اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > سيبنديّة .. الواقع وأبجديات ما حصل

سيبنديّة .. الواقع وأبجديات ما حصل

نشر في: 28 نوفمبر, 2023: 10:39 م

ريسان الخزعلي

(1)

سيبنديّة ، والمفرد سيبندي ، وهو توصيف شعبي يُطلق على : الماكر ، التائه في الشوارع ، الذي لا يسلم الناس من أذاه ، اللاعب على الحبال ، سيء الأخلاق .. إلخ .

ورواية (سيبنديّة) اًللروائي شوقي كريم ، أُستثمر فيها المعنى الجامع لهذه التوصيفات ليصقطه ُ على ما حصل في تاريخ العراق الحديث من أحداث دامية في بداية الستينيّات . والروائي سبق َ وإن استخدم التوصيفات الشعبية عناوين َ لروايات أخرى : شروكَيّة ، هتليّة ، هبّاشون ، قنزه ونزه ، ثغيب ، وغيرها . من هنا يكون الإنشداد إلى هذه التوصيفات ما هو إلا تفاعلا ً مع مدركات طبقيّة من قاع المجتمع أملتها ضروف حياتية قاهرة لم ينج ُ الروائي هو الآخر من آثارها ، إذ كان في مداراتها الزمنية ، طفلاً ، شابّا ً ، رجُلا ً . ومن ثم َّ في مدارتها الإبداعية : قاصا ً ، روائيا ً ، كاتبا ً مسرحيا ً ، وكاتب َ مسلسلات إذاعية وتلفزيونية . ومثل هذا التنوّع يشيء بأنّه ُ منغمر في الذي حصل َ وما يحصل وبتماس مع كل ماهو اجتماعي / طبقي بمنظار واقعي أو بفعل ما تراكم في طبقات العقل الباطن (ما جاءت به ِ المسرودة حقيقة من المنبوشات بين أطمار ماض ٍ قريب مسكوت عنه .... ، قد لاتُصدّق ما قيل ودوّن َ كونه ضربا ً من الخيال .. ما أقبح الواقع الذي يُنافس الخيال ويتغلّب عليه) . وهكذا جاءت رواية (سيبنديّة) واقعية الرصد ، عاصرَ الروائي أحداثها منذ تفتّحات الطفولة وصولا ً إلى فاعلية الوعي لاحقا ً .

(2)

شوقي كريم ، في معظم رواياته ، يميل إلى الاستطراد اللغوي ، ويجعل من هذا الاستطراد شاغلاً لأن تعوم وتطفو فيه الأحداث بعيدة عن مركز الرواية ، ولكنّه ُ حتى حين يعود إلى المركز ، فإنّه يعود باستطراد لغوي أيضا ً . وهنا قد يصح القول بأن َّ سرديته ُ ماهي إلا سردية الاستطراد اللغوي ، وأرى أنّه ُ يفصح عن خصوصيّة مغايرِة لطبيعة السردية الوصفية ، إذ أنّه ُيجعل السرد مستترا ً ومتزيّنا ً باللغة . ومثل هذا الإجراء الفني في جوهره ، ليس متاحاً بسهولة إلا ما ندر .

في رواية (سيبنديّة) حصل العكس ، إذ أصبحت سرديّة الأحداث هي الفاعلة ، هي المهيمنة ، والتعليل أن َّ أحداث الرواية متتالية / متزاحمة / صادمة ، لايمكن مشاغلتها سردياً بالاستطراد اللغوي أو الذهنية التصويريّة ، لأن الواقعة ، واقعة الروي ، حدث ٌ يحمل سرديته ضمنا ً ، وهي سردية يذكرها الكثير من الأحياء ممن عاصروا سنواتها ، وبذلك عمّق َ الروائي ما هو مشترك ، بينه ُ والآخر في تأصيل واحد (فطنت ُ إلى المعنى وما أُريد منه ، وما الحقيقة التي تحتاج منّا إلى إعادة كشف) . والفطنة إلى المعنى هنا ، تعني استهجان معنى ما حصل سياسيا ً واجتماعيا ً وإنسانيا ً وبالتالي تاريخيّا ً. والحقيقة التي تحتاج إلى الكشف ، هي الحقيقة السّريّة التي ظُللت بالتبريرات الظاهرية في محاولة لتسويق الفعل الإجرامي . وكل ُّ هذا رصدته ُ الرواية بواقعية فنيّة بعيدا ً عن الانحياز لأي ّ طرف أو جهة إلّا الانحياز بالضِد لكل ماهو مُقوّض للحرية بمعناها الشامل ، ومُناقض لفكرة العمل (الثوري) .

(3)

إن َّ أحداث الرواية ، هي أحداث ما حصل عام 1963 سياسيا ُ في العراق وما حملته تلك الأحداث من فجائعية ، وهي َ أحداث معروفة ، ولا تستطيع هذه الإشارة أن تُعيد سرد َها ، غير أنها تؤكد الملمح الفني في سرديتها ، إذ اعتمد الروائي تقنية المداخل لسردها وبتوصيف الأبجدية – التي حملت أقوالاً توضيحيّة دالّة بين قوسين - لكل مدخل : أبجدية اليتم ، أبجدية الآثم ، أبجدية القحط ، أبجدية القسوة ، أبجدية النهاية ، أبجدية الرفض ، أبجدية الهذر ، أبجدية الإزاحة ، أبجدية الرغبات ، أبجدية الإفتضاح . وإن َّ مثل هذه الأبجديات وتوصيفاتها (المرّة) هي الكاشف الأوضح لما حصل ، هي مفاتيح ذهبيّة لصناديقها ، وقد كانت المقدمات الإستباقية المكمّلة للمتون .

كما أن َّ الدلالة الكامنة في معنى (أبجدية) تُشير إلى أن َّ للأحداث (حروفيتها) الخاصة ! ، وهي حروفية خارج سياق الأبجدية المتداوَلة ، حروفية عسيرة الفهم في كل ِّ ما أوجدته ُ من لغة : رصاص ، دم ، ونهايات فجائعية ، وبذلك تحقق َ ما هو إيحائي ، ما هو رمزي ، ما هو دهشة ، ما هو كاشف للواقع . ومن هنا تكون رواية (سيبنديّة) رواية : الواقع وأبجديات ما حصل ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram