شخصية التقينا بها ليس لأبداعها المتنوع فقط بل من اجل أن نبرهن لبعض الساسة الجدد، كيف كان نسيج المكون العراقي سواء في جنوبه أو شرقه أو شماله أو غربه؟ ففي الماضي الجميل كانت الهوية العراقية فوق الهويات الفرعية التي يحكمون ويتبجحون بها الآن.
رجل مسلم، شيعي، سني، آشوري، عربي، كردي، تركماني، شاعر، قاص، مسرحي، إعلامي... تعددت الأنساب والألقاب والرجل واحد. انه مسؤول الإعلام المركزي في قاطع بهدنان أيام النضال ضد الطاغية، الشيوعي العراقي داوود أمين الذي التقته (المدى) في بغداد، مؤكدا لها أن التاريخ لو أعاد نفسه لما سلك غير ذلك الدرب رغم التضحيات التي قدمها والخسارات التي عاشها، راويا للمدى قصة الوالد القس الآشوري الذي تزوج من والدته الجنوبية، وقصته مع الشعر والمسرح، وحكاياته مع الأنصار في الجبل، وكيف زغردت شقيقته "سحر" وهي تلف على رقبتها حبال مشنقة البعث المجرم، وشقيقته الأخرى المناضلة "موناليزا" المعروفة بـ"أنسام" وهي تتلقى الرصاص في سوح مقارعة الطغيان والظلم.. وحكايات أخرى ظلمها الإعلام ولم يسلط الضوء عليها على الرغم من كونها موضع فخر لكل عراقي من حقه أن يتباهى ويباهي الدنيا بها.
من التنومة إلى الناصرية
* من هو داوود أمين؟
- قبل أن أقول من هو داوود بودي أن أقدم شكري الكبير لمؤسسة المدى، وأعد هذا الحوار شيئاً مميزا واستثنائيا، يعني لي الكثير وأنا مسرور جدا بهذا الحوار، وأتمنى أن أكون عند حسن ظن المدى ومتابعيها.
داوود أمين، عراقي ولد في أصيل عشرين حزيران عام 1948 في مدينة التنومة بمحافظة البصرة، وكان والدي في حينها مع الجيش العراقي في فلسطين، في شباط عام 1951، تسرّح من الجيش العراقي لأسباب صحية، وفي العام نفسه انتقلنا إلى محافظة الناصرية، وما دفعنا إلى ذلك هو سكن عائلة جدي لأمي فيها، وعشت حياتي حتى بلوغي سن الثلاثين في الناصرية، دخلت الابتدائية عام 1953، وتخرجت من الابتدائية ثم المتوسطة وبعد ذلك دار المعلمين وتخرجت كمعلم.
القس الذي أصبح مسلماً
* قصة الوالد القس الذي اسلم كلنا شوق لمعرفة مبرراتها؟
- ولدت في أسرة ديمقراطية، والناصرية بطبيعتها هي ديمقراطية ومزاج أهلها مزاج معارض، وعند حصول ثورة 14 تموز كان من الطبيعي لخلفية توجهاتهم أن أرى جدتي لامي وأمي في رابطة يسارية، وأخوالي شيوعيين، ووالدي عضو الهيئة الإدارية لجمعية الصداقة السوفيتية العراقية، فجدتي كانت مسؤولة المحلة في الرابطة، ففي هذا الجو نشأت وبه ترعرعت.
الوالد من عائلة آشورية دينية، ودرس اللاهوت ليتخرج قسا لكنه سرعان ما تمرد لأسباب لا أتذكرها بالضبط، لكن ما أتذكره قال لي مرة: كنت اسألهم في الدراسة عن وجود الخالق ولم أجد أجوبة مقنعة، والحقيقة هي حتى مع انتقاله للإسلام لم يكن متدينا، ونادرا ما أراه يصلي أو يذهب للجامع.
(شيحا الشطراوية) أساس العائلة
* ألا تحدثنا عن التركيبة القومية والمذهبية للعائلة وتأثيرها في تكوين شخصيتك؟
- الحقيقة أن تلك التركيبة لا أنكر بأنها لعبت دورا مهما في نسج خيوط شخصيات العائلة، وليس شخصيتي فحسب، وإذا كنا نتحدث بإنصاف يجب أن نتذكر أساس هذا التكوين، وهو جدة أمي المرأة العِبْودية – بكسر العين - الشطراوية العربية (شيحا) التي تزوجت بتركماني يعمل كأحد جباة الدولة العثمانية في العراق، وأنجبت منه جدتي ولكونها عربية وزوجها تركماني، لم يكن هناك حاجز بتزويج جدتي برجل كردي من محافظة السليمانية، وعاشا معا في مدينة الناصرية وتوفي هناك ودفن بالنجف الأشرف على الرغم من كونه على المذهب السني.
تحت التهديد دفن بالنجف!
ولم يترك مذهبه أبداً وكان مواظبا على أداء الصلاة في جامع للإخوة السنة، ودفن بالنجف الأشرف، بناءً على رغبة جدتي التي هددته بعدم زيارة قبره إذا لم يدفن هناك، وحتى مماته كانت عربيته ركيكة واسمه محمد احمد محمود وبقي طيلة حياته يرتدي السدارة الفيصلية.
المهم رزقوا بأولاد وبنات ومنهم والدتي، علما أن والدتي تزوجت بوالدي الآشوري (امين) بعمر 14 سنة، فمثلا فرق السن أنا ووالدتي 16 سنة فقط.
*كيف اقتنع جدك وهو الكردي الملتزم دينيا بزواج ابنته من أمين الآشوري؟
- كانا والدي وجدي عسكريين في الجيش العراقي، ووالدي كما ذكرت لك رجل يثير الانتباه لثقافته وفصاحته وحسن سلوكه وسيرته بين أقرانه، فضلا عن كون والدي في تلك الفترة قد أعلن إسلامه، فكان مثار الجميع، وهناك أمر آخر ومهم يجب أن نتحدث عنه هو انه في تلك الفترة مثل تلك الزيجات تبدو طبيعية جدا، زواج المسلم من يهودية أسلمت أو عربي من كردية، وشيعي من سنية وبالعكس، ومع ذلك كان جدي لديه بعض الشكوك بشان إسلام والدي، وهذا ما دعاه لأن يذهب معه للحمام الرجالي ليتأكد من ختانه كما قيل لي - قالها وهو يضحك - المهم تحقق ذلك الزواج لتولد هذه العائلة عراقية تضم اغلب مكونات هذا الوطن الجميل.
مع فوزي القاوقجي
ووالدي عام 1936 كان من ضمن 100 فدائي شارك ضد الصهاينة في ثورة الحسين مع الضابط السوري فوزي القاوقجي، وهذا الأمر حدث بعد إسلامه بأربع سنوات لكونه اسلم عام 1932، وأسباب إعلان إسلامه كما اعتقد هو لارتباطه بعائلة جنابية الأصل في منطقة المسيب، وقد وقع بحب فتاة من تلك العائلة واسلم من اجلها، وللأسف في ليلة الزفاف توفيت الحبيبة وهذا ما شكل لديه صدمة كبيرة.
الموناليزا في الناصرية
* اشعر من خلال حديثك بأن تأثير الأب كان أكبر من تأثير الأم في العائلة؟
- بالتأكيد، وكان جو القراءة والاطلاع هو السائد داخل البيت، كنا أنا وشقيقتي الموناليزا - تصور هذا الاسم في الناصرية عام 1951- مشغوفين بالقراءة وكأننا نتسابق في المطالعة، وكانت في البيت مكتبة كبيرة لوالد نهم القراءة ومثقف ويجيد ست لغات وأم بسيطة إذا ما قورنت بثقافة واطلاعات والدي.
أما الأم فبحكم الفارق العمري والثقافي بينها وبين والدي الذي يكبرها بعشرين عاماً، تولد لديها شعور بالغبن، لكونها حرمت من الدراسة، وهذه القضية بقيت شرخا مؤلما في حياتها فأرادت التعويض من خلال ممارسة التمريض والخياطة، وحين فتحت مراكز محو الأمية دخلتها ووصلت إلى الصف السادس ، واستطاعت أن تكسب العديد من الرفيقات في ذلك الوقت لصفوف الحزب، وحين تركنا الناصرية بسبب مطاردات الأمن الصدامي ، قامت بالمجيء إلى بغداد وتنقلت ما بين (18) دارا في مناطق مختلفة مارست خلالها العديد من أعمال البيع والشراء في سوق مريدي وغيره.
زغاريد سحر على المشنقة
* هل كانت تعيش وحدها أم بقي معها احد من العائلة؟
- بقيتْ معها ابنتي روزا وشقيقي جمال الذي كان عسكريا، وشقيقتاي سحر وانتصار اللتان كانتا ضمن التنظيم السري للحزب الشيوعي العراقي، وبينما كانت والدتي تبيع وتشتري، كانت سحر وزوجها في بيت سري داخل الناصرية، ولكن طوق البيت ودوهم وحدثت مواجهة بينهم وبين قوات الأمن البعثية واستطاعا أن يقتلا اثنين من الأمن، زوجها قام بالانتحار بعد أن رفض تسليم نفسه ، وهي أصيبت برصاصة وتم اعتقالها وهي حامل، وولدت داخل السجن، ثم حكم عليها بالإعدام من قبل السلطة البعثية الغاشمة، وأثناء التنفيذ زغردت على المشنقة ورفضت ارتدا غطاء الوجه أثناء الإعدام، والقصة طويلة وهناك كراس مطبوع عن المناضلة سحر أمين.
الرادود (جبار ونيسه)!
* لنتحدث عن بدايات داوود مع الحزب؟
- أنا في فترة وجودي بمعهد المعلمين انخرطت مع التنظيمات الطلابية، وحافزي في ذلك بيئة العائلة وأجواؤها الديمقراطية والثقافية، وتحديدا عام 1967، تولد لدي ميل للقيادة المركزية بسبب وجود عزيز الحاج وظاهرة الكفاح المسلح، وشاركني في ذلك العديد من المثقفين منهم الشاعر كاظم الركابي وجبار العبودي وعباس جولان ومحسن الخفاجي وفاضل السعيدي وجميعنا محسوبون على القيادة المركزية، وطبيعة أهل الناصرية بصورة عامة كانت تميل لذلك الاتجاه، حتى أيام عاشوراء كنا نستغل مواكب العزاء بطرح الأشعار الثورية، وأتذكر جيدا موكب عزاء (المجارية) لصاحبه حجي فرهود واغلب أولاده شيوعيون، وكان رادود العزاء المطرب الكبير (جبار ونيسه)، فكانت المواكب ممتعة وحماسية ومن الأهازيج التي كنا نرددها "انظر طالع التاريخ منظوم... عنوان الظلم يا شعب ميدوم... جم ريس اجه وشفناه.. وابن زياد طالعناه... عنوان الظلم يا شعب ميدوم"، وأتذكر حينها طوقت القوات الأمنية موقع العزاء واعتقلوا كاظم فرهود، فأنا إذا انحسبت على القيادة المركزية يمكن ان أسجل انتمائي في عام 1969، لكن انتقالي للحزب هو في عام 1971 .
داخل حسن وحسين نعمة
* ما مدى تأثير محلة الجامع الكبير والبيئة التي عشتها في تكوين شخصية داوود الأدبية والفنية؟
- أنا نشأت في الشارع نفسه الذي عاش فيه الفنان الكبير داخل حسن، وكذلك المطرب حسين نعمة وعائلة شناوه الشيوعية، وعضو القيادة المركزية عقيل حبش جارنا أيضا، وتقريبا اغلب سكنة محلة الجامع الكبير من الشيوعيين، وأنا في بداياتي كنت أميل للأدب وكتابة الإنشاء، وأتذكر كان لدينا في الابتدائية معلم اسمه (ستار طاهر) يخرجني أنا وتلميذ آخر اسمه (عدنان زناد) أمام التلاميذ ويقول لنا ستصبحان شيئاً في عالم الأدب لكوننا متميزين في اللغة العربية، ولكني لا أنكر بأنني أنهيت دراستي الابتدائية بثماني سنوات، لكوني لا اهتم بالمنهج الدراسي وكنت اذهب للمكتبة لقراءة القصص التي كنت مولعا بها، وكانت مسؤولة قسم الأطفال في المكتبة المركزية بالناصرية الست نورية شقيقة الكاتب والإعلامي معاذ عبد الرحيم.
تنبؤات قيس لفته مراد
رحلتي مع الشعر بدأت عام 1962، عندما انتقلنا إلى منطقة جديدة وهي محلة الإسكان، وهذه المحلة ضمت خليطا متنوعا من جميع مناطق الناصرية، وفيها عدد من المثقفين والشعراء اذكر منهم الشاعر قيس لفته مراد وكان صديقا لوالدي، واذكر مرة كتبت نصا أدبيا يبدأ بـ(أيا ليتني)، فاطلع عليها قيس وكتب لي على غلاف داخلي لكتاب صغير صادر عن دار الهلال لمحمد عبده (إني أنظر عبر الغيب فأرى ما لا يراه الآخرون، بان غدك سيكون سعيدا حقا، وانك ستكون يوما ما كاتبا أو شاعرا) وشخصا آخر اسمه جاسم محمد أمين كتب شيئاً يماثل ما كتبه قيس، وكان عمري حينها 14 عاماً تقريبا، ومثل هذا الكلام كان محفزا وداعما للتعلق بما تحب، فتملكني الشعر منذ البداية، فتفرغت لقراءة الشعر من الجاهلي إلى السياب، فضلا عن ميلي للملاحم والأساطير كألف ليلة وليلة ، ومن خلال تلك المطالعة قمت بكتابة الشعر العمودي.
بقصائدي تزوج الكثيرون
* القراءة فقط أم أن هناك امرأة أججت كوامن الشعر؟
- أبداً، فأنا بطبيعتي خجول جدا ولم ارفع عيني على بنات الجيران، أو تحرشت بامرأة طيلة أيام حياتي، وتلك المحددات الاجتماعية كنت مؤمنا بها وأتفاخر بالتزامي بتلك السلوكيات والتقاليد الرائعة، واعترف أمامكم بأنه لم تكن لي حبيبة قط، علما أن الكثير من أصدقائي تزوجوا برسائلي وقصائدي التي اكتبها لحبيباتهم، وأنا لم انعم بتلك النعمة، وقد يكون هذا الحرمان هو ما دفعني لعشق قصائد أبي نؤاس التي ترفل بالجرأة والتحدي ومحاكاة المسكوت عنه، فأصبحت مشابها له بالشعرية وليس بالسلوك مثلا:
ارمي العباءة وأسفرِ.... ومن الثياب تحرري
فالنهد مكشوف أحب.... إليّ من أن يسترِ
وغيرها من القصائد الإباحية الأخرى، التي اعتبرها في ذلك الوقت هي إفرازات المحرومية التي عشتها بعيدا عن المرأة، والدليل أن أول امرأة قمت بتقبيلها في حياتي هي زوجتي أم نهران، وذكرت معاناتي تلك بقصيدة أسميتها الحقيقة.
السياب وحسب الشيخ جعفر
* هل بقيت مواكباً للشعر العمودي، أم أنك انتقلت الى جنس شعري آخر؟
- نعم انتقلت للشعر الحر بسبب تأثري وتعلقي بالشاعر الكبير بدر شاكر السياب، فقد هزني هذا العملاق ليس بشعره فقط، ولكن حتى بالحياة التي عاشها، وأول ما كتبت في الشعر الحر قصيدة بعنوان (كبش الفداء)، وهذه القصيدة نشرت في 25 تموز عام 1968 في جريدة (كل شيء) الأسبوعية، بعدها تأثرت بالشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر وتحديداً بقصائده المدورة، وكتبت في حينها قصيدتي المدورة (أبحت دمي)، بعدها كتبت (كوستا والشمس) وغيرها من القصائد.
* تعمل الآن في الدانمارك