اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > ريسان الخزعلي: مظفر النواب صاحب الكشف الأوّل في الشعر الشعبي العراقي

ريسان الخزعلي: مظفر النواب صاحب الكشف الأوّل في الشعر الشعبي العراقي

نشر في: 11 ديسمبر, 2023: 10:40 م

يرى أن اللحظة الشعرية تجد نوعها خارج محددات اللغة واللهجة، فليس كل ما يُكتب باللغة يمتلك هذه اللحظة

حاوره: علاء المفرجي

- 1 -

شاعر وناقد، يُعد من الأسماء البارزة في الساحة الثقافية العراقية، ولد في ناحية الهدام التابعة لقضاء الميمونة في ميسان العام 1952، كتب الشعرين:

الفصيح والشعبي، ونشر العديد من الدراسات الأدبية في الصحف والمجلات المحلية والعربية، حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من الجامعة التكنلوجية العام 1976، وهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين..

يقول الخزعلي: الإنصات لمنجزات الآخرين المبدعين، هكذا أدركت ُ التذوّق الشعري مبكرا ً. والتخصص العلمي هو الآخر يتطلب الدّقة النظرية والتطبيقية. وبما أنّي متداخل مع الإثنين، فقد سعيت ُ لأن أُواشج بين المعرفتين على السواء. ثمَّ أن َّ الشعر هندسة، أليست العروض هندسة شعرية؟.. كما أن َّ الإدارة هي الأخرى فن التنظيم كما في العلم والشعر. هكذا سعيت وهكذا حاولت. وربما لامست ُ بعض نجاح.

ويضيف:، مظفر النواب هو صاحب الكشف الأوّل الذي مهّد َ لنا الكتابة الحديثة في الشعر الشعبي العراقي، كما فعل / السياب ونازك الملائكة والبياتي وبلند الحيدري / في تجديد وتحديث الشعر العربي، ولا يخفى أن َّ تجديد وتحديث النواب جاء بعد تجديدهم وتحديثهم، نتيجة لقوّة انتباهه وإنصاته الذكي للتحوّلات التي أحدثوها

الخزعلي أصدر ما يقارب ثلاثين كتاباً في الشعرين الشعبي والفصيح والدراسات الأدبية، من بينها:

(أشجار الحلم والماي)، و(غنج)، و(تطريز)، و(الليلة وما بعدها)، و(أقرب إلى الوضوح)، و(تراكم الجمر والندى)، و(حسب الشيخ جعفر- الطائر والنخلة)، و(تحوّلات أدونيس الشاغلة)، و(مظفر النواب – بستان الرازقي)، و(خضير ميري – قوّة الجنون)، و(روايات طه الشبيب – ضفيرة الأبجديات)، بستان الرازقي، (تحولات أدونيس الشاغلة)، (أبو سرحان كريستال القيدة الشعبية الحديثة).

الكاتب والناقد د. جمال العتابي، كتب عن الشاعر والناقد ريسان الخزعلي:

لم تخطىء أمك حين سمّتك (ريسان)، فأنت في معاجم اللغة، تعني تبختر الرجال، والقائد، والغالب، وتعني كذلك، تبختر الأسد، وكما أظن ليس بوسع هذه التسميات أن تضيف لك شيئا، لكنني أعتقد أن واحدة منها، ترسبت في أعماقك، وتماهيت معها بلا شعور منك، (التبختر) هي وحدها، من فرط إكتمالها فيك، بوسعها أن تضيء حياتك، لكن أين؟ ومع من؟ وبأي مستوى،؟ انها في الناي الذي تعزف به أناشيدك، فأنت يا ريسان القادم من (الهدام)، إلى المدينة، لا تحمل معك سوى جِرار من ماء (الهدام)، في العمارة جنوب العراق، من روافد ومصبات آل زيرج، والميمونة، وأهوار العودة، ونهر أبو فحل، فتعمق إحساسك بالماء، وتشبثت بجذوره الطينية،

أبا طيف: أشعر أن مئات المدن، ومئات الأنهار، وآلاف من أعواد القصب والبردي، والطيور تعيش في قلبك، ها أنا دائماً أقف أمام نصوصك في الشعر، والشعر الشعبي، على وجه الخصوص، منصتاً، متأملاً، مندهشاً، وأتساءل: من أية نافذة تأتيك الكلمات؟ من أي باب نمدّ يدنا إليك، ربما تصنع بالكلمات شيئاً من حزننا، وإنكساراتنا، وفرحنا، وأملنا، لكنك تشعرنا دائماً ان العالم كله يعيش بيننا، كيف تجمع الماء، والريح، والهوى، والطين لتبني لنا بيتاً، توقد النار فيه إنتظاراً لحلم جديد؟ يا ريسان: حتى وانت في حالات انفعالاتك وتحدياتك الليلية، تترقب الصبح ليشرق في وجهك، لتنسى مبتسماً خجولاً، تستعيد صورتك التي أينعت وإزدهرت بعطر قصائدك

هذه المقاطع لاتنتمي لقصيدة واحدة، انها من مئات. الأمثلة التي يفيض بها الخزعلي، بالمشاعر الدافقة، بمزيج من الغناء والحب، والهمس، والإنغماس في الحياة، معتمداً موهبته، وإقترابه الحميم، من المفردة المشحونة بأقصى درجات العاطفة. أي جلالٍ هذا الذي يحيط بإبن (الهدّام)؟ أي سمو هذا الذي دعاك أن تحلق دائماً في الأعالي بأجنحة تخفق بعوالم فسيحة، وبأنفاس طيبة متواصلة لا تنقطع؟ تغمرك غبطة الكتابة، فهي فردوسك الأثير، فأية عذوبة مشحونة بالإمتلاء والدهشة، تحملها، قصائدك؟، من أين لك كل هذا الجمال؟ وأية إحتفالية يمكن أن أقيمها بما هو مخفي بين حروفك؟

ثمة منعطفات ومحطات مهمة في حياة ريسان الخزعلي، لم تكن خفية لدى المتتبع أو الناقد لآثاره الإبداعية، لم يكن كاتباً عابراً، ولن يكون فكره كذلك، الذي أهّلَهُ ان يكون دقيقاً، صارماً في آرائه النقدية، بصلابة الموقف في خضم المعترك السياسي والثقافي، خصماً لأشكال التخلف والجمود في الفكر والثقافة، مراهناً على التجديد والتنوير بإسلوب حضاري، في كل الأجناس الأدبية التي كتبَ وأبدعَ فيها. فأضحى علامةً متميزةً في حركة الشعر العراقي.

ريسان (ظلٌ يمشي على الماء*)، ترافقه حَشدٌ من الصور اللامعة، تشبه شلالاً، صور تبهر وتجذب، انها مقطوعات متوهجة ثرية، عميقة الأثر، بعمق تجربته وغِناها الفكري والسياسي، وهي فضاءٌ عام يتلاعب فيه بالذائقة الفنية، يكتشف المعاني الإنسانية عبر ما أنتجته عقليته المتفتحة. من حقك ياريسان أن تتبختر علينا! فأنت نسّاج شعر، وساحر، يُلزمنا صوتك، وروحك الشّابة، لكي نكتمل فيك، ونضمن مواصلتنا الشوط..

الطفولة والنشأة، كيف تقاطعت مع مصادرك ومراجعك، لتجعلك ميّالاً للكلمة وتحديداً للشعر، أرجو أن تحدّثنا بإسهاب عن طفولتك وعن المكان..؟

- الطفولة والنشأة ريفيّة التكوين، هناك على الضفة اليمنى من نهر (الهدّام) في ريف العمارة / الميمونة. وقبل عام 1958 – إذ أنّي مواليد 1952 - بقليل أدركت ُووعيت ُ ما يحصل في القرية (قرية العدلَه). وعيت ُ على طبيعة حياة الفلاحين وعذاباتهم واضطهادم من قبل الإقطاع الذي لم يترك لهم من محاصيل الرز إلّا النزر القليل. كنت ُ أرى الحسرات في وجوههم وشقوق أكفّهم وتشقق دشاديشهم. كنت أرى بهجتهم حين يصطادون السمك والطيور، وحين يبيعونها للمتعهدين كي يرمموا خساراتهم وعوز عوائلهم. أدركت ثورة 14 تموز المجيدة وأنا في الصف الأوّل الإبتدائي، وما زالت ذاكرتي طريّة تحتقظ بألوان بهجتهم وهوساتهم – لقد ذهب َ الإقطاع إلى نهايته المنتظرة، وعادت محاصيل الرز تملأ عيونهم ومحروزاتهم وفارت تنانيرهم باللهب الأزرق.

في القرية كان الغناء اسطوريّا ً، حزنا ً أو فرحا ً، كانت الأهازيج وأشعار الدارمي والأبوذية تجري على الألسن ِ كالماء حين ينحدر إلى الأهوار، الكل يغنّي ويردد الشعر ويرقص، رجالاً ونساء ً وصغاراً، الكل يغني ويردد الشعر تعبيراً عن أحزان تراكمت على مر ِّ عقود من الزمن. كنت ُ أرى الأطفال حين يموتون غرقاً، وكيف يدفنون في (اليشن). كنت أنبهر بطقوس العزاء الحسيني وأنصت ُ للشعر الذي يردده القرّاء. كما هو انبهاري بترديدات الصبايا لأشعار مرتجلة أو محفوظة، في الأعراس، ومع أمهاتهن َّ في المآتم.

كل ُّ هذا شرخ وعيي وجعلني أقف ُ متحسرا ً، منّصتاً لهذه المهرجانات القروية، حافظا ً أشعارها وهوساتها ونعيها. وبعد دخولي المدرسة الابتدائية وبعد أن عرفت ُ الكتابة،

وسمعت الأناشيد التموزية، داهمني ما ينده المتراكم في خزين ذاكرة الطفولة لأن أخربش دفاتر المدرسة بنظم أشعار لا رابط لها..، وقد قادني هذا الرابط لأن أصحو لاحقاً على ما أسميته ُ شعرا ً.

عرفناك َ شاعرا ً، لكنّك مهندس وإداري ناجح، كيف لك َ إن وفّقت َ بين اختصاصك العلمي وبين الشعر الذي أتقنته ُ حدّ الإبداع فيه؟

- الشعر يتطلّب الدّقة اللغوية والفنيّة والاشتراطات الجمالية والحس النقدي الذاتي والإنصات لمنجزات الآخرين المبدعين، هكذا أدركت ُ التذوّق الشعري مبكرا ً. والتخصص العلمي هو الآخر يتطلب الدّقة النظرية والتطبيقية. وبما أنّي متداخل مع الإثنين، فقد سعيت ُ لأن أُواشج بين المعرفتين على السواء. ثمَّ أن َّ الشعر هندسة، أليست العروض هندسة شعرية؟.. كما أن َّ الإدارة هي الأخرى فن التنظيم كما في العلم والشعر. هكذا سعيت وهكذا حاولت. وربما لامست ُ بعض نجاح كما أشرت َ في تلافيف سؤالك مشكورا ً.

أنت َ من الشعراء السبعينيين الذي كتب عن الشعر العامي، أمثال: عزيز السماوي، أبو سرحان، طارق ياسين، عريان السيد خلف، كاظم اسماعيل الكَاطع، رياض النعماني، وآخرين، عذرا ً لعدم ذكر أسمائهم. لكن َّ انطباع الناس عن الشعر العامي كان مخيّبا ً بسبب ما فعله البعض من الشعراء في تمجيد حروب الطاغية. كيف كان لكَ أن تصمد بوجه هذه الموجة؟

نعم، كتبت ُ عن هؤلاء الشعراء – كل ٍّ بحدود لونه وتجربته – مقالات وقراءات فنيّة، إلا أن المهم، هو ما أصدرت ُ من كتب: الحاج زاير- رنين الوتر الفراتي، بستان الرازقي – مظفر النواب الأسرار القصية في الشعر الشعبي العراقي، تقاسيم العشكَ والجرح – شاكر السماوي جماليات التجديد في الشعر الشعبي العراقي، أبو سرحان – كرستال القصيدة الشعبية العراقية الحديثة، مناجل أور الفضيّة – كاظم الركابي خصوصية في الشعر الشعبي العراقي الحديث. أما انطباع الناس وخيبتهم مما فعله البعض من الشعراء في تمجيد حروب الطاغية، فلا يصح أن يكون معياراً تقييميا ً عاما ً يُطبّق على كل الشعراء وكل الشعر الشعبي العراق الحديث؛ وإنما الخيبة كامنة في هذا البعض وشعره. أما الشعراء المثقفون ونماذجهم العالية، فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الانحدار، وتمترسوا بقناعاتهم الأرقى. أما كيف صمدت ُ بوجه الموجة التي أشرت َ إليها، فأنا قبل بداية الحرب العراقية - الإيرانية كنت قد خرجت ُ للتو من السجن إذ كنت ُ محكوما ً بعد انهيار (الجبهة) لأسباب سياسية معروفة، وقد تمترست ُ بقناعاتي كما تمترس الآخرون الذين أشرت ُ إليهم.

ترى أن َّ الحداثة بالشعر العامي لم تخرج يوما ً عن مظفر النواب، ماالذي تقوله في ذلك؟ وقلت َ مرّة ً " فمظفر صاحب الكشف الأوّل الذي مهّد َّ لنا الكتابة الحديثة ".. وما الدور الذي يلعبه النواب في الشعر والثقافة العراقية؟

- نعم، مظفر النواب هو صاحب الكشف الأوّل الذي مهّد َ لنا الكتابة الحديثة في الشعر الشعبي العراقي، كما فعل / السياب ونازك الملائكة والبياتي وبلند الحيدري / في تجديد وتحديث الشعر العربي، ولا يخفى أن َّ تجديد وتحديث النواب جاء بعد تجديدهم وتحديثهم، نتيجة لقوّة انتباهه وإنصاته الذكي للتحوّلات التي أحدثوها. أما أن َّ الحداثة بالشعر العامي لم تخرج يوما ً عن مظفر النواب، فهذا القول بهكذا اطلاق غير صحيح، فبعد التجربة النوابية جاءت تجارب تجديدية وتحديثية معروفة لشعراء مثقفين موهوبين ذوي تحصيل أكاديمي ومعرفي، أضافت الكثير على ما جاء به النواب وبطرائق مغايرة وموازية فنيّاً وإبداعيّا ً.

أما الدور الذي يلعبه أو لعبه النواب في الشعر والثقافة العراقية، فهو دور المجدد والمحدّث في الشعر الشعبي العراقي، وصاحب لون شعري بالفصحى ارتبط بخصوصية نادرة كامنة في ذاته وممكناته الفنية والجمالية. من هنا كان النواب صوتاً شعرياً بلونين مغايرين للسائد، وحين نُضيف وعيه ُ وتجربته الثقافية والنضالية ومواقفه السياسية لشعره، فإنه في المركز من دائرة الثقافة العراقية.

هل لك َ أن تدلّنا على مسارات التحديث في الشعر الشعبي؟

- كانت القصيدة الشعبية العراقية بسيطة، تراوح في نموذجها وشكلها النمطيين حتى عام 1956 وهو العام الذي كتب َ فيه الشاعر الكبير / مظفر النواب / قصيدته / للريل وحمد /.. وكانت القصيدة التجديدية الأولى في الشعر الشعبي العراقي رغم بنائها العمودي، إلا أنها توافرت على بناء شعري محكم وإيحاء رمزي وتشكيلات صوريّة غير مسبوقة، كما أن َّ اكتشاف الطاقة الحسيّة الكامنة في المفردات الشعبية من ميزاتها الأخرى. ثم تبعها بقصائد أخرى تجديدية وتحديثية ظهرت في مجموعته الرائدة / للريل وحمد/..، من هنا كان النواب قد شكّل المسار التحديثي الأوّل، وقد أثّر هذا المسارفي الشعر الشعبي العراقي منذ ُ الستينيات، وحاول تقليده الكثير من الشعراء، ولم يصلوا إلى ما وصل إليه، كون شعره كان يقوم على ثقافة وتجربة وموهبة ومعرفة بسريّة اللهجة.

في منتصف الستينيات، حصلت موجة تجديدة على أيدي شعراء مثقفين موهوبين، أدركوا أهمية الخصوصية والتخلّص من تأثيرات النواب، ومن أبرزهم: شاكر السماوي، كريم محمد، طارق ياسين، عزيز السماوي، علي الشباني، أبو سرحان. وهكذا توافر الشعر الشعبي على نماذج تتشاغل بما هو فكري وفلسفي بعيدا ً عن اللون النّوابي ذي السمات الرومانسية الحسيّة. ويمكن اعتبار تجاربهم موجة تجديدية ثانية لا حقة لتجربة النّواب الريادية. ثم تبع هذه الموجة شعراء شباب – في حينه طبعا ً – برزت تجاربهم في السبعينيات، وشكّلوا الموجة النوعية الثالثة، بعد أن تمعّنوا بأساليب ما قبلهم، واكتسبوا خصوصياتهم وحدود تجاربهم وألوانهم، وفي الكم الإحصائي فإنهم لا يتجاوزون العشرين. وما بعد هذه التجارب الثلاث لا يوجد مايُشير فنيّا ً وإبداعيا ً إلى موجة نوعية أخرى سوى محاولات شعرية محدودة تراوح بين القديم التقليدي وهوامش التجديد.

بعض أبناء جيلك من الشعراء وأنت منهم، كان يكتب الشعر العامي إلى جانب الفصيح، بل البعض غادر العامي إلى الفصيح، لكن مَن يقرأ لك َ يراك َ تكتب بالنوعين.. بالنسبة لك َ أين تجد اللحظة الشعرية نوعها التعبيري، العامي أم الفصيح في كتابة الشعر؟

اللحظة الشعرية تجد نوعها خارج محددات اللغة واللهجة، فليس كل ما يُكتب باللغة يمتلك اللحظة الشعرية التي تأتي بفكرة الشعر ليكون فنّا ً، وكذلك ليس كل ما يُكتب باللهجة. الشعر كفن إبداعي ما هو إلّا نداء داخلي يخرج ممسرحا ً: لغة ً، لهجة ً، بناء ً، صورة ً، رمزا ً، موضوعا ً. وفي كلا الحالين لابد َّ من معرفة عالية بأسرار اللغة أو اللهجة، ومدى طواعية كل ٍّ منهما للشاعرية والشعرية. اللغة أو اللهجة رداء، وما تحت الرداء هو النبض الحسّي الذي يأتي برجفة الشعر إن اكتملت دقّاته. أنا مع الشعر حينما يكون هكذا.

أراك َ تُفرّق كثيرا ً بين الشعر العامي والشعر الشعبي، ماهي أوجه التمايز بين الإثنين؟

- العامّة، في المعنى اللغوي، هي الأغلبية غير المتعلّمة، من هنا، من غير الممكن أن نقول عن الشعرالمكتوب باللهجة والذي يكتبه الآن متعلمون وأصحاب تحصيل أكاديمي، علمي وأدبي، وكذلك يتلقاه شعب تجاوز الأميّة، بأنه ُ شعر عامّي. وحتى في البلدان العربية يطلقون توصيف / شعر باللغة المحكية /..، ومثل هذا التوصيف يكون أكثر قبولا ً. لقد تمدّين الريف كثيراً بعد أن زحفت إليه المدينة أو زحف هو الآخر إلى المدينة، وانقرضت المفردات العاميّة الموغلة بالقِدَم، وتفصّحت الكثير من المفردات أيضا ً. وأصبحت اللهجة واضحة لإبن المدينة، إذن من غير المناسب معرفياً وحضارياً أن نُسمي الشعر المكتوب باللهجة شعراً عاميّا ً.

إن َّ اللهجة الجديدة مشتبكة الآن بأعصاب وأحاسيس الشعب بكل طبقاته الاجتماعية، في حديث الشارع والسوق والمقهى والبيت، في الغناء والمسرح والسينما.. إلخ. فلماذا حين يُكتب الشعر بهذه اللهجة لا نقول عنه بأنه شعر شعبي، بعد أن أصبحت اللهجة شعبية التداول. وأُضيف، استدلالا ًبما تقدّم، هل يصح أن نقول التراث العامّي، أم التراث الشعبي..؟.

قد لا أُبالغ إن قلت ُ أنك َ حين تكتب النقد، فإنك َ تكتبه ُ باندفاعة ناقد ٍ واع ٍ لأدواته، واثق ٍ من ذائقية في التقييم، وخاصة نقد الشعر، وأنت َ الشاعر.. فهل تكتب النقد بروحية الشاعر؟ وما طبيعة النّص الذي يُحرّض الناقد فيك؟

توصيفي بالناقد، كثيرجدا ً على مدركاتي المعرفية في هذا المجال الإبداعي الواسع، أنا أكتب محاولات في تذوّق الفنون الإبداعية، قد لا تخلو من ملامسات نقدية. وأميل جداً إلى تكوين انطباعات عنها، وأرى أن َّ أيّة َ كتابة في النقد، لا بد َّ أن تأتي بانطباع عام أو خاص مهما كان المنهج المُتّبَع، وبدون هذا الانطباع لا يصح التقييم. أما في الشعر، فليَّ حدود تجربة ولون وإدراك ذوقي وتذوّقي، وطبيعي أن تكون محاولاتي في الكتابة الموصوفة بالنقد على حد ِّ قولك انعكاساً وتطبيقا ً لهذه الحدود و هذا الإدراك. ويبقى النّص الذي يحمل تجربة وتكوينات فنية / جمالية وبراعات لغوية وصوريّة وبناء ً متكاملا ً إضافة إلى طبيعة وجدّة موضوعه، هو المحرّض الأوّل للكتابة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram