TOP

جريدة المدى > عام > عن الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني

عن الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني

نشر في: 16 ديسمبر, 2023: 09:19 م

صدوق نورالدين

1

يحق القول بكل موضوعية، أن الشاعر والمترجم العراقي فاضل السلطاني في مؤلفه الموسوم ب "الأرض اليباب" وتناصها مع التراث الإنساني(دار المدى/2020)،

قد أبان عن كفاءة واقتدار فكري أدبي، كما ثقافة موسوعية وإلمام بالتراث الأدبي العالمي. وهو ما يجعل من مؤلفه إضافة، إلى التمثيل عن نموذج في الترجمة وإعادة الترجمة يستحق تأهيله لأن يعتمد في التدريس المرتبط بالترجمات الأدبية، سواء على مستوى تقويم وتصويب الأخطاء، أو المقارنة بين الترجمات المتحققة سابقا.

وإذا كانت "الأرض اليباب" ملحمة القرن العشرين كما ورد في تقديم المؤلف، فذلك يجسد الدافع الرئيس للاختيار من ناحية، والإضافة كما سلف. ذلك أن التصور الذي يتم الصدور عنه، إعادة النظر في منجزات ترجمية سابقة ليس بهدف نقضها ونقدها وحسب، بل تجديد الرؤية إلى نص عالمي شكل حسب بول ريكور مثال الأعمال العظيمة التي تظل في حاجة لتجديد ترجمتها، خاصة وأن أية إعادة في هذا السياق إحياء وبعث للنص، وبالتالي التذكير بكون النصوص العالمية تكتسب فرادة ديمومتها انطلاقا من إعادة ترجمتها. فكل ترجمة بمثابة جدة، كما الدعوة المفتوحة لتلق جديد، وكأن باعتماد الترجمة يكتب النص كتابة مغايرة في سياق كذلك، وزمن آخر. يقول الناقد السوري خلدون الشمعة في تقديمه الموسوم ب:" الأرض اليباب على محك الداروينية":

" فلاشك عندي أنه يمكن القول إن الترجمة كالكتابة تظل فنا يرمز بلا تردد، إلى رمزية الحكاية، رمزية لحمتها الرونق وسداتها الحساسية اللغوية." (ص/6)

على أن الإعادة القصدية لا تتم اعتباطا، وإنما بالاحتكام لمرجعيات شكلت نواة التأليف وتجديد الترجمة. وأرى إلى أن أول هذه المرجعيات التي قدحت التفكير، ما أقدم عليه مترجمون سابقون منذ الستينيات، واستلزم المقارنة. وهي عملية ليست باليسيرة، إذ تقتضي إلى القراءة _ كما سلف_ الموسوعية الثقافية الشاملة. فالقارئ في هذه الحالة يفيد من الترجمة الجديدة، وعلى السواء من ثقافة الترجمة. الثقافة التي يستدعيها الظرف وسياق إنتاج المعنى في النص. وأرى من ناحية ثانية، أن الحساسية الشعرية التي يتفرد بها الشاعر فاضل السلطاني كما تنم عن ذلك قصائده، بمثابة العامل المضاعف الذي يضفي على الترجمة قوتها الأدبية. يرد في تقديم خلدون الشمعة:

" لاشك عندي أن سجال فاضل السلطاني مع التناص، وإلماعات الأرض اليباب، سجال مثير للإعجاب. كما أنه يدل من حيث اكتماله على سيطرة معرفية متميزة على جل ما يتصل بإليوت ونظريته في التراث. فهو يناقش بدءا من مرجعية النص الإليوتي ست ترجمات عربية للأرض اليباب: "لويس عوض وأدونيس ويوسف الخال وعبد الواحد لؤلؤة وماهر شفيق فريد وتوفيق صايغ." " (ص/8)

2

هندس فاضل سلطاني كتابه/ترجمته بإخضاعه لترتيب أستهل بمقدمتين، إلى الترجمة الجديدة المقترحة لنص إليوت والمذيلة بتوضيحات وتفسيرات وشروحات ضافية، أسهمت في إغناء وإثراء الترجمة، علما بأن بنية القصيدة تتوزع

على خمسة مقاطع متفاوتة الطول هي على التوالي: دفن الموتى، لعبة الشطرنج، موعظة النار، الموت بالماء وماذا قال الرعد. ولعل من الملاحظات الثاقبة عن استهلال القصيدة، كونه يرتبط ب"نيسان" (أبريل). وهو المفتتح ذاته المعتمد في بداية رواية جورج أورويل (1984). يرى خلدون الشمعة:

"فإذا كانت ملحمة إليوت ترصد في مستهلها "نيسان أقسى الشهور"، فإن الجملة الأولى من رواية أورويل تبدأ على نحو مواز برصد شهر نيسان: " كان يوما باردا في نيسان، وكانت الساعات تدق الثالثة عشرة." (ص/8)

وهي الملاحظات التي سيوسعها الشاعر فاضل السلطاني بالإشارة إلى إبداعات أخرى اختطت المنحى ذاته. كمثال ما جاء به الشاعر "تشوستر" و الروائي "ديفيد كوبرفيلد". ومثلما تحققت الترجمة الجديدة ل"الأرض اليباب"، تمت في الفصل الثاني _ إذا حق _ ترجمة هوامش إليوت المتميزة بالتعدد والتنوع، حيث _ في تصوري _ يصعب تلقي النص دون الوقوف عليها مادامت تكشف ثقافة إليوت الموسوعية التي أسهم في توظيفها بكفاءة ومهارة، مما أضفى على النص ثراء من حيث المعنى _ كما مر _ وبالتالي جعل الاهتداء لهذا المعنى قرين المعرفة بهذه المرجعيات التي تستدعي المقارنة والتأويل الموضوعي السليم. ألم يقل إليوت:

"الشاعر الجيد هو من يعرف كيف يسرق، أما الشاعر الرديء فهو الذي يقلد." (ص/15)

وأفرد المؤلف فصلان عكسا كفاءته الثقافية وقدراته في/ وعلى الإحاطة الشاملة بالنص وترجمته له، فأقدم في أحدهما على تثبيت شرح عام لمضمون القصيدة بناء على المقاطع المشكلة لها، وفي ثانيهما وقف بالرصد الدقيق على الأخطاء والمزالق التي سقطت فيها الترجمات السابقة وهي كثيرة جدا. وختم السلطاني الكتاب/ الترجمة بإيراد نبذة تاريخية عن السياقات التاريخية _ إذا حق _ لكتابة القصيدة، حيث ترجمها عن كتاب "قصائد تي. أس. إليوت" لكريستوفر ريكس وجيمس ماكيو. ومن ضمن ما ورد فيها:

"نشرت "الأرض اليباب" للمرة الأولى من دون هوامش إليوت، في شهر اكتوبر/ عام 1922 في مجلة "كرايتريون" الأميركية. وأعيد نشرها في مجلة "دايل"، الأميركية أيضا، في نوفمبر 1922. ثم نشرتها منفصلة دار نشر "بوني" و"ليفرايت" في نيويورك مع هوامش إليوت، في الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول/ 1922(ألف نسخة فقط)" (ص/109)

وذلك بالإضافة في نهاية الكتاب/ الترجمة، إلى تأثيرات وتضمينات طالت الأجزاء الخمسة للقصيدة.

3

و يمكن القول بأن من السقطات التي وقع فيها المترجمون المذكورون ما يرتبط بالعنوان، وهو مستوى أول أثار اختلافات متعددة ومتباينة حسمها فاضل السلطاني بالقول:

" ماعدا د. عبد الواحد لؤلؤة، يوسف اليوسف، اللذين ترجم العنوان ب"الأرض اليباب"، اختار المترجمون الأربعة عنوان "الأرض الخراب". لكن صفة اليباب لأرض إليوت، هي الأدق. صحيح أن كلمة اليباب تعني في القاموس العربي الخراب، لكنها تعني أيضا اليباس. القصيدة كلها تتحدث عن أرض قاحلة، جافة حتى من قطرة ماء، فلا شيء هناك غير الصخور. والأسطورة الآرثرية التي استند إليها إليوت، تشير هي أيضا إلى الجذب والجفاف." (ص/57)

وفي مستوى ثان، ما يتعلق ببيت شعري ورد باللغة الألمانية ضمن القصيدة حيث صيغت ترجمته لدى لويس عوض على لسان رجل، بينما الأصوب كونه يرد على لسان امرأة:

" هذا البيت بالألمانية وجاء في ترجمة لويس عوض:

ما أنا بالروسي، وإنما أنا ألماني، من ليتوانيا.

بينما المتكلمة امرأة، وليس رجلا. والترجمة الصحيحة: ما أنا بروسية بل من ليتوانيا، ألمانية أصيلة.." ص/73_74)

ويصعب _ كما سلف_ إدراج نماذج أخرى، من ناحية لضيق المساحة، وأخرى لأن الوقوف عليها يستلزم إيراد الأصل الأنجليزي، ثم مقابله في الترجمة الأولى، والمقترح بما هو تصويب لخطأ في الفهم كما الصوغ السليم.

4

تبقى الإشارة _ وكما ورد في التقديم _ إلى كون هذا الكتاب /الترجمة، الدلالة القوية عن جهد إضافة، وثقافة موسوعية تجسدت في الحفريات التي أقدم عليها الشاعر فاضل السلطاني، ومست التراث العالمي برمته./.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

(سنكون عاصفة) و(على مائدة الذئاب): روايتان مؤثرتان عن فشل الحلم الأمريكي

موسيقى الاحد: قرن ونصف على تأسيس أكاديمية

من منسيات النقد الأدبي في العراق

مقالات ذات صلة

مسرحية
عام

مسرحية "المحطّة"، نقد متأخّر

أحمد القاسمي في مقابلة صحفية أُجرِيَت معه بعد سقوط نظام البعث سُئل الملحّن العراقي كوكب حمزة في عن رأيه بالموسيقى العراقية في عقد الثمانينات، فأجاب أن أغنية "زعلان الأسمر" لعارف محسن هي رمز لأغاني...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram