علاء المفرجي
- 1 -
لم تظهر الجرائم ضد الإنسانية بشكلها الحالي الا في منتصف القرن المنصرم، وتحديدا بعد الحرب الكونية الثانية، وكانت محاكم نورمبرغ هي الميدان الذي حددت فيه الجرائم الدولية، مثل حروب الإبادة، والعبودية، والاضطهاد الذي بني على أسباب سياسية عرقية أو دينية، أو أي جرائم تمس مدنيين قبل وأثناء الحروب.
وبالتأكيد استلهمت السينما الكثير منها، بقصد التعريف والتذكير، وشحنها بالغالب بوجهات نظر مختلفة، وإن كانت تنتصر لضحاياها، ولكنها كانت ملزمة بمعالجة الجهات المنتجة، وفي أحيان كثيرة زاوية نظر المخرج أو الكاتب.
وربما كانت مأساة هيروشيما أولى الموضوعات التي عالجتها السينما، بوصفها موضوع إبادة حقيقي، سبرت أغواره السينما بعد نهاية الحرب، ولئن يكون الفيلم الحديث (أوبنهايمر) الذي يتناول هذه الجريمة، وهو دليل على أن حروب إبادة من وجهة نظر السينما، قد خضعت للكثير من زوايا النظر، وهي هنا من وجهة نظر مرتكبها.
ففي عام 2022، وبعد 55 عاماً على رحيله، أسقطت الولايات المتحدة كلّ التهم الموجّهة إلى أوبنهايمر، ويبدو أن ذلك كان تمهيداً لعرض الفيلم العالمي للمخرج الشهير "كريستوفر نولان" عام 2023.
والمعالجة الأخيرة في موضوع (الابادات) المتعددة للسكان الأصليين في الولايات المتحدة الأميركية، تكون على يد وأحد أهم مخرجي هوليوود الأن سكورسيزي، الذي قال عن موضوع السكان الأصليين انها "لا تزال جرحا نازفا"، وإن كان يحرص على الإشارة إلى أن فيلمه ليس "فيلما ذا رسالة" يتوجه بها حصرا إلى أشخاص ذوي قناعات محددة و"يبتعد عن إنسانية" الشخصيات.
وهذا لا يعني أن الأفلام التي تناولت حروب الإبادة، كانت محكومة بالمطلق بمثل هذه الضوابط، بل العكس فأن السينما استقصت الكثير من هذه الجرائم، والقت حزمة من الضوء عليها، بل انها –أي السينما- أسهمت في كشف حقيقة هذه الجرائم ومسببيها، وتفاصيلها للمتلقي، في وقت كانت فيه أشبه بالحقيقة الغائبة.
نقف هنا عند الجريمة التي حدثت في العقد الأخير من القرن المنصرم في رواندا عندما شن القادة المتطرفون من جماعة الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة توتسي. وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم، قُتل ما يقارب على 800.000 شخص وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. تلاقفت السينما هذه الحادثة من خلال المخرج تيري جورج، ليقدم لنا معالجة لها أقنعت كل من شاهد الفيلم وسمع قبله عن الجريمة.
كان الفيلم إنتاجًا مشتركًا بين الفنانيين المتحدين و أفلام بوابة الاسود، وتم توزيعه تجاريًا بواسطة الفنلنيين المتحدين مسرحيًا و مترو غولن ماير للإعلام المنزلي. تم عرض فندق رواندا لاول مرة في دور السينما بإصدار محدود في الولايات المتحدة في 22 ديسمبر 2004 وفي إصدار واسع النطاق في 4 فبراير 2005، حيث بلغ إجمالي مبيعات التذاكر المحلية أكثر من 23 مليون دولار. لقد ربحت 10 ملايين دولار إضافية في الأعمال التجارية من خلال إصدار دولي لتتصدر إجمالي إجمالي يقارب 34 مليون دولار من إجمالي الإيرادات. تم إصدار نسخة Blu-ray Disc من الفيلم، والتي تضم أفلامًا وثائقية خاصة إلى جانب مشاهد مختارة وتعليقًا صوتيًا، في الولايات المتحدة في 10 مايو 2011.
تم ترشيح الفيلم لجوائز متعددة، بما في ذلك ترشيحات أوسكار لأفضل ممثل (تشيدل)، وأفضل ممثلة مساعدة (أوكونيدو)، وأفضل سيناريو أصلي. حاز الفيلم أيضًا على عدد من الجوائز، بما في ذلك جوائز مهرجان برلين وتورونتو السينمائي الدولي.