي الصيني يعمل على توليد تخصيص دون المستوى الأمثل لرأس المال من خلال تفضيل تمويل الشركات المملوكة للدولة والمرتبطة بها ــ بما في ذلك الشركات غير المربحة ــ على حساب الشركات الخاصة. وفي الصين، تحقق الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير نفس النمو الذي تحققه الشركات التي لا تفعل ذلك.
وأخيرا، تعاني الصين من عدم كفاية حماية حقوق الملكية الفكرية ومعايير الجودة المنخفضة: ففي عام 2023، سوف تحتل المرتبة الخمسين (من بين 125 دولة) في مؤشر الملكية الفكرية الدولي. ومع ذلك، فإن الإصلاحات الاقتصادية التي تعمل على تحسين حماية المستثمر واستقلال النظام القضائي هي متطلبات أساسية لرعاية اقتصاد الابتكار.وعلى الرغم من أنها شهدت تطوراً تكنولوجياً أكثر حزماً مما توقعه البعض قبل عقدين من الزمن، إلا أن الصين لم تصل بعد إلى المرحلة حيث يمكنها أن تلعب بشكل كامل دور القائد العلمي والتكنولوجي. ولكي يصبح للصين اقتصاد قادر على إطلاق الإبداعات المعطلة للنظام الحالي، فيتعين عليها أن تفتح المزيد بدلاً من الانغلاق. وإلا فإنها تخاطر بمواجهة "المتلازمة الأرجنتينية"، وهي تلك التي تعاني منها الاقتصادات التي، بعد اللحاق الديناميكي للغاية، تتوقف في منتصف المخاض.
بروفسور في الاقتصاد السياسي في كلية فرنسا للعلوم السياسية