طالب عبد العزيز
في البلاد التي ينجو فيها المجرم المدعوم من الحزب المسلح، واللص المقتدر بقوة المال والجاه، ويفلت من العقاب فيها القاتل الماجور، والخائن المعلوم، والمتآمرالواضح، ولا تأبه إذا ما أصبح بعضهم قادة ورؤساء أحزاب وسفراء ووزراء...
قد يقع المواطن البسيط فيها ضحية إجراء لموظف مرتشٍ، خائن لوظيفته، أومحام محتال، أو مزوِّر لوثائق، أولتهديد من رجل عشيرة لا ذمِّة له، وكلُّهم قائمٌ وفاعلٌ بأمره، وكلهم محميٌّ ومصانٌ، وكلهم قادرٌ وقاهرٌ، لا تطالهم يدُ العدالة إلا بلطفها، ولا ينالهم إلا أيسر العقاب. ينعمون بأفضل أنواع السجون إذا اقتضى الامر، ويديرون شؤون حياتهم من داخلها، فلا تجارة تتوقف، ولا مال يحجز، ولا هم يحزنون. امّا ضحاياهم فبالالاف، ولسان حالهم يقول: أين الحكومة من ذلك كله؟.
قد يبدو المواطن البسيط هذا في مأمن من هؤلاء، فهو براء من الجرائم تلك، إذْ لم يكُ لصَّاً، ولا خائنا، ولا قاتلا، ولا متآمراً.. لكنْ، الويل له إن وقع ضحيةً لفعل أحسنَ النيَّة فيه، ولم يكن قاصده، كأنْ أُشْتُبِهَ باسمه في نقطة تفتيش، أو ارتكب مخالفة مرورية، أو ضاعت إحدى الوثائق التي تثبته مواطناً، أو كانت درّاجته النارية لا تحمل أرقاماً، وقد خرج بها ساعياً وراء لقمة عيشه، عاملاً في بناء دار لأحدهم، ومثل هذه وتلك الكثير فأن القانون العراقي بتشريعاته الاسلامية والوضعية وتعديلاته كلها سيقع عليه، ولن يقف أحدٌ معه، وسيظل رهين أوامر المشرّعين والمنفذين سنوات وسنوات، يطلب وساطة هذا وذاك، ويتوسل الشفيع والوضيع، ويلقي بماء وجهه على الدنيء والرديء، وإذا لم يدرأ ذلك بالدنانير لن يجد خلاصه وحريته.
قبل أكثر من ستة عشر عاماً اشترى عددٌ من هؤلاء قطعاً زراعيةً، كلٌّ حسب حاجته للسكن، وبحسب مقدرته من المال من وكيل يحمل الجنسية والشهادة الجنسية العراقيتين، ومعلوم عند ورثة المالك الاصلي، الذي يسكن خارج العراق، وبموجب وكالة مصدقة من القضاء العراقي، وقسامات عليها اختام رسمية، والوكيل ذاته هو أحد الورثة، فهو ينتسب الى العائلة، الأصل، مالكة العقار(ابن عم) ويحمل اللقب المعلوم ذاته، بحضور أكثر من محامٍ عراقيٍّ، تم توكيلهم من قبل الوكيل ذاك، وبذلك تم البيع، وتم الشراء، عبر دائرة التسجيل العقاري في ابي الخصيب، ودفعت الاموال، واستحصلت الضرائب للحكومة، وتم تحويل المال المتفق عليه الى خارج العراق، عبر إحدى شركات التحويل، بحضور الوكيل والمحامي، ثم تم استصدار سندات التسجيل العقاري(الطابوات) لكل مشترٍ منهم، فأشرك المشترون كل حسب عدد الاسهم في صفحة الطابو الاولى، وختمت بختم الدائرة، ممهورة بتوقيع رئيسها، وبذلك بنوا البيوت وتزوجوا وانجبوا، وباع من باع، واشترى من اشترى، ومرض من مرض، وأصيب بالشلل من أصيب ومات عن ذلك من مات هكذا.
لكنْ، وبعد هذه وتلك، فوجئ هؤلاء المساكين بأنَّ الوكيل الذي اشتروا منه وبموجب الوكالة الاصلية كان قد اختلف مع موكليه(أبناء عمومته) أو هم اختلفوا معه، لأسباب يجهلها الجميع، فابطلت الوكالة والقسامات، بموجب دعاوى قضائية، استئناف وتمييز، ويجري الآن إرجاع الأرض الى صاحبها المالك الاول، ثم تسلم المشترون تبليغات من الشرطة، تقضي بحضورهم امام قاضي المحكمة بوصفهم (متجاوزين) وقد تقضي المحكمة بحكمها عليهم، بما يسلبهم حقهم في البناء والسكن والبيع والشراء، فالقانون العراقي لا يعمل لصالحهم، فهم من وجهة نظر قانونية مغفلون، أمّا الكتب الرسمية والقرارات القضائية والاختام والتواقيع الرسمية فالحكومة العراقية براء منها، غير مسؤولة عنها، وما على هؤلاء إلا تحمل وزرَ حكومتهم وقضائهم وكبار موظفيهم والخضوع لقانون سيقضي بحرمانهم من كل شيء.
بحكم ما انتهت اليه قرارات القضاء، سيقول وكيل الورثة بعد ارجاع العقار لمالكه الأول: بأنه، ورأفة بحالهم، يعرض عليهم البيع من جديد، لكن، بسعر الارض اليوم، لا قبل ستة عشر عاماً، وإلا فقيادة العمليات المشتركة وشرطة الطوارئ بهمراتها ورجالها الملثمين دونهم، وسيجعلون الارض بلقعا. ولمن لا يعرف اسعار العقار في البصرة نقول بأنَّ سعر الدونم الواحد في قضاء شط العرب-على سبيل المثال- قبل عشر سنوات كان خمسة مليون دينار عراقي فقط، لكنه الآن تجاوز الـ 150 مليون!! لا نريد أنْ نذهب بردود الافعال التي قد تنجم عن فعل إجبار هؤلاء المساكين على الشراء الجديد، لكنْ لا نعدم أن نجد بينهم من سيقدم على الانتحار، ومن سيحمل بندقيته، متصدياً، غير عابئ بما سيحدث له، ومن سيحرق نفسه وعائلته على مرأى ومسمع الناس والفضائيات، فالأمر جلل، والخسارة كبيرة. هناك عمر من الكد والعرق والجهد والاستدانة والقروض والتسليف صار هباءاً، وأمسى بمهب الريح، إذا لم تتدخل الحكومة لصالح هؤلاء وتنصفهم مما أصابهم ووقع عليهم، إذا ما علمنا بأنَّ الضرر سيلحق بمئات الاسر من الذين باتوا ضحايا الوكلاء المزورين من جهة والقضاء والحكومة من جهة ثانية.