اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العقل السياسي العربي، واللغة القانونية الدولية

العقل السياسي العربي، واللغة القانونية الدولية

نشر في: 10 ديسمبر, 2023: 10:06 م

نبيل عبد الفتاح

فى كافة المواجهات العسكرية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية - في قطاع غزة أو الضفة الغربية- يثور سؤال شائع بين السياسيين، والمواطنين العاديين فى المنطقة ما جدوى، وإلزامية القانون الدولي العام، وقانون الحرب، والقانون الدولي الإنساني؟

لماذا لا تطبق إسرائيل، والدول الكبرى فى النظام الدولى قواعد الشرعية الدولية، بل وتنتهكها، وخاصة الأحكام الخاصة بحماية المدنيين، وممتلكاتهم أثناء القتال، والاعتداء على المستشفيات، ومراكز الخدمة الطبية، والحصار والعقاب الجماعي والإبادة الجماعية. والتهجير القسري ؟ السؤال فى أحد صياغاته قديم، وكان يثار ما قبل القانون الدولي القائم وما قبل عصبة الأمم؟

فى الماضي كانت الحروب، والدول المتحاربة لا تؤمن سوى بمنطق القوة، ومصالحها فى التوسع، والتمدد بل واحتلال الدول الأخرى، وضمها إلى إقليم الدولة الأقوى. كانت هناك نظرية الحرب العادلة، وفق القديس أوغسطين، إلا أن هذه النظرة غالبا، ما كان لا يلتزم بها أحد فى الحروب، وخاصة الدول القوية عسكريا.

فى القانون الدولي القديم، حتى الحرب العالمية الأولي، كانت الضوابط القانونية على استخدام القوة، محدودة وجزئية، وهامشية، وغالبا ما كانت تنتهك.

مع تطور الحياة الدولية، والمجتمع الدولي، وأشخاص القانون الدولى العام - الدول، والمنظمات الدولية أساسا -، تطور القانون الدولى العام، وقانون الحرب، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولين الملحقين بهما. على نحو أدى إلى اتساع قواعده من خلال الاتفاقيات الدولية الجماعية، وميثاق الأمم المتحدة، والمحاكم الدولية، واتفاقية جنيف لقانون المعاهدات الدولية، وميثاق وأجيال حركة حقوق الإنسان، ثم الاتفاقيات الخاصة بحماية البيئة من الاحتباس الحراري وغيرها . من ناحية أخرى، اتساع أشخاص القانون الدولي العام من الدول حديثة الاستقلال ما بعد الكولونيالية، وأيضا ازدياد أعداد المنظمات الإقليمية النشاط، وغيرها.

نص ميثاق الأمم المتحدة فى المادة (2) الفقرة (3) على أن يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر والفقرة الرابعة من المادة الثانية ذهبت إلى أن” يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأية دولة أو على أى وجه آخر لا يتفق “ومقاصد” الأمم المتحدة”، ونص الميثاق أيضا على حق تقرير المصير وتنص المادة (55) فقرة (3) على أن “يشيع فى العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا”، وذلك تفريقا عن نص المادة الأولى الفقرة الثانية التى ذهبت إلى” إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذى يقضى بالتسوية فى الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.

وتنص المادة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها.

إن حق تقرير المصير ذو أهمية خاصة، لأن تحقيقه هو شرط أساسى للضمانة الفعلية والاحترام الفعلى لحقوق الإنسان الفردية، ولتعزيز هذه الحقوق وتقويتها.

كل هذه النصوص، ومعها اتفاقيات جنيف والرابعة على وجه الخصوص، ومع ذلك لا تأبه إسرائيل، وأمريكا وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا ودول آخري فى بعض الأحيان والحالات!..الخ بالقانون الدولى العام، وقانون الحرب، واتفاقيات جنيف الأربعة؟

هل ذلك يعنى أن القوة لا تزال هى التى تحكم المجتمع الدولي، والحياة الدولية، وأشخاص القانون الدولي العام؟

من الصعوبة بمكان القول أن محضُ القوة العسكرية والتقنية والاقتصادية هى الحاكمة للحياة الدولية، إذ مع تنامي قواعد القانون الدولى العام، والاتفاقيات الدولية الجماعية يتزايد حضور القانون الدولي بشكل عام، على الرغم من محاولات بعض القوى الكبرى، إعادة تشكيل النظام الدولي فى ضوء صراعاتها، ومنافساتها الدولية، مع بعض التراجع النسبى فى موقع الإمبراطورية الأمريكية، على قمة النظام الدولى فى أعقاب نهاية الحرب الباردة، وتفوقها التكنولوجي، والعلمي، والعسكري، والاقتصادي، ونفوذها فى أقاليم العالم الجيو - سياسية، وهو ما برز فى أعقاب الحروب التى خاضتها، واحتلال العراق، وانسحابها من أفغانستان. فى ظل صعود الصين اقتصاديا وتقنينا وعسكريا، وروسيا، وعدم قدرة ثورة أوكرانيا على مواجهتها، رغم الدعم الأمريكي لها، ومعها حلف الناتو.

الحالة الإسرائيلية، تبدو واحدة من الحالات الأستثنائية التى لا تبالى بالقانون الدولي العام، وقرارات الشرعية الدولية منذ القرار 242، والقرارات المتممة، والمكملة له، بخصوص الأراضي التى تم احتلالها بعد عدوان 5 يونيو 1967، ولا يزال احتلالها للأراضى الفلسطينية قائما، مع الجولان فى سوريا وشبعا في لبنان . اللا مبالاة الإسرائيلية، مرجعها عديد الأسباب يمكن إيراد بعضها فيما يلي:

1ــ الميثولوجيا الدينية التوراتية الوضعية وأثرها على العقل السياسي الإسرائيلي، وخاصة اليمين، واليمين الديني المتطرف فى الحكم والمعارضة والذى تسيطر عليه الرؤيا التوراتية حول أرض الميعاد !، والأخطر أن هذه التصورات الميثولوجية، هى جزء من نظام التنشئة الاجتماعية، والدينية، والتعليمية فى المجتمع الإسرائيلي.

