غالب حسن الشابندر
حلقة 2
يستعرض السيد ثلاث حجج على اثبات الدين في موضوعة إثبات الاله ، وهي :ـ
الاولى :حجَّة النظم .
الثانية :حجَّة الوجود الكوني ذاته.
الثالثة : حجّة التنوع الكوني .
ويسهب كثيرا في فيافي الحجة الاولى ، النّظم الكوني لكونها أقرب إلى العقل والذهن وحتى الوجدان ، ويستعين على ذلك بعطاءت العلوم الطبيعية ، وأقوال علماء الطبيعة ، مستعرضا الأنظمة الظاهرة والباطنة للمفردات الكونية ، ولكن يشير في الاثناء إلى نقطة دقيقة جدا ، حيث رغم الدلالة الحيوية الحاضرة لهذا النظم على وجود الاله قد يتناسى الناس هذا النظم ...
السبب الرئيس في هذه المفارقة كما يرى المؤلف هو الروتين ، الالفة ، ويجملها بالغفلة ، ولذلك كثيرا بل طالما يلفت القرآن الكريم الفطنة الانسانية إلى هذا النّظم الدقيق ، وفي هذا السياق يستشهد المؤلف بآيات قرآنية كثيرة على هذا النّظم ، وضرورة ان يكون دائم الحضور في الوعي الانساني .
ينتقل سماحة السيد الى الدليل الثاني على وجود الاله ، وبعبارته نصا ( الحجة الثانية على وجود الخالق ... حجّة الوجود الكوني ) .
وكما هو العرض التقليدي ، أن هذه الحجة تتقوم بطريقين : ـ
الاول : التغيير .
الثاني : الحدوث .
وروح الطريق الاول تكمن في القاعدة التي تقول أن كل متحرك يحتاج إلى محرّك ، وبالتالي ، فإن هذا الكون بصفته حركة دائمة يحتاج إلى محرّك .
وهنا يلجا السيد محمد باقر السيستاني إلى العلم ليكشف لنا عن تسوّد الحركة في كل الكون ، من كائنات حية حيث يستعين بعلم الحياة ، ومن كائنات جامدة حيث يستعين بعلم الفيزياء على وجه الخصوص ، مع الانتباه إلى ان قاعدة الاستدلال ليست مستمدة من التجربة ، بل هي قاعدة عقلية فطرية لا تحتاج إلى دليل ، والتجربة هنا لإثبات فضاء استعمال الدليل ، اي ان الكون متغيّر ، فالعلم يكشف عن سيادة التغير في الكون ، والقاعدة نستدل بها على أن ذلك يبرهن على وجود علّة ثابتة وراء هذا التغيّر ، وبعبارة اكثر عمقا ، ان اثبات تغيُّر الكون علميٌ ، وإثبات ان الكون بسبب هذا التغير محتاج الى محرّك فلسفيٌ ، مع اشارة فنية إن مصطلح قاعدة وقانون هنا على مستوى واحد من الاستعمال ، أي يمكن أن يتبادلا الوظيفة في الاستعمال
يقول ما نصّه : ـ
(وعلى الاجمال أن العلم الحديث يؤكد على أن الكون كله في نشاط دائم ... وليس شيئا منه ثابتا في زمنين على وضع واحد ، وهذا ممّا تعطيه علوم الكونيات والفيزياء والكيمياء والأحياء بشكل واضح ) ص 272 .
وروح الطريق الثاني يستند إلى قاعدة هي الآخرى ( تامّة وبديهية ، وهي مبنى العلوم والسلوكيات الشخصية للإنسان كلّها ).
لا يحتاج إلى دليل إثبات ، وفحواه أن الحدوث يحتاج إلى علّة ، وبما أن الكون حادث فهو يحتاج إلى علّة ، وهكذا يثبت وجود الأله .
ويرجع المصنف إفى إمضاء عدم أزلية الكون ، ويلجأ المؤلف في إثبات عدم أزلية الكون إلى بعض ما توصلت له بعض العلوم الطبعية ، ابرزها نظرية الانفجار الكبير ، التي تنبيء عن لحظة بروز الخلق فجأة فيما لم يكن من قبل ، وبالتالي هو حادث ، وبما أنه كذلك يحتاج إلى علّة من خارجه .
لكن قاعدة “ حاجة الحادث إلى علة من خارجه “ تعرضت إلى بعض الاهتزاز في لغة علم فيزياء ما دون “الجاهرة” ، بالاعتماد على نظرية الكمومة الفيزيائية ، في سياق ابحاث في غاية التعقيد ، ففي هذا الكون، اي ما دون الذرّة حسب بعض علماء الفيزياء لا تصدق قاعدة “ كل حادث يحتاج إلى علّة من خارجه “ ، ويفند الكاتب هذا التصور الفلسفي لبعض علماء الفيزياء ، مستندا نقطتين :ـ
الاولى : (إنهم يجدون في بعض الاحيان أموراً غريبة لا يعرفون سببها ، ومن ثم يحتملون أن يكون ما حدث بلا سبب ) .
الثانية : ( إن بعض أهل العلم بالعلوم الطبيعية ليس له خبرة فلسفية ) والخبرة الفلسفية تقضي بان القاعدة المذكورة (الحدوث يستدعي علّة من خارج الحادث ) إنما هي قاعدة فطرية بديهية تامة ) ، فيقع في هذا الوهم حيث يهملها في تفسير ما دون الكون الجاهر (ص 270 ) .
أمّا الحجة الثالثة فينطلق المؤلف فيها من بداهة التنوع الكوني والحياتي ، من أنه باد للعيان ، كما أن علوم الكون والحياة تؤكد ذلك .
ومن ثمّ :
(إن المتكونات المتنوعة الموجودة لابدّ لها من سبب يوجّب تنوعها ، وليس هناك من سبب مادّي يُفرَض لها ، فلابدّ من إيجادها من قبل الخالق سبحانه ) ص 301 .
والحجّة غيرها حجة الوجود الكوني ،كما أنها غيرها حجة الحدوث ، فإن الكلام منصب هنا على الخصائص ، وبالتالي ، حتى لو كان الكون أزليا فإن الحاجة إلى الخالق موجودة بلحاظ هذا التنوع ، فاصل الدليل أو موضوع الدليل وجود الله ، الخالق ، الرب ، سواء آمنا بحدوث الكون أو لم نؤمن.
وكما هي منهجيته التي اتبعها مع دليل الحدوث ، حيث يسهب في الحديث عن ذات ( التنوّع ) الكوني بالرجوع إلى العلوم الطبيعية ، لا لإثبات التنوع كي يرتّب عليه وجود الاله ، فإن التنوع ظاهرة بيّنة ، بيد لإثبات ان التنوّع هائل ومطّرد، الامر الذي يُضفي على الدليل المستقى منه ذا قيمة فكرية .
المادّة واحدة علميا ، فكيف ينبثق المتعدد نوعيا من طبيعة واحدة ، أو من منشأ واحد ، فهذه الزيادة جاءت من خارجها .
ثم يستعرض بعض حيثيات هذا الدليل بشيء من الاسهاب بين نقض ورد ، مثيرا حاسة البحث عن إله بطريق فلسفي هاديء ، بعيد عن التعقيدات الفلسفية في هذا المجال .