ثائر صالح
آثرت أن أترجم اسم الرباعي الوتري المجري (Pulzus) إلى النبض، فهو بالذات ما تعنيه هذه الكلمة لاتينية الأصل.
واختيار هذا الاسم مفهوم عندما ننظر إلى الأمر من ناحية الإيقاع والموسيقى، ومن ناحية العاطفة كذلك لارتباط النبض بالقلب، وبالحياة. تأسس الرباعي سنة 1999 بمبادرة من قصي مهدي، نجل الفنان عازف التشيلو والمربي الباحث الراحل حسين قدوري (1934 - 2005)، وهو عازف تشيلو بارع درس في مدرسة الموسيقى والباليه ثم أكمل دراساته العليا في جامعة فرانس ليست المرموقة في بودابست حيث استقر. عمل لفترة في اوركسترا الراديو المجري قبل أن ينظم إلى فرقة بودابست الإحتفالية سنة 2008 وهي بين أفضل الفرق العالمية اليوم. كان ينشط في تشكيلات موسيقى الحجرة، مثل رباعي النبض وفرقة بودابست للتشيلو وهو ضيف دائم في اسبوع باخ في بودابست مع زوجته عازفة الهاربسيكورد. واسبوع باخ هو نشاط بدأ منذ ثلاثة عقود تقريباً ينظم في حزيران من كل عام. يعمل قصي استاذاً لمادة التشيلو في كونسرفاتوار مدينة جور المجرية منذ سنوات، ويهوى الرسم والفنون التشكيلية في أوقات الفراغ.
أقيم الحفل في قاعة المرايا، وهي صالة جميلة من صالات قصر فَشْتَتِيچ في مركز بودابست ويقع خلف المتحف الوطني (بُني القصر في ستينات القرن التاسع عشر). تميزت تلك الأمسية بالتوضيحات المسهبة التي قدمتها عازفة الكمان الأول أستر بدو لَشتاك على الأعمال التي قدمها الرباعي الوتري، مما ساعد الحضور على التفاعل مع الموسيقى بشكل أفضل. فقد شرحت بوضوح الفارق بين استعمال تردد العصر الكلاسيكي وهو 432 هرتس لنغمة لا، ومقارنته بالتردد القياسي المعاصر والذي ثُبّت رسمياً بالتقييس العالمي (أيزو ISO 16) على 440 هرتس، مع ذلك تستعمل أشهر الفرق العلمية تردد 442 أو 443 هرتس. تطرقت كذلك إلى الفارق بين أدوات العصر الكلاسيكي والعصور اللاحقة، بالخصوص استعمال أوتار معدنية بدل الأوتار المصنوعة من الأمعاء، فالأولى تعطي صوتاً برّاقاً حاداً يملأ الفراغ في القاعات التي أخذت تتوسع وتكبر بمرور الوقت وازدياد أعداد الفئات الوسطى التي تود سماع الموسيقى، أما أوتار المصارين فصوتها خافت لكن دافئ وحميم يتناسب مع صالونات النبلاء وقاعات قصورهم. الفارق الآخر هو في اختلاف شكل القوس وطوله، وقدمت مثالاً معروفا باستعمال كمان كلاسيكي وآخر حديث تسبب في مفاجأة الحاضرين لشدة الفرق بين الصوتين. كما تحدثت أستر بدو لَشتاك قبل كل عمل عن خصائصه ونقاطه المهمة، وعن التحولات المقامية (السلّمية modulations) المثيرة التي حفلت بالمفاجآت لبعدها عن النمطية التي تفترضها العلاقة الطبيعية المعروفة بين السلالم كما تصفها دائرة الخامسات.
بدأ الحفل بتقديم ديڤرتيمنتو موتسارت (كوخل 137) الذي ألفه وهو يافع سنة 1772، والديڤرتيمنتو هو شكل موسيقي خفيف للترفيه يتألف من عدة حركات لعدد قليل من الأدوات (رباعي خماسي الخ أو اوركسترا صغيرة). تبعته رباعية هايدن رقم 6 من مجموعة رقم 76 التي أُلفت في 1797 أو 1798 وأهداها للكونت المجري أندرودي، وأخيرا رباعية موتسارت رقم 18 (عمل رقم KV 464) وهي من رباعياته المتأخرة (1785)، وقد عزفها سوية مع هايدن الذي أبدى إعجابه بها.