TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: رحيل عقل جميل

العمود الثامن: رحيل عقل جميل

نشر في: 6 ديسمبر, 2023: 11:58 م

 علي حسين

في الفترة التي تعرض فيها الكاتب محمد عارف لمحنة المرض، أصدرت دار المدى كتابه "أسفار في العلوم والتكنولوجيا" وفيه قدم لنا حكايات امتزجت بالعلوم الحديثة ، عن الانترنيت والإنسان الآلي والتكنولوجيا الحديثة، وصورا عن عالم المستقبل، وما الدور الذي تلعبه العلوم في حياة الشعوب.

وبعد اشهر قليلة على صدور الكتاب يرحل محمد عارف عن عالمنا بعد أن عاش فيه منقباً وباحثاً عن كل ما يربط العراق بتراثه الحضاري العظيم، مزهوا بما قدمه هذا البلد الى تاريخ البشرية، لم يفلسف حنينه الى العراق. ولم يطلب راتبا تقاعديا وهو يستحقه، ولم يقف على ابواب المسؤولين.

في واحدة من مقالات كتاب محمد عارف نقرأ هذا العنوان المثير " بابل.. سينهض العراقيون" يكتب فيها : "سينهض العراقيون عاجلاً أم آجلاً لأنهم يمثلون بلد حضارة لا يمكن لأحد أن يُطفئ نورها التقدمي".. مقالة تحمل الحنين والحب لبلده الذي تنكر له، فغاب اسمه عن برقيات النعي التي يبرع فيها المسؤولون، وغَّيب ضجيج العشرين ألف منتسب إلى نقابة الصحفيين العراقيين، اسم محمد عارف من لافتة توضع على جدران النقابة باعتباره واحدا من رواد العمل الصحفي وصاحب المسيرة المتميزة في الإعلام منذ أكثر من نصف قرن، منذ قصصه الأولى في خمسينيات بغداد إلى إشرافه على صفحة آفاق بجريدة الجمهورية في سبعينيات بغداد إلى كتابة زاويته الأسبوعية في جريدة الحياة اللندنية لينتهي به المطاف على صفحات صحيفة الاتحاد الإماراتية بمقال أسبوعي عن دور العلوم والتكنولوجيا في حياتنا، وفي بعض الأحيان يأخذه الحنين إلى بغداد فيكتب مقالاً عن نكات العراقيين التي يصفها بأنها: "تُعبِّر عن روح التسامح في المجتمع العراقي الذي تتعايش فيه وتتزاوج القوميات والمذاهب، وحتى الأديان المختلفة".

يأخذنا محمد عارف في كتاباته للغوص معه في رحلة فكرية وعلمية وأدبية، بدأت عندما قرر أن ينشر قصصه القصيرة في صحف بغداد في الخمسينيات وهي القصص التي وصفها غائب طعمة بأنها من أجمل ما كُتب في السرد العراقي، لتمر رحلة محمد عارف بمحطات كان فيها مصرّاً على أن يستبدل القصة القصيرة، بدراسة علوم الفضاء التي عشقها وغيّرت مصيره بالكامل ليتّجه إلى مهنة واحدة هي الكتابة في مجال العلوم وأحدث ما تنتجه العصر الحديث.

عاش محمد عارف مثل شخصية تشبه حكيماً قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مجبراً بعد تجربة مريرة مع الملاحقة والمنع، ويخفي خشيته بنوبات من الحنين والأسى أحياناً، على زمن جعل من العراق مجرد ذكرى لحلم يريد له البعض أن يمرّ سريعاً.

يغيب محمد عارف، فتنطوي معه صفحة مشرقة من تاريخنا الثقافي الذي يريد له البعض ان يتحول الى اهزوجات طائفية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: خطابات المالكي التي لا تنتهي

سوريا وسيناريو "العرقنة"

العمود الثامن: احزاب نَّحنُ ونَّحنُ ونَّحنُ

العمود الثامن: تكريم المستقبل في دبي

إشكالية العلاقة بين الدين والديمقراطية في ظل النظام العراقي المتقلب

العمود الثامن: ديموقراطية الصوت العالي

 علي حسين كرّس العراقي مصطفى جواد حياته من أجل غنى اللغة العربية التي تعمّق فيها، حتى قال عنه مجمع اللغة العربية يؤبّنه: "كان عالماً فذّاً وذوّاقاً للّغة وحريصاً على التعمّق فيها وإغنائها" وكان...
علي حسين

حرير الصين بين السفارة والجيران

ثامر الهيمص المفارقات السياسية بجذرها الاقتصادي المسيس لصالح الاولجكاريا الدوليه الغربية، تجلت واضحة بعد حرب غزة، لتعيد الى الذاكرة الاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق، اذ ثبت عمليا ان فشلهما وتراجهعما في كلا الدولتين وحسب ضغط...
ثامر الهيمص

الذكاء الاصطناعي من تهديد محتمل إلى شريك استراتيجي في تطوير وتعزيز المعرفة البشرية

د. طلال ناظم الزهيري أصبح استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أمرًا شائعًا ومؤثرًا، حيث تمتد تأثيراته إلى ميادين مختلفة ابرزها البحث العلمي والتعليم والإعلام. هذا التوسع الملحوظ ليس مجرد انعكاس للتطور التكنولوجي، بل هو شهادة...
د. طلال ناظم الزهيري

أميركا وأحجام ما بعد الزلزال

غسان شربل هذه أميركا. الاقتصاد الأوَّلُ في العالم. سيدة البحار والأجواء معاً. منجم الجامعات العريقة والمخترعين والمبتكرين ورواد التكنولوجيا والثورة الرقمية. قادرةٌ على إصابة أي هدف في القرية الكونية. وقادرة على الاستماع إلى ما...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram