صباح محسنعودة جديدة، لأسطورة قديمة، أو هكذا تبدو وبحسب الرواية عنها، حيث قيل فيها الكثير، مرة أنتجها العقل الجمعي الشعبي الأوربي، ومرة تستهدف الكثير من المحاربين الذين كرسوا أنفسهم في خدمة الفقراء، وتارة يذهب البعض بالأمر لأبعد من ذلك.
ويعدها حكاية تجمع أمنية الفرسان، اولئك الذين همهم الأساس، الدفاع عن الفقراء، وصارت حكاية مفتوحة لمن يريد الخوض في هذا الجانب مختاراً، ليبدأ العيش وسط الغابة، والتي تصبح فيما بعد منطلقاً لتحركاته وغزواته على من يمثل القانون أو الملك بشكلٍ آخر، ولتكون حينها الغابة، منتجة لفهم جديد للقانون، لأيوائها من يراهُ من رموز المملكة خارجاً على القانون!حكاية تتجدد وتتمدد، لتأخذ أحياناً كثيرة رمزيتها، وتضع ظلالها على أحداث معاصرة، لقربها من بعض الوقائع، على الرغم من أن البعض يعدها من الفولكلور الأوربي، لتصبح حاثة على الكثير من المواضيع، لقربها من الطبقات الشعبية ولأنها تمثل في نظرهم أنموذجاً للمخلص المنفلت والذي لا يخضع لإرادة أحد سوى ارادته ومجموعة المنضوين تحت لوائه، هو إذاً أمير اللصوص الانكليزي، روبن هود/ الشجاع الذي يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، ويهدف الى تحقيق العدل الاجتماعي من خلال مملكته غابات شيروود مع مجموعته التي يتحلى افرادها بخفة الدم!.أكثر من 25 فيلماً أنتجت عن شخصية روبن هود، في أمريكا وأوربا، وكان آخر انتاج لشخصية روبن هود قدمتهُ شركة يونيفيرسال للانتاج السينمائي لعام 2010 والذي شارك في افتتاح مهرجان كان في أيار من العام نفسه. ورغم تباين الآراء بشأن الفيلم، بين مرحبٍ وغير راضٍ ، لكنه مرّ على المهرجان بهالة اعلانية كبيرة سبقت عرضه، وقد حقق حضوراً نوعياً في بداية عرضه.تصدى لاخراج الفيلم المخرج المخضرم ريدلي سكوت 72 عاماً، مخرج فيلم المصارع الشهير، من بطولة النجم راسل كرو والذي تناول حقبة الامبراطورية الرومانية أثناء انكسارها، وقدم فيلم تاريخي آخر أثار جدلاً اثناء عرضه لمساسه بعض الأمور الفكرية الكبرى وقضية فلسطين والحروب الصليبية، هو مملكة السماء، حيث قدم اشتغالات تأريخية لا تخلو من توفيقية الطرح لحساسية الموضوع، وكان عملاً بصرياً جمالياً رائعاً، في إدارة الحشود، وإخراج المعارك، في مناخ يوحي بالفترة نفسها التي جرت عليها معارك الصليبيين على أرض فلسطين وهم يواجهون جيش صلاح الدين الأيوبي المندفع بقوة لتحريرها من قبضتهم.كتب السيناريو والقصة برايان هيكلاند، ليضع تصوراً تأريخياً مغايراً الى حدٍ ما في حكاية روبن هود، والذي تم تقديمه سابقاً بشكل آخر، حيث يخرج من الغابة مع رفاقه لقطع الطريق أمام القوافل الخاصة بالملك أو بغيره ولحين بزوغ نجمه، تبعث إليه السلطات للانضمام لجيش المملكة في دفاعها عن الغزو الفرنسي، لكن في هذا الفيلم تبدأ الحكاية بشكلٍ آخر حيث يظهر روبن هود مع رفاقه وهم ينسحبون من معركة مع الجيش الانكليزي ليدخلوا معركة أخرى لتحرير إحدى القلاع من الغزاة، ومع مهارته هو ورفاقه يتم تأمين الباب الكبير للقلعة بعد أن يضع أكياس الديناميت على مداخل الباب ليقوم بتفجير الباب من خلال إطلاق سهم معبأ بالنار ليتم تفجير كيس الديناميت ليتم اقتحام القلعة بسهولة!.يتعرض السيناريو بحبكتهِ للكثير من المسائل التي تحيط بحالات الممالك القديمة من خيانة، وخداع، وتسلل على الملك، الى الانكسارات السكرية جراء حكم ملك فاسد أو مغناج يتحلى بالدلال والفساد في آنٍ واحد، وأيضاً الدسائس الكثيرة والمؤامرات ذات النزعة الأنانية لبعض من فرسان الملك لتصل الحالة بهم لخيانة بلدهم وتقديم التسهيلات للغازي ليقتحم أسوار وحدود مملكته.فواجع كثيرة وآلام لا تعدّ، من انتهاكات ومصائب وتشويه، كل ذلك في سبيل الاستيلاء على السلطة، حتى لو وصل الأمر لتشريد الناس من مزارعهم وأراضيهم وممتلكاتهم، لكن يبقى هناك دائماً ضمير حي يقتفي أثر هؤلاء ويقطع عليهم طريق مؤامراتهم.. وهكذا..فيلم يبحث في أسباب الأزمات، ويغلفها بطابع معاصر، كي تحقق الغرض من طرحها.فيلم مشحون بانفعالات الفرسان، والثائرين، باذخ في فضاءاته المفتوحة، حيث تتحرر الكاميرا في تحركاتها وتصطاد المشاهد المفتوحة على إتساعها، قبالة البحر وعلى سواحله، في الغابات العريضة والواسعة، بأشجارها العملاقة، وبيوتها المبنية من جذوع تلك الأشجار، مع ازدياد دائماً ما تكون قريبة لمناخات تلك الفترة ، مع اكمال المشهد من ناحية الديكور الدقيق في اختيارات قطع الإكسسوار والمفردات الأخرى من قدور وأواني وزينة وقلائد وسيوف ورماح وعصي لرمي السهم، تخصص رفاق روبن في امتلاك ناصية استخدامها مع رمزهم صاحب الرمية التي لا تُخطئ روبن هود.إشارات عديدة حفل بها الفيلم، خاصة تلك المتضمنة فكرة وثيقة ميثاق العدل الاجتماعي والتي نسبها الى الماسونيين والذين يطلق عليهم لقب “البنائين” المعروفة، وما تختزنهُ الذاكرة عن هؤلاء ومؤازرتهم للصهيونية حسب ما يشاع، لكن للأمر غاية ما، وهذا له علاقة باشتراطات الشركات الكبرى المنتجة لهذه الأفلام، ومحاولة نبش افكار ووقائع غاية في الحساسية في بطون التأريخ وإظهار ذلك ولو بالترميز لمتطلبات غير معروفة.لكن المخرج سكوت وفق
فيلم روبن هود.. قراءة مغايرة لحكاية معادة
نشر في: 25 أغسطس, 2010: 04:56 م