TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > التثبت في الدين .. محمد باقر السيستاني

التثبت في الدين .. محمد باقر السيستاني

نشر في: 3 ديسمبر, 2023: 10:25 م

غالب حسن الشابندر

حلقة 2

يستعرض السيد ثلاث حجج على اثبات الدين في موضوعة إثبات الاله ، وهي :ـ

الاولى :حجَّة النظم .

الثانية :حجَّة الوجود الكوني ذاته.

الثالثة : حجّة التنوع الكوني .

ويسهب كثيرا في فيافي الحجة الاولى ، النّظم الكوني لكونها أقرب إلى العقل والذهن وحتى الوجدان ، ويستعين على ذلك بعطاءت العلوم الطبيعية ، وأقوال علماء الطبيعة ، مستعرضا الأنظمة الظاهرة والباطنة للمفردات الكونية ، ولكن يشير في الاثناء إلى نقطة دقيقة جدا ، حيث رغم الدلالة الحيوية الحاضرة لهذا النظم على وجود الاله قد يتناسى الناس هذا النظم ...

السبب الرئيس في هذه المفارقة كما يرى المؤلف هو الروتين ، الالفة ، ويجملها بالغفلة ، ولذلك كثيرا بل طالما يلفت القرآن الكريم الفطنة الانسانية إلى هذا النّظم الدقيق ، وفي هذا السياق يستشهد المؤلف بآيات قرآنية كثيرة على هذا النّظم ، وضرورة ان يكون دائم الحضور في الوعي الانساني .

ينتقل سماحة السيد الى الدليل الثاني على وجود الاله ، وبعبارته نصا ( الحجة الثانية على وجود الخالق ... حجّة الوجود الكوني ) .

وكما هو العرض التقليدي ، أن هذه الحجة تتقوم بطريقين : ـ

الاول : التغيير .

الثاني : الحدوث .

وروح الطريق الاول تكمن في القاعدة التي تقول أن كل متحرك يحتاج إلى محرّك ، وبالتالي ، فإن هذا الكون بصفته حركة دائمة يحتاج إلى محرّك .

وهنا يلجا السيد محمد باقر السيستاني إلى العلم ليكشف لنا عن تسوّد الحركة في كل الكون ، من كائنات حية حيث يستعين بعلم الحياة ، ومن كائنات جامدة حيث يستعين بعلم الفيزياء على وجه الخصوص ، مع الانتباه إلى ان قاعدة الاستدلال ليست مستمدة من التجربة ، بل هي قاعدة عقلية فطرية لا تحتاج إلى دليل ، والتجربة هنا لإثبات فضاء استعمال الدليل ، اي ان الكون متغيّر ، فالعلم يكشف عن سيادة التغير في الكون ، والقاعدة نستدل بها على أن ذلك يبرهن على وجود علّة ثابتة وراء هذا التغيّر ، وبعبارة اكثر عمقا ، ان اثبات تغيُّر الكون علميٌ ، وإثبات ان الكون بسبب هذا التغير محتاج الى محرّك فلسفيٌ ، مع اشارة فنية إن مصطلح قاعدة وقانون هنا على مستوى واحد من الاستعمال ، أي يمكن أن يتبادلا الوظيفة في الاستعمال

يقول ما نصّه : ـ

(وعلى الاجمال أن العلم الحديث يؤكد على أن الكون كله في نشاط دائم ... وليس شيئا منه ثابتا في زمنين على وضع واحد ، وهذا ممّا تعطيه علوم الكونيات والفيزياء والكيمياء والأحياء بشكل واضح ) ص 272 .

وروح الطريق الثاني يستند إلى قاعدة هي الآخرى ( تامّة وبديهية ، وهي مبنى العلوم والسلوكيات الشخصية للإنسان كلّها ).

لا يحتاج إلى دليل إثبات ، وفحواه أن الحدوث يحتاج إلى علّة ، وبما أن الكون حادث فهو يحتاج إلى علّة ، وهكذا يثبت وجود الأله .

ويرجع المصنف إفى إمضاء عدم أزلية الكون ، ويلجأ المؤلف في إثبات عدم أزلية الكون إلى بعض ما توصلت له بعض العلوم الطبعية ، ابرزها نظرية الانفجار الكبير ، التي تنبيء عن لحظة بروز الخلق فجأة فيما لم يكن من قبل ، وبالتالي هو حادث ، وبما أنه كذلك يحتاج إلى علّة من خارجه .

لكن قاعدة “ حاجة الحادث إلى علة من خارجه “ تعرضت إلى بعض الاهتزاز في لغة علم فيزياء ما دون “الجاهرة” ، بالاعتماد على نظرية الكمومة الفيزيائية ، في سياق ابحاث في غاية التعقيد ، ففي هذا الكون، اي ما دون الذرّة حسب بعض علماء الفيزياء لا تصدق قاعدة “ كل حادث يحتاج إلى علّة من خارجه “ ، ويفند الكاتب هذا التصور الفلسفي لبعض علماء الفيزياء ، مستندا نقطتين :ـ

الاولى : (إنهم يجدون في بعض الاحيان أموراً غريبة لا يعرفون سببها ، ومن ثم يحتملون أن يكون ما حدث بلا سبب ) .

الثانية : ( إن بعض أهل العلم بالعلوم الطبيعية ليس له خبرة فلسفية ) والخبرة الفلسفية تقضي بان القاعدة المذكورة (الحدوث يستدعي علّة من خارج الحادث ) إنما هي قاعدة فطرية بديهية تامة ) ، فيقع في هذا الوهم حيث يهملها في تفسير ما دون الكون الجاهر (ص 270 ) .

أمّا الحجة الثالثة فينطلق المؤلف فيها من بداهة التنوع الكوني والحياتي ، من أنه باد للعيان ، كما أن علوم الكون والحياة تؤكد ذلك .

ومن ثمّ :

(إن المتكونات المتنوعة الموجودة لابدّ لها من سبب يوجّب تنوعها ، وليس هناك من سبب مادّي يُفرَض لها ، فلابدّ من إيجادها من قبل الخالق سبحانه ) ص 301 .

والحجّة غيرها حجة الوجود الكوني ،كما أنها غيرها حجة الحدوث ، فإن الكلام منصب هنا على الخصائص ، وبالتالي ، حتى لو كان الكون أزليا فإن الحاجة إلى الخالق موجودة بلحاظ هذا التنوع ، فاصل الدليل أو موضوع الدليل وجود الله ، الخالق ، الرب ، سواء آمنا بحدوث الكون أو لم نؤمن.

وكما هي منهجيته التي اتبعها مع دليل الحدوث ، حيث يسهب في الحديث عن ذات ( التنوّع ) الكوني بالرجوع إلى العلوم الطبيعية ، لا لإثبات التنوع كي يرتّب عليه وجود الاله ، فإن التنوع ظاهرة بيّنة ، بيد لإثبات ان التنوّع هائل ومطّرد، الامر الذي يُضفي على الدليل المستقى منه ذا قيمة فكرية .

المادّة واحدة علميا ، فكيف ينبثق المتعدد نوعيا من طبيعة واحدة ، أو من منشأ واحد ، فهذه الزيادة جاءت من خارجها .

ثم يستعرض بعض حيثيات هذا الدليل بشيء من الاسهاب بين نقض ورد ، مثيرا حاسة البحث عن إله بطريق فلسفي هاديء ، بعيد عن التعقيدات الفلسفية في هذا المجال .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: خطابات المالكي التي لا تنتهي

سوريا وسيناريو "العرقنة"

العمود الثامن: احزاب نَّحنُ ونَّحنُ ونَّحنُ

العمود الثامن: تكريم المستقبل في دبي

إشكالية العلاقة بين الدين والديمقراطية في ظل النظام العراقي المتقلب

العمود الثامن: ديموقراطية الصوت العالي

 علي حسين كرّس العراقي مصطفى جواد حياته من أجل غنى اللغة العربية التي تعمّق فيها، حتى قال عنه مجمع اللغة العربية يؤبّنه: "كان عالماً فذّاً وذوّاقاً للّغة وحريصاً على التعمّق فيها وإغنائها" وكان...
علي حسين

حرير الصين بين السفارة والجيران

ثامر الهيمص المفارقات السياسية بجذرها الاقتصادي المسيس لصالح الاولجكاريا الدوليه الغربية، تجلت واضحة بعد حرب غزة، لتعيد الى الذاكرة الاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق، اذ ثبت عمليا ان فشلهما وتراجهعما في كلا الدولتين وحسب ضغط...
ثامر الهيمص

الذكاء الاصطناعي من تهديد محتمل إلى شريك استراتيجي في تطوير وتعزيز المعرفة البشرية

د. طلال ناظم الزهيري أصبح استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أمرًا شائعًا ومؤثرًا، حيث تمتد تأثيراته إلى ميادين مختلفة ابرزها البحث العلمي والتعليم والإعلام. هذا التوسع الملحوظ ليس مجرد انعكاس للتطور التكنولوجي، بل هو شهادة...
د. طلال ناظم الزهيري

أميركا وأحجام ما بعد الزلزال

غسان شربل هذه أميركا. الاقتصاد الأوَّلُ في العالم. سيدة البحار والأجواء معاً. منجم الجامعات العريقة والمخترعين والمبتكرين ورواد التكنولوجيا والثورة الرقمية. قادرةٌ على إصابة أي هدف في القرية الكونية. وقادرة على الاستماع إلى ما...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram