غالب الشابندر
1
جهد مركّز يبذله السيد محمد باقر السيستاني لطرح رؤية عقدية في الدين ، تحت عنوان ( منهج التثبت في الدين ) ، وقد صدر له اكثر من كتاب في ذلك ، ورغم أن روح العنوان تفيد بحثا في المنهجية لا في المضمون ، إلّا أن مراجعة سريعة لبعص هذه الكتب سوف نرى إن الجانب المنهجي في المنتَج لم ينفصل عن المضمون ، حتى يمكن القول أن المُنتج عبارة عن نظرية وتطبيق ، منهج ومضمون نابع من قواعد هذا المنهج .
الانتاج غائي وظيفي ، ينصب بالدرجة الاولى على ترسيخ القول باصالة الدين ، وإنه ظاهرة نابعة من الفطرة ، ولم يكن بحثا تجريديا صرفا كما هو المنتظَر في مثل هذه الموضوعات ولكن المؤلف طرح منهجا تتشابك في بنيته العقل والعقلانية والعاطفة والتاريخ ، مما اعطى لمنهجيته نكهة حركية ، وحيوية نابضة بالحضور .
كانت المباديء الدينية الاسلامية الجوهرية ضمن قراءته للدين ، بله هي ذروة تفكيره وعطائه في هذا المجال ، حيث كان قد بدأ حديثه في الموسوعة عن الدين بما هو دين ، دونما التركيز على دين بعينه ، مما قد يوحي بان تلكم المُنتجَات بمثابة تمهيد للحديث عن أصول الدين الاسلامي، أو أصول الدين بصيغتها الاسلامية ، وفي المقدمة التوحيد ( النبأ الاول ) ، والرسالة ( النبأ الثاني ) والنشأة الاخرى ( النبأ الثالث) ، ومفردة ( النبا ) من نحت المؤلف وليس مني .
هنا وفي هذه المقالة السريعة اتعرض الى النبأ الاول في ثلاثيته الدينية الاسلامية ، الا وهي وجود الإله ، ولكن بصيغته التوحيدية القرآنية .
***
السيد محمد باقر السيستاني وهو يتحدث عن الله،وجود الله ، لم يلجأ الى الفكر المجرد الصرف ، المسطرة الارسطية هنا ربما تمارس دورها ، ولكن وهي بيد السيد محمد باقر السيستاني تتحول إلى مسطرة اجتماعية ، لم تعد مسطرة أرقام ومفردات فلسفية ومنطقية بحتة ، بل نحن بين يدي طرح عقدي مشبّع بالعقل وفي ذات الوقت يرفل بالموج الحيوي للاجتماع !
فوجود الله مسالة عقدية ، ولكن هذه العقيدة تنقذ الاخلاق من السطحية والشخصنة ، وترسِّخ أخلاق التضحية ، فكأن هناك نوعين من الاخلاق ، المصلحية والتضحوية ، وإن الايمان بالله تفرز أو تدعم أخلاق التضحية، الحلم والكرم والعطاء والنخوة والاريحية إنما هي اخلاق المضحين ، المضحين بالمصالح الشخصية من أجل الاجتماع ، فيما الالحاد أو عدم التثبت بالدين يميل إلى دعم أخلاق المصلحة ، وهي الاخلاق التي تؤدي في نهاية المطاف الى الدمار الكوني والعالمي .
ولكن هنا تظهر موضوعية السيد الباحث عندما يستدرك حيث لا يعقد علاقة الضرورة بين التثت بالدين ومكارم الاخلاق، الاخلاق التضحوية، ولا يعقد علاقة الضرورة بين عدم التثبت بالدين وبين أخلاق الانانية والمصلحة ، إنّما يؤطر ذلك بلغة الراجحية والمرجوحية، فإن التثبت بالدين أقلا إنْ يكن منشئا لدين التضحية فإنه يساهم في تدعيمها وترسيخها ، والعكس بالعكس .
وهكذا نكون بين يدي بحث أو محاولة أو منهج تكاملي ، اقصد القضية الدينية المتمثلة هنا بالنبأ الاول .
ففي كلامه حول إثبات النبا الاول ، يلجا الى المباديء الفطرية الاولى ، حرية الانسان ، وحاجة الحادث إلى علّة ، ولا يتساهل أبدا بإهمال أو تجاوز هذه المبادي الفطرية ، وفيما ينتظر القاريء بعد توظيف هذه المباديء النتيجة المجرّدة، والتي هي وجود الحق سبحانه وتعالى ، يعطف به بشدة باتجاه الآثار الاجتماعية المترتبة على النتيجة المجردة .