2ــ نشأة إسرائيل فى المنطقة كنمط من الكولونيالية الاستيطانية، بمساعدة بريطانيا، والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، كى تلعب دوراً وظيفياً فى خدمة المصالح الأمريكية والغربية.

3ــ اعتمدت الدولة الإسرائيلية منذ إنشائها على إنماء القدرات العسكرية وتطويرها، والدعم الأمريكى والبريطانى، والفرنسى لها، عسكريا، وعلميا، وأيضا اقتصاديا.

4ــالقوة العسكرية الإسرائيلية قبل 5 يونيو 1967 وإلى الآن، هى المسيطرة على العقل السياسى، وهى تعتمد على تفوقها العسكري والعلمي على دول الدائرة البؤرية للصراع، ودائرة الطوق، وعلى قدرتها العسكرية على إدارة الحرب فى أكثر من دولة فى ذات الوقت . ثمة ايضا التداخل بين العسكريين، وبين الطبقة السياسية الإسرائيلية، على نحو جعل القوة العسكرية وعلى رأسها قبعة الهالكاه، هى أيقونة الدولة والطبقة السياسية والمجتمع، وذلك إزاء الجوييم أو الأغيار.

5ــ اعتماد الردع للقوة العسكرية الإسرائيلية الفائقة على التدمير الواسع النطاق للمدن، وأعداد القتلى، واللامبالاة بأية قيود أو ضوابط للقانون الدولى، أو للقيم الأخلاقية أو الإنسانية.

6ــ الدعم المسيحي الصهيوني فى الولايات المتحدة، وبريطانيا وأوروبا لإسرائيل، سياسيا، وديبلوماسيا، وفى المنظمات الدولية، والأهم فى أجهزة الإعلام التقليدى الغربية التلفازية والمسموعة والمقروءة.

من هنا تكمن أسباب، ومحفزات غرور القوة الإسرائيلية وغطرستها، ولا مبالاتها بالقانون الدولى العام، وأيضا بالقرارات الدولية الخاصة بالأراضى الفلسطينية، والسورية، واللبنانية المحتلة بعد 5 يونيو 1967 . بعض الدول فائقة القوة لا تعتمد فى بعض الأحيان على احترام القانون الدولى العام، وذلك من خلال تأويلاتها لنصوصه، وأحكامه، على نحو ما فعلت الولايات المتحدة، فى فيتنام، وفى غزو العراق وأفغانستان، وتفسيرها لمبدأ الدفاع الشرعي بخصوص حرب إسرائيل على غزة على نحو ما قال الرئيس جو بايدن، ووزير خارجيته بلينكن، وغيرهم.

لا تزال القوة العسكرية الفائقة، تقف وراء بعض انتهاكات القانون الدولي العام، ومعها السرديات التأويلية، والتفسيرية لنصوصه وأحكامه ومبادئه الأساسية، واتفاقياته الدولية!

أن التشكيك، فى القانون الدولى العام، لا يزل شائعاً لدى بعضهم فى المنطقة العربية، وهو أمر ناتج عن ضحالة الثقافة السياسية، والقانونية، والميلُ إلى إطلاق الأحكام العامة المرسلة فى كل المشكلات، والأزمات الإقليمية، والسياسات الدولية والداخلية، دون معلومات أو معرفة أو تحليل.

أن غالب المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين المدنيين فى أمريكا وأوروبا، وبعض دول العالم، يرفع المتظاهرون شعارات مستمدة من أحكام القانون الدولى الإنسانى، وقانون الحرب، وهى ظاهرة كاشفة عن بعض الشروخ فى التأييد الغربى لإسرائيلى، وفى ذات الوقت لاتزال القيم الإنسانية العابرة للثقافات والأعراق والقوميات والأديان والمذاهب تجد ظلاً لدى بعض الأجيال الشابة فى الغرب.

من ناحية ثانية: أن الخطاب الفلسطينى السياسى للنخبة السياسية، وحماس والجهاد الإسلامى، والسلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية، يرتكز على القانون الدولى الإنسانى، وقانون الحرب، فى الوصف والتكييف القانونى للجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى، ولم يقتصر ذلك على النخبة والفصائل، وإنما بات لغة العاديين من المدنيين فى قطاع غزة، والضفة الغربية.

من ناحية ثالثة: الخطاب السياسى العربى الرسمى يعتمد أساسا على القانون الدولى الإنسانى فى مواجهة الخطاب الإسرائيلي، والأمريكي والبريطاني والألماني، والإيطالي، والفرنسي، وخطاب الإعلام الغربى التقليدي فى عمومه.

أن الحرب على قطاع غزة، والجرائم الإسرائيلية، شكلت خروجا على القانون الدولى العام، إلا أنها فى ذات الوقت إعادت إلى المشاهد العالمية، حضور هذه القوانين الدولية، فضلا عن حل الدولتين، بقطع النظر عن نتائج ومآلات الحرب العدوانية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، والضفة الغربية. ثمة حاجة ملحة لمخاطبة الاتجاهات السياسية المستنيرة غربيا، وأيضا جنوب العالم، من خلال اللغة القانونية والسياسية الدولية، وليس من خلال اللغة الإيديولوجية الشعبوية الدينية، والعرقية التى تعود إلى ماقبل وبعد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، التى ساهمت فى عزلة العقل السياسى العربى عن مخاطبة العالم باللغة القانونية الدولية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram