محمد حميد رشيد
مقاطعة الإنتخابات لها ما يبررها ولعل أهم من يدفع لمقاطعة الإنتخابات هم أصحاب المشروع الوطني الذين يعارضون المشاريع الطائفية والمشاريع العنصرية لعدم ثقتهم بالإنتخابات وبالسلطة التي تديرها والذي يدفع لمقاطعة الإنتخابات أيضاً هو عجزهم عن توفير(بديل واضح) عملي لمشاريع الأحزاب المسيطرة على السلطة في العراق
والذي تقوم على تجميع الناس حول المشروع (الديني الطائفي) ومصلحة الطائفة (المكون) وأبناء الطائفة ومغازلة العواطف الدينية والدفاع عنها ومحاربة أعدائها والقضاء عليهم ونجحت في خلق (عقل جمعي) غير واعي مقاد إلى الإنتخابات في حصيلتها النهائية غير وطنية بل هي مكوناتية بشكل واضح جداً أختفت في شعاراتها مصلحة العراق أو وحدته. لهذا فالوطنيون غير واثقون من أنهم يستطيعوا أن يقدم شيء يقنع الناس لينتخبوهم!!!
ولكن (المقاطعة) بصفتها الحل الوحيد والأخير في ذات الوقت تنبيء بفشل المشروع الوطني عن توفير بديل يستطيع إقناع الجماهير به يعتمد على (الوعي) الجمعي وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الأخرى دون تعريضها إلى أذى وإن مصلحة الوطن تكمن في تحقيق مصالح مكوناته جميعها ولا تناقض بينهما لأن مصلحة الوطن (شاملة) عكس المصالح الضيقة التي تعني بجزء من الشعب دون الآخر؛ بل أن قوة الوطن في وحدته وتظافر أهله وليس في صراع مكوناته وتفتيت أرضه وأن المشروع الوطني يحرص على وحدة الأرض ووحدة الشعب وقوة الوطن ومصلحته. وإن تجربة المشاريع المكوناتية أفرزت الفساد والتقسيم والضعف والتفتت. وبالعكس أنزوى الوطنيون بمشاريعهم وأفكارهم حتى أصبح الفكر الوطني فكر (نخبة) بدلاً من أن يكون الفكر الفطري الشعبي (القومي) الشائع (فكر شعب) ومن المؤكد إن لهذا أسبابه المعروفة وعدم قدرة أصحاب المشروع الوطني على مواجهة عنف وقوة أصحاب المشاريع الغير وطنية وعدم إمتلاكهم السلاح وعدم إيمانهم بالعنف لذا فهم فريسة سهلة أمام فرق الموت والمليشيات وحملة السلاح فكانو عرضة للقتل والاختطاف وتزويرالتهم والسجن والتغييب لذا تقوقعوا وإنحصر تأثيرهم وعزلوا بطرق ذكية وفنية عن الواقع السياسي (الرسمي) ومن ما زادهم عزلة هي فشلهم في إستيعاب الإنتخابات التي تقوم في جانب منها على (التزوير والترهيب والترغيب) وعلى حملات دعايات مليارية لا قبل لأصحاب المشروع الوطني بها...
فما كان منهم إلا التراجع والإنحسار والتقوقع حتى أصبحوا مؤسسات ثقافية ضعيفة مغلوب على أمرها معرضين للحصار والأغلاق والمنع. ومن ما زاد الفجوة بين المشروعين الدعم الدولي المتنوع ألا متناهي لأحزاب (المكونات) تبداء من الإستشارة والتوجيه ورسم الخطط إلى كل المعونات والدعم الامحدود.
ومما زاد الأمر سوء وزاد الضعف ضعفاً هو وجود أكثر من مشروع وطني في العراق!!! وهذا أمر عجيب (قد) يدل على جهل أصحاب تلك المشاريع بحقيقة الصراع السياسي في العراق وأبعاده كما يدل على عدم فهم لخصوصية المشروع الوطني في العراق فهو لا يقبل التجزئة ولا يحتمل الصراعات العقائدية والفكرية وليس من مصلحته الدخول في الصراعات الفكرية والفلسفية والدينية وأن اداته هم عامة الشعب وخاصته.
ولعل ضمور تأثير المشروع الوطني الذي يفترض به أن يكون (مشروع الأمة) هو التشضي والخلافات بين أصحاب المشروع الوطني الذي يقوم على أسس فطرية بسيطة لا خلاف عليها ويؤمن بها الجميع وهي (وحدة العراق أرضاً وشعباً وثروات) والتنظير في ذلك بسيط ويهم كل مواطن عراقي من عامة الناس وخاصتهم ولقد أثبتت تجربة المكونات والطائفية أهمية هذا الشعار للعراق.ومن الخطاء المميت إدخال المشروع الوطني في منازعات فكرية
ومن فطرية المشروع الوطني وأهميته وقربه من ضمير الشعب العراقي وحاجة العراق الفعلية له لينقذه من هذا الضعف والفساد والتشضي والتشرذم والتفتيت وإعادته إلى ما يستحقه من حضارة ومكانة وعزة وقوة يبدو أن المشروع الوطني هو الأقرب للشعب وهو الحل الذي يبحث عنه العراقيون لذا فأن غياب المشروع الوطني عن الساحة العراقية يمنح الفساد والطائفية وأحزابهما الفرصة الذهبية للهيمنة الإنتخابية وإستخدام الوسائل الديمقراطية في السيطرة على السلطة في العراق وفرض إرادتهم الفاسدة والمجرمة على عموم الشعب العراقي وإضعاف المشروع الوطني وترسيخ وتقوية الفكر الطائفي والمكوناتي وتاصيل الفساد!!!. وحلم الطائفيون أن ينفردوا في الحكم والسيطرة على العراق وثرواته!
ومن تبسيط الهدف الوطني وإستعمال اللغة الجماهيرية الواقعية التي لا يختلف عليها أحد إلى تبسيط القاعدة الإنتخابية الوطنية القائمة على أن (المرشح الوطني للأنتخابات) يمتاز بخصلتين لا ثالث لهما هما "القوة" في الحق وعدم الإنبطاح أمام عصابات الجريمة والمليشيات والسلاح المنفلت الذي يبسط نفوذه في العراق بعيداً عن القانون والشرع والعرف. والأمر الثاني "الأمانة"في تحقيق العدالة وتطبيق القانون بلا تفريق ولا تمييز والأمانة في تحقيق وتقديم مصلحة العراق و العراقيين.
لابد من عدم ترك الساحة السياسية العراقية للفسدة والفاشلين والمتخلفين والمجرمين القتلة ليتغلغلوا وليعيثوا في الارض الفساد ويصفوا المشروع الوطني ورجاله المخلصين ولكن ذلك يحتاج إلى وحدة القرار الشعبي بكل مكونات العراق دون إستثناء؛ يحتاج إلى لملمة 80% من الشعب العراقي الرافض لكل مخرجات العملية السياسية الحالية التي اورثته الفقر والعوز وإنعدام الحاجات الأساسية للمواطن (من غذاء ودواء وسكن وتعليم وأمن وكرامة) والوقوف خلفهم والأحتماء بهم. ويبقى الشعب هو الأقوى وتبقى الكلمة الأخيرة للعراقيين.
وإذ الإنتخابات على الأبواب فعلى الوطنيين أن يعدو عدتهم لقابل الايام بجعل المشروع الوطني هو البديل وهو المرجى والمعول عليه من الشعب العراقي في إنقاذ الأمة وتخليصها من أحزاب الفساد والفشل والدمار