TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ثقافة المواطنة.. شرط نجاح الانتخابات

ثقافة المواطنة.. شرط نجاح الانتخابات

نشر في: 6 ديسمبر, 2023: 10:58 م

د. قاسم حسين صالح

كنت حريصا على ان اتابع ما حصل للثقافة من 2003 لغاية الان. فبعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي اعتمد ثقافة الحاكم الواحد والحزب الواحد، حصل اول تحول سيكولوجي لها بظهور (ثقافة الضحية) التي صنفت العراقيين الى ضحيتين(الشيعة والكورد)..وعليها ان تقتص من الجلاد الظالم (السنّة)!.

ومن أول سنة تغيير(3003) تراجعت (ثقافة المواطنة – الشعور بالأنتماء للعراق) بأن سدد لها بريمر ضربة(ثقافة التثليث..شيعة،سنة،كورد).بعدها بسنة ظهرت (ثقافة الأحتماء) بعد ان تعطّل القانون وصارت الحياة فوضى والسلطة لمن هو اقوى في الشارع..اضطرت البغداديين بشكل خاص الى ان يغادروا ليحتموا بالعشيرة او المدينة التي ينتمي لها.

بعدها بسنتين شاعت وتعمقت (ثقافة الولاءات المتعددة) التي تفرّق ما يوحّد العراقيين لتصل الى ابشع حال في احتراب (الهويات القاتلة) لسنتين كارثية(2006-2008). وتراجعت ثقافة التسامح وثقافة الحوار، لتظهر ثقافات متعددة الأسماء: ثقافة التحرير، ثقافة الغزو، ثقافة العمالة، ثقافة الارهاب،ثقافة المقاومة،وثقافة كاتم الصوت.وكان اقبحها هي(ثقافة الطائفية) التي وزعت العراقيين الى جماعات تفرقها ثقافة التعصب وتجمعها ثقافة الكراهية.

ثقافة القطيع

من زمن النظام الدكتاتوري،جرى تدجين العراقيين على ثقافة القطيع، ونعني بها ان المواطن يقوم مضطرا بتخدير او تعطيل ثقافته الشخصية والتصرف وفق سلوك (القطيع المطيع) فيعيش حالة المسحوق امام القوة التي يفرضها الحاكم المستبد فلا يجد من مكانة له في علاقة التسلط العنفي هذه سوى الرضوخ والتبعية والوقوع في الدونية كقدر مفروض..تؤدي بحتمية سيكولوجية الى تصرفات التزلف والاستزلام والمبالغة في تعظيم السيد اتقاءا لشرّه او طمعا في رضاه.وتوزع المثقفون بين مثقف يواجه ثقافة دينية طائفية عشائرية مدججة بالسلاح والمال والنفوذ لكنه رغم ذلك يعمل ويبدع ويقاوم، وآخر وجد ذاته بعيدا وغادر الوطن ولم يتذكره،وآخر اقعده شعوره بالأحباط، وآخر باع قلمه..ليعيش، وقلة وضعوا اكفانهم على راحات ايديهم.. في واحدة شعب وفي الأخرى وطن.

تراجع ثقافة القطيع

كانت المواجهة الحقيقية بين الضدين (ثقافة القطيع وثقافة المواطنة) في تشرين/اكتوبر 2019.. وكنت شاهدا على ما حدث يوم دعتني خيمة جواد سليم (لصاحبها دار سطور) لألقاء محاضرة على المتظاهرين في ساحة التحرير، ونصحتني(ولم التزم بها) ان لا ادعوهم الى توحيد تنسيقياتهم، ما يدل على انهم(المتظارون) كانوا الضد لثقافة القطيع،لتؤكد حقيقة سيكولوجية أن ثقافة القطيع تتراجع بين المسحوقين الواعين حين تتوفر لهم فرصة الخلاص من الطغاة وتعيد احياء الشعور بالأنتماء للوطن وليس الانتماء الى سيد او شيخ عشيرة او سياسي يعرفونه فاسدا.

وما حدث ان قادة ثقافة القطيع، الذين يمتلكون السلطة والسلاح كانوا اقوى من جماهير ثقافة المواطنة، فقتل قادتها اكثر من ستمئة شهيدا وجرحوا وعوقوا اكثر من عشرين الفا، مع ان النظام ديمقراطي يضمن في دستوره ثقافة التظاهر والأحتجاج السلمي.

هل ستقلب المعادلة المعكوسة؟

افادت وكالات انباء ان عدد الذين شاركوا في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2021) كان ثمانية ملايين من اصل (21) مليون ناخبا،وافادت صحف ووسائل اعلام ان نسبة المقاطعين عن المشاركة فيها كانت بحدود (80%)..ما يعني ان الذين شاركوا في الأنتخابات هم جماعات او جماهير ثقافة القطيع، وان الذين قاطعوها هم جماهير ثقافة المواطنة.

وقد عزا المحللون السياسيون اسباب ذلك الى فشل العملية السياسية في العراق..وهو تشخيص عادي يعرفه الجميع، فيما تشخيصنا نحن السيكولوجيين نعزوه الى (الأغتراب)..نعم، لأن الأغتراب كان قد اوصل جماهير (ثقافة المواطنة) الى حالة اليأس والشعو بالعجز من اصلاح الحال، وفقدان المعنى من حياة لا دور لهم في تغييرها سواء شاركوا في الأنتخابات أم لم يشاركوا.

في ضوء هذا التحليل السيكولوجي –الأجتماعي- الثقافي فان نتائج انتخابات كانون الثاني الجاري سيحددها احياء ثقافة المواطنة. ومع ان بدايته تبشر بما نتمناه،فان الأمر يتطلب ايضا ان تتوحد القوى الوطنية والتقدمية والدينية المتحررة في حملة توعية جماهيرية تجيد خطاب سيكولوجيا الأقناع في احياء الشعور بالأنتماء الذي يوحّد العراقيين..فبها فقط يستعيد العراقيون وطنا يمتلك كل المقومات لأن يعيشوا فيه بحرية وكرامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram