TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: العيش في الوهم .. وامتهان المواطن

العمود الثامن: العيش في الوهم .. وامتهان المواطن

نشر في: 29 نوفمبر, 2023: 11:40 م

 علي حسين

هل يُمكن لمسؤول تتلبسه حالة الوهم ان يقدم إنجازاً متميزاً؟ حالة الوهم التي نعيشها مع معظم مسؤولينا ظلت تؤرق عالم النفس الشهير سيجموند فرويد لعقود، فأراد أن يجيب عليها من خلال بعض كتاباته حيث قسم حالتنا الحياتية إلى ثلاثة أقسام:

ما قبل الوعي، ثم الوعي، ثم اللاوعي.. ولو تسنى له أن يعيش بيننا اليوم لتحدث عن حالة مابعد اللاوعي التي تصيب معظم المسؤولين في بلاد الرافدين، وهم يتحدثون عن الإنجازات الوهمية التي لا تُرى بالعين المجردة، لكنها موجودة في معظم خطب المسؤولين، ويهتف بها مؤيدوهم في الفضائيات.

حالة الوهم التي تتلبس معظم مسؤولونا "الأفاضل"، هي ظاهرة ليست وليدة المرحلة الراهنة ولكنها والحمد لله ترسخت منذ عقود.. حتى وجدنا مسؤولاً مهمته متابعة ملفات الفساد يخرج علينا بكل صلافة ليقول "ماكو"، "لا فساد حقيقياً في العراق بل أشكال بسيطة من الرشوة في الدوائر الخدمية". فيما بشرنا أحدهم بان هذا العام هو عام البناء ومرت أعوام وأعوام ولم نشاهد سوى المسؤول يتجول في أسواق لندن، بعد أن حول أموال المشاريع إلى حسابه الخاص.

يعيش المسؤول الفاشل في عالم من الوهم ينسجه له المقربون من حوله.. يصنع عالمه الخاص ويعيش فيه، يتوهم أن سنين وجوده في المنصب فترة ازدهار للبلاد، فيما حاشيته من الأقارب والأصحاب لا تجد نفسها إلا وهي تدور حول فلك المسؤول الملهم .. ويستبد بها الحماس أحيانا بأن تطالب باستنساخ هذا المسؤول كما في الدعوة المباركة التي تبناها النائب السابق عباس البياتي ذات يوم ، ولم تكن هذه اللفتة العبقرية هي الأولى.

في ظل هكذا مقربين وساسة تصبح السياسة في العراق كأنها أوراق متناثرة من مقةلات فرويد عن الوهم ، كل واحد يريد أن يصبح جزءاً من نظام فاشل ، نظام لا مكان للبسطاء فيه، إلا بالشعارات والخطب وراء الميكرفونات.. فلا واجبات ولا مسؤوليات تجاه هذا الشعب، بل "منّة" إذا تنازل المسؤول الموهوم وتمشى وسط حماياته في أحد الشوارع، ومنّة إذا تكرم وحضر اجتماع للبرلمان ليناقش قانوناً يهم الملايين .

يلغي المسؤول الواهم ، كل شيء يخالفه. ويصدق، أنه كائن مطلق العبقرية، يعرف كل شيء. وهو لا ينتقي للناس ما يناسبها بل ما يريد لها. ولا يسألها رأيها في حياتها بل يفرض عليها الحياة التي يريد.

مشكلة الواهم في انعدام الوعي، وفي انعدام التواصل مع الآخر، وفي عدم الثقة بالجميع وفي الاعتقاد بأن أوهامه يمكن أن تكون بديلاً للمدارس والطرقات والصحة والأمن والرفاهية الاجتماعية.. في بلد الواهم الجميع يتقاتل على حقائب مليئة بالمناصب والغنائم.

في العراق اليوم تتحول الدولة إلى حلم للمنتفعين والانتهازيين والسراق ممن يجدون مصلحتهم في أن يستمر المسؤول غارقاً في أوهامه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: غابات السامرائي

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

هل سيحول إيلون ماسك الحكومة الأمريكية الى شركة..؟

العمود الثامن: عبعوبه وعقدة دبي

 علي حسين ليس أمامك عزيزي المواطن العراقي ، سوى أن تصدّق تغريدات النائبة عالية نصيف ، خصوصاً عندما تقرر الجلوس مكان امين بغداد الاسبق نعيم عبعوب الذي اختفى منذ سنوات بعد ان حول...
علي حسين

الإدارة العامة ووطنية الأداء

ثامر الهيمص عادة ان تكون الزراعة هي القطاع الاول في الاقتصادات، ما قبل الدولة وما بعدها، اي بعد ان تزدهر الزراعة والثروة الحيوانية، هنا تحتاج الى ادارة، محددة الاهداف من خلال قوانين واعراف. وتتطور...
ثامر الهيمص

عن المصلحة وأصولها

عبد الكريم البليخ ماذا نفهم عندما نقول إنَّ زيداً أو عمراً من الناس لا يَعرفكَ أو يأتيك إلّا عند حاجته؟ هذه "المصلحة" قد تدوم فترةً من الوقت، وقد تكون قصيرة، بل قد لا تتجاوز...
عبد الكريم البليخ

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

غسان شربل يزورك الخوفُ حين تتابع من بيروتَ ما يجري في سوريا. محاولةُ إعادة عقاربِ الساعة إلى الوراء بالغة الخطورة. كان سقوط نظام بشار الأسد مفاجأةً مدويةً باغتت حلفاءَه وخصومه معاً. في الداخل هناك...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram