كريستيان ميشيل
ترجمة : عدوية الهلالي
إن القضية الصعبة التي تثير غضب الضمائر السياسية في مختلف أنحاء العالم هي قضية الهجرة. سيتعين علينا إيجاد حل أو نتحمل ما سيتم فرضه، لأنه مع اضطراب المناخ، والاختلافات في التنمية ومعدلات المواليد بين البلدان، ستزداد تحركات السكان عبر الحدود.
هناك طريقتان فقط لطرح المشكلة ، الطريقة الجماعية التي تتجاهل الأفراد والتي تفترض الجماعية فوق البشر، يرتقي إلى قيمة عليا. واعتمادًا على الأماكن والأزمنة، يُسمى هذا الكيان بالدين الحق، والسيادة، والأمة، والشعب، والثورة، والآن اسمه المعتاد هو الحضارة، لكن العلاقة مع البشر هي نفسها دائمًا. وفي حالة وجود تعارض، فإن الكيان هو الذي يسود..
وهنالك الفردية، التي تشكل أساس الفكر الليبرالي، وكل إنسان فيها هو غاية في حد ذاته. ومع ذلك، لا يمكنها أن تزدهر إلا داخل مجتمع تجد فيه، من ناحية، ثقافة ولغة وعلمًا وفهمًا للعالم؛ ومن ناحية أخرى، التجارة، وإمكانية الحصول على العديد من الأشياء التي لا يمكن لأحد أن ينتجها بمعزل عن الآخرين. وبالتالي فإن المجتمع هو الوسيلة والأداة التي يستخدمها كل إنسان لتحقيق ذاته.
إن رفض، أو حتى الحد، من الهجرة باسم الحضارة، أو إنقاذ الثقافة الفرنسية، أو أي كيان يفترض أنه متفوق على الأفراد، من خلال معارضة رغباتهم، هو عمل جماعي. ولذلك فهو موقف غير ليبرالي في الأساس.وبمجرد أن نقبل تضحية البشر من أجل فكرة ما، فإننا نحرم أنفسنا من أي رد متماسك على من يريد التضحية بهم من أجل فكرة أخرى. فالمسألة ليست حظر الهجرة، أو حتى الحد منها. إنه توضيح العلاقة بين الأشخاص الذين يغادرون بلدًا وأولئك الذين يرحبون بهم في بلد آخر. فهل المهاجر متوقع؟ وهل وصوله مرغوب؟
سأتحدث هنا عن الفرنسيين، لكن الاقتراح ينطبق على كل مجموعة سكانية مضيفة. الأمر متروك للأفراد ليقرروا من سيعيش معهم في أسرهم، ومن سيعمل معهم في الأعمال التجارية التي يمتلكونها، ومن سيقيم في فندقهم أو نزلهم ، سواء كانوا فرنسيين آخرين أو أجانب. أليس من الاستغلال الفاحش للسلطة أن تخضع أبسط العلاقات الإنسانية من محبة وصداقة وتعاون إلى التفويض الإداري؟ و لماذا ؟ لإرضاء أصنام الأمة والحضارة والثقافة ونقاء شعب فرنسا؟ وعلى المستوى المحلي، لماذا يعترض جيراني على بقاء الغرباء في منزلي؟ وإذا كان بإمكاني إحضار من أريد إلى منزلي، فلماذا لا أستطيع إرسال مائة تذكرة طائرة إلى مائة عامل أجنبي حتى يتمكنوا من القدوم وزراعة حقولي أو إدارة ورشتي، وفقًا لقانون العمل؟ أي ليبرالي يمكن أن يعارض ذلك منطقيا؟
لذا، ألا ينبغي لنا أن نشجع افتتاح وكالات توظيف في بلدان الهجرة، مفوضة من قبل الشركات والأفراد للعثور على القوى العاملة التي يفتقرون إليها، والتي سوف تكون مفتقرة بشكل متزايد إلى العمالة بسبب شيخوخة الدول الغنية؟وفي يوم وصولهم، لابد أن يكون لدى هؤلاء المهاجرين المرغوبين وظيفة، وكذلك زوجاتهم، وسكن، ومكان في المدرسة للأطفال، وأن تكون جميع الأوراق مرتبة. إنهم ليسوا مسؤولية أحد. ولا يهمنا ما إذا كانوا “لاجئين اقتصاديين” أو “لاجئين سياسيين” (معظم هؤلاء يكذبون للحصول على هذا الوضع، حيث سيتم رفضهم من قبل الآخرين). الشيء الوحيد المهم هو أن هؤلاء الأشخاص يصلون إلى البلاد لأنه من المتوقع وجودهم هناك ولديهم ما يفعلونه هناك.ونحن لا نفتح أذرعنا فقط لمن نحبهم ولمن يعملون إذ تجبر الحرب والفقر مجموعات سكانية بأكملها على البحث في مكان آخر عن الظروف اللازمة لبقائهم على قيد الحياة. وفي البلدان الغنية، يجب أن تكون المهمة الموكلة إلى الجمعيات الخيرية والكنائس والمجتمعات القائمة بالفعل هي تقديم اللجوء، بفضل التبرعات التي يتم جمعها، لهؤلاء الأشخاص البائسين.
ونحن هنا نؤمن بفوائد الحرية، فالليبرالية هي فعل الإيمان. إنها العناية الإلهية وجميع المفكرين الليبراليين يقومون بنفس التحليل. وهو إن مجتمع البشر الأحرار يتغير، ويتطور، ليس وفق خطة موضوعة، ولكن لأن كل شخص يعيش حياته الخاصة هو الذي يحدث هذا التغيير. إنها ليست مخططة أو متوقعة، فهي “نتاج عمل بشري، وليس تصميم بشري”، كما كرر فريدريش هايك، نقلا عن آدم فيرجسون فمن خلال السعي وراء مصلحته الشخصية فقط، غالبًا ما يعمل الانسان بطريقة أكثر فعالية لمصلحة المجتمع، مما لو كان قد فعل ذلك بالفعل بغرض العمل. وإذا تركوا أحرارًا، فإن الأفراد يمارسون أعمالهم، ويفعلون ما يتعين عليهم القيام به، ويشركون الغرباء في حياتهم وعملهم، ويغيرون المجتمع وثقافته. وحتى لو لم تكن هذه نيتهم فلا أحد يعرف ما ستجلبه هذه الممارسة لحريتهم لكننا نعلم جيدا الضرر الفوري والدائم الذي تسببه السياسات التي تعيق هذه الحرية.