السعداء.. نكتة القرن!!
تقول نكتة، كانت متداولة في زمن صدام في إطار علاقات ثقة عالية الجودة، إن مواطنا دخل الى مقهى شعبي ليشرب " استكان " شاي يعينه على بلاوي حياته، فجأة سمع أحد الزبائن يصرخ بأعلى صوتة برقم "44" ضحك معظم الزبائن وتبادلوا تعليقات لم يُفهم منها شيئاً، بعد لحظات صرخ زبون آخر برقم "114" ضحك معظم الحضور وتبادلوا التعليقات أيضا، وهكذا توالت الأرقام والضحكات والتعليقات وسط دهشة الزبون الجديد الذي دفعه فضوله الى أن يسأل نادل المقهى عن معنى ما يجري، فأخبره النادل ان الجماعة "عطّاله بطّاله" يقضون يومهم في المقهى يتبادلون النكات ولكثرتها واعادتها قرروا ان يُرقموا النكات فما أن ينطق احدهم برقم حتى يعرف الآخرون النكتة المعنية فيضحكون. الزبون الجديد قرر أن يدخل هذه التحشيشة، فدفع بقية ما تبقى من الشاي الى جوفه دفعة واحدة وصرخ بأعلى صوته "36" التفت اليه مجمع "العطّاله والبطّاله" دفعة واحدة أيضا ووسط صمت وذهول تحولت المقهى الى هرج ومرج وفرّ الجميع منها بعجالة وخوف مبعثرين في طريقهم الكراسي والطاولات و"استكانات " الشاي، والشيء نفسه فعله صاحب المقهى والنادل، لكن صاحبنا من دهشته لما حصل لحق بالنادل وامسك به قائلا " فهمني شنو القصة " أفلت النادل من قبضة صاحبنا وهو يقول له هامساً " يمعود هاي نكتة على الريس"!!
الذي ذكّرني بهذه النكتة، التي كان مصير مَن يتداولها أو يسمعها الإعدام وفي احسن الاحوال السجن سبع سنوات،هو استطلاع نظمته مؤسسة الاقتصاد الحديث The New Economic Foundation ومقرها لندن ونشرته مؤخراً، يقول الاستطلاع عن شعوب الارض الأكثر سعادة "من ضمن 151 دولة، " احتل العراق المرتبة السادسة والثلاثين "أي رقم نكتة الريس نفسها"، فيما تصدرت قائمة الشعوب السعيدة سبع دول فقيرة من امريكا اللاتينية ودول الكاريبي، وجاءت دول خليجية مثل الكويت والبحرين وقطر بمراتب متأخرة لتكون بذلك أتعس شعوب العالم!
ويعتمد مؤشر البحث الذي أجرته المؤسسة على رفاهية الفرد من حيث التمتع بحياة سعيدة وطويلة وذات مغزى وصديقة للبيئة، وقال نيك ماركس، مؤسس مؤشر الكوكب السعيد، إن المؤشر يقيس سعادة الفرد بالحياة المديدة والسعيدة والكريمة، وأضاف في بيان صحافي " يقيس المؤشر الحياة الكريمة ولفترة طويلة."
يذكر أن الدول التي احتلت المراتب السبع الأولى، بحسب الاستطلاع، هي من أميركا اللاتينية ودول الكاريبي، إذ حل في المرتبة الأولى سكان كوستاريكا الفقيرة كأسعد الشعوب، ثم جاءت على التوالي شعوب فيتنام وكولومبيا وبيليز والسلفادور وجامايكا وباناما ونيكاراغوا وفنزويلا، وحلت بريطانيا في المرتبة 41، متقدمة بذلك على دول مجموعة الثماني، فيما جاءت الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة 105 لتكون بذلك في الثلث الأخير من القائمة، وقد احتلت الكويت المرتبة 143، وجاءت بعدها دول خليجية مثل البحرين في المركز 146، ثم قطر في المركز 149، متقدمة على دولتين فقط في أقصى ذيل القائمة، وهما تشاد ثم بوتسوانا الأفريقيتان.
مستوى المقارنة هي ان تلك النكتة بذيئة من لسان "الريس" ضد الشعب العراقي ورقمها 36، فيما هذا الاستطلاع تزوير فاضح لواقع الشعب الذي وضعه الاستطلاع في المركز 36 من شعوب الارض الآكثر سعادة!
بربكم، هل ينطبق علينا مؤشر " التمتع بحياة سعيدة وطويلة وذات مغزى وصديقة للبيئة؟" لن أعلق فالمؤشرات لدينا حقيقة لا تحتاج الى تعليق لان ثاني هذه المؤشرات هي " إن المؤشر يقيس سعادة الفرد بالحياة المديدة والسعيدة والكريمة".
مديدة وسعيدة وكريمة.. ياحسرتنا!
أنا شخصيا أتمنى ان أكون سعيداً ضمن الرقم الذي شمل اليابان مثلا وكان تسلسلها 45 من الأكثر سعادة أو الدنمارك وتسلسلها 110 وعربيا سأختار لبنان في خانة الـ69 ولن اختار اميركا نكاية بأوباما .. وعليكم ان تختاروا أماكن سعادتكم باطلاعكم على الاستطلاع المتوفر في الانترنيت، واذا اردتم البقاء في خانة الـ36 فـ" كلمن عقله براسه ويعرف خلاصه"!
اخيراً يحـزُّ في نفسي أن لا أنقل تعليق رسام الكاريكاتير خضير الحميري عندما سُئل عن رأيه بالاستطلاع فأجاب الرجل كاريكيتيريا "هذه سعادة تشبه شهادات بعض المسؤولين.. مزورة"!