اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مُخْتَارَات : رِيمُ كُولْهَاسْ

مُخْتَارَات : رِيمُ كُولْهَاسْ

نشر في: 10 ديسمبر, 2023: 10:12 م

د. خالد السلطاني

معمار وأكاديمي

يعد المعمار الهولندي “ رِيمُ كُولْهَاسْ” (1944) Rem Koolhaas من اشهر معماريي الحداثة بالوقت الحاضر.

وقد تبوَّأَ هذا المرتبة العالية من الشهرة ليس فقط لجهة اعماله التصميمية المبهرة وإنما، ايضاً وخصوصاً بكونه احد منظريي عمارة الحداثة المرموقين. سبق وان كتبت عنه وعن اهتمامي الشخصي باعماله واقواله وأشرت بان “... الحديث.. عن “المعمار” ذاته؛ عن “ريم كولهاس”: كواحد من اهم المعماريين الاحياء المؤثرين في المشهد المعماري وخطابه، يكتسي اهمية خاصة بالنسبة اليّ. ونزعم ان هذا الاهتمام الذي نوليه للمعمار مرده باقة من الاسباب، اولهما قيمة ومكانة المعمار العالمية، وثانيهما نوعية سيرته الذاتية غير العادية، وثالثاً، لكونه كان “استاذاً” يوما ما لمعماريتنا الفذة “زهاء حديد” (1950 -2016) اثناء دراستها في الـ AA <وقد عملت ايضا في مكتبه بلندن في نهاية السبعينات قبل ان تؤسس لنفسها، لاحقاً، مكتبا خاصا بها>. لتلك المجموعة من الاسباب العديدة ولغيرها التى انطوت عليها مسيرته المهنية، “نجد فيها مسوغاً للاعتناء بالمعمار جنبا الى جنب عمارته لتكون مادة لزاويتنا هذة من “مُخْتَارَات”.

ولد “رِيمُ كُولْهَاسْ” في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1944 في مدينة روتردام الهولندية ( وكان اسمه الفعلي: “ريمنت لوقاس كولهاس” Remment Lucas Koolhaas، قبل ان يختصره المعمار الى “ريم كولهاس” Rem Koolhaas ويعرف به على نطاق واسع). وقد انتقل مع عائلته للعيش في <إِنْدُونِيسْيَا> بعد ان دعت الحكومة الإنْدُونِيسْيَة والده الكاتب المعروف وقتها، والمؤيد لنضال استقلال البلد عن هولندا، للعمل في وزارة الثقافة لديها لفترة اربع سنوات. وعن تلك الاعوام يتذكر “كولهاس” بانها “ كانت سنوات مهمة للغاية بالنسبة اليّ؛ وقد عشت حقاً كاسيوي!”.

بيد ان حدث <قرار> “رِيمُ كُولْهَاسْ” ليكون معماراً لم يكن عادياً بالمرة. فهو منذ عمر 19 سنة كان يعمل صحفياً لجريدة (هاشابوست) Haagse Post “لاهاي بوست”، محررا في قسم الفن والعمارة، واجرى لقاءات مع اشهر المعماريين في بلاده، واجدا في نفسه شغفاً حقيقا لتعلم هذة المهنة وفك اسرارها، خصوصا وقد كان احد اجداده معمارا هولنديا حداثيا، هو الذي كان متأثرا كثيرا في نشاط عائلته الثقافي والتنويري. ويقال ان تلك الرغبة (الرغبة ليكون معمارا ودارسا لها) اشتدت لديه عندما كان يلقي محاضرة عن السينما لطلبة كلية معمارية، حيث اظهر العلاقة بين انتاج الافلام وتصميم المباني، مجادلا وشارحاً من ان “تناوب الفضاءات في التصميم المعماري يتعين بالضرورة ان يكون متماثلا مع تسلسل نوعية اللقطات السينمائية لجهة امتاع المشاهد ومنحه نوعا من المفاجآت الملغزة”. ومنذ ذلك الحين ادرك “المحاضر” بانه نفسه يرغب ان يكون مثلهم طالباً معمارياً. لم يبدأ “رِيمُ كُولْهَاسْ” فورا بدراسته المعمارية، وأنما تأنى لفترة ولمزيد من المعرفة والتعلم الذاتي “لمهنتة المستقبلية”، مطلعا على التجارب الطليعية للمعماريين السوفيت في العشرينات، وقارئأ لنظريات التمدن والعمران، بعد ذلك انظم الى كلية “رابطة المعماريين” Architectural Association (A. A.) في لندن وتخرج منها عام 1968، بعد ذلك حصل على منحة دراسية لدراسة العمارة في جامعة كورنيل Cornell في نيويورك. ثم انتقل كباحث زائر الى معهد العمارة والدراسات الحضرية في نيويورك عام 1978، وتحت اشراف المعمار التفكيكي المعروف “بيتر ايزنمان” P. Eisenman، انهي هناك كتابه المثير “نيويورك الهذيانية: بيان/ “مانفستو” بإثر رجعي الى مانهاتن” Delirious New York: A Retroactive Manifesto for Manhattan، وهو كتاب أُعتبر برأى كثر من النقاد، من ضمن الكتب المهمة التى اثرت بعمق، في المشهد المعماري وخطابه، مانحاً مؤلفه حضورا لافتا وشهرة واسعة في الاوساط المهنية والنقدية. في هذا الكتاب يحلل “كولهاس” طبيعة الحياة الحضرية، ويراها “كصدفة” ويكتب من “ان المدينة ما هي الا آلة ادمانية لا مفر منها، معرفاً اياها “المدينة” بكونها مجموعة “نقاط حمر ساخنة”، ومعترفا ايضا بان مقاربته لفهم المدينة تشبه الى حد كبير اطروحة حركة “الميتابوليزم” Metabolism اليابانية في الستينات وبدء السبعينات. لكن الاهم في ذلك الطرح “الكولهاسي” (نسبة الى كولهاس!)، يبقى استنطاقة لمفهوم “البرنامج” Program عند صعود الحداثة في القرن العشرين، والذي امسى بحسب المؤلف <حجر زاوية التصميم المعماري ومفتاح موضوعه>. ويرى ان فكرة “البرنامج”، ما هي الا “اجراء لتمثيل الوظيفة وجميع الانشطة الانسانية” والارتقاء بذلك لتكون، في الاخير، ذريعة للتصميم المعماري، المتجسد في المفهوم الاقصى لعبارة <الشكل يتبع المضمون>، هي التى رسخها، يوما ما، “لويس سوليفان” بالوسط المهني. وانتشرت منذ بدء القرن العشرين على نطاق واسع. كما يستجوب “ريم كولهاس” ويتدارس لاول مرة في كتابه “نيويورك الهذيانية” تحليل فكرة عمارة الابنية الشاهقة (ناطحات السحاب) في مانهاتن، ويستدل الى احدى طرق التصميم المبكرة المشتقة من ذلك التحليل التى يدعوها بـ “البرمجة المتقاطعة” Cross-programming، وهو مفهوم معني بالتعاطي مع وظائف غير متوقعة تحضر في احياز الفضاءات المصممة مثل مسارات الجري في ناطحات السحاب او ماشابه ذلك. كما سعى كولهاس مرة، ولكن من دون نتيجة ملموسة، الى ادراج “مستوصف” للمشردين في فضاءات مشروع “مكتبة سياتل العامة” التى صممها سنة 2003.

في سنة 1995 (ولمناسبة مرور عشرين عاما على تاسيسه مكتبة الاستشاري OMA)، يصدر “ريم كولهاس” (بالاشتراك مع مؤلف اخر)، كتابه الذي لاقى ترحيبا واسعا من قبل جمهرة من النقاد والقراء وهو كتاب “الصغير، المتوسط، الكبير، والاكبر” S. M. L. XL.، (الذي بيع كل نسخه في غضون اشهر قليلة)، وجاء بـ 1376 صفحة من القطع الكبير. وقد تضمن الكتاب مجموعة من المقالات ومقتطفات من المذكرات وقصص الرحلات والصور الفوتوغرافية والخطط المعمارية والرسومات التى انتجها المكتب طيلة عقدين من السنين السابقة لنشر الكتاب. وبظهور هذا الكتاب الذي طبع مرات عديدة، عزز “ريم كولهاس” من حضوره المميز في المشهد المعماري. وكصحفي قديم، وكمنظر لامع، ومعمار قدير عرف جيدا كيف يثير اشكاليات المهنة المعمارية ويسعى الى طرح حلوله غير العادية التى لطالما ما لفتت الانتباه اليه والى عمارته وطروحاته النظرية. كما ان اصداراته الاخرى مثل “دليل مدرسة التصميم بهارفارد للتسوق” (2002) The Harvard Design School Guide to Shopping، وكذلك اشتراكه مع اخرين في كتاب “ الطفرة العظيمة للأمام” (2002) The Great Leap Forward، التى تتناول تحديد وتحليل المشاكل المؤدية الى التحضر المتسارع وعواقبه، بالاضافة الى الى ايجاد وتطوير فلسفات جديدة لمساعدة اشكاليات العمران وتعاملها مع المتغييرات السريعة.

ادناه مقتطفات مستلة من اقوال وافكار ومؤلفات “رِيمُ كُولْهَاسْ”، أخترتها وترجمتها من مصادر متنوعة منشورة باللغتين الروسية والانكليزية، تعكس بشكل وبآخر “ذهنية” هذا المعمار المجدد وتطرح على القراء اشكاليات فهم “العمارة والعمران” بصورة أَخرى، وبشكل خاص لجهة انتمائها الى عقل، يقال عنه، بانه يرى الامور التقليدية والمتعارف عليها ليس كما يراها الآخرون.

وقبل ان ادون مقولاته، أود أن اعرج على ثمة إطروحة مفاهيمية يهتم بها “رِيمُ كُولْهَاسْ”، ويفضل ان تكون “تمثيلاً فلسفياً” له ولمقاربته المعمارية. فالمعمار يعد نفسه من <انصار> “العمارة المفتوحة” القابلة للتكيف، والتى يمكنها ان تتضمن عدة وظائف وتعديلها انطلاقاً من متطلبات الزمن. وهو يرى في ذلك نوعاً من استجابة عملية لغموض المستقبل. في احد فصول كتابه المثير “نيويورك الهذيانية”، يشير في متنه الى وجود نادي رياضي بناطحة سحاب بارتفاع 35 طابق مشيدة في الثلاثينات، وقد جمع هذا النادي حمامات سباحة وصالات ملاكمة وملعب للغولف ومطاعم وشقق، وقد بدا وكأنه “كعكة بطبقات” مذهلة. ومما اعجب المعمار، هي الطريقة التى اجترح بها كل طابق “مكائد” عديدة لا يمكن التنبؤ بها، مجبراً مستخدميه على الخضوع المطلق لعدم استقرار الحياة في تلك الحاضرة. لقد كان ذلك المبنى عبارة عن آلة تولد وتكثف الاشكال المرغوبة من التواصل البشري”. وفي هذا <كل> ما يود “رِيمُ” ان يكونه: تجنب دائم للملل والرتابة والتقليد، والرغبة الجامحة في متعة تشكيل فضاءات ذات سيناريوهات غير متوقعة، حيث تدنو جودة التواصل البشري من مستوى مختلف تماماً. فهو لا ينزع الى صقل مقاربته المعمارية، ولا يرغب في “مقايضتها” او “الاتجار” بها؛ هي التى اكتسبها على مدار سنوات عديدة من حياته المهنية، بقدر ما يتوق لاختبار نفسه عندما يجترح، في كل مرة، نسخة جديدة مختلفة من مقاربته الذاتية.

والآ ن، حان الوقت للانصات الى ما يقوله “رِيمُ كُولْهَاسْ”:

- “.. للمبنى حياتان في الاقل؛ الاولى، هي التى اِرْتَأَها مبدع هذا المبنى، وحياة أخرى التى يعيش بها المبنى لاحقاً، والاثنتان غير متماثلتين بتاتاً.”

- “لم تعد العمارة قادرة على مواكبة ايقاع العالم، فاي مشروع معماري نقوم به يستغرق وقتا بما لا يقل عن 4 او 5 سنوات، في حين نلحظ تبايناً، بشكل متزايد، بين تسارع الثقافة وبُطء العمارة”.

- “المصعد هو نبؤة متحققة آلياً، كلما ارتفعت الى الاعلى، كلما بدا كل شئ تتركه في الاسفل اقل سحراً وفتنة!”

- “ ان النظر الى مانهاتن (حي في نيويورك)، يقع المرء دوما في حالة نشوة من العمارة!”.

- “ليس الجمال ما يهمني في المقام الاول بالعمارة، ما يهمني حقا فيها هو الملائمة والانسجام!”.

- “يعمل المعماريون بطريقتين، الاولى: الاستجابة لاحتياجات العميل ومتطلباته بدقة، والثانية النظر الى ما يطلبه العميل. .وإعادة التفكير فيه!”

- “يتعين ان يكون كل مبنى جميلا وفي نفس الوقت رخيص الكلفة وسريع التنفيذ، ويدوم طويلاً. انها حقا “لبطارية” مذهلة، ذات متطلبات متناقضة. لذا، نعم، انا بالتأكيد شخص مثير للجدل، بيد انني اعمل في اوقات مثيرة للجدل للغاية!”.

- “في السيناريو، عليك ان تربط جميع المشاهد المختلفة معاً، لجهة توليد التشويق ومطاوعة الغموض وجمع الاشياء من خلال اجراءات التنظيم والتحرير. انه ذات الشئ يحدث تماما في العمارة، اذ يقوم المعماريون ايضاً بتجميع الاحداث الحيزية لخلق نوعا من تتابع وتعاقب منطقيين”.

- “اعتقد بان احد التطورات المهمة، هو أننا لم نعد نكترث بشكل مهووس بالحاجة الى الجدال أو تبرير الامور على مستوى عقلاني. نحن، الآن، اكثر استعدادا للاعتراف بان بعض الاشياء غريزية تماما والبعض الآخر تبدو فكرية..”.

- “ جمال مهنتي (العمارة)، يكمن في العشوائية والمفاجأة. ولا اعتقد باني استطيع اختيار مشاريعي. لا بد لي من بناء ما يطرح عليّ”.

- “نحن نسعى دوما ونقول باننا نرغب بخلق جمال وتفرد وجودة واصالة. ومع هذا فربما تكون المدن التى بحوزتنا مرغوبة حقاً. وقد توفر سذاجتها سياقاً افضل للحياة!”

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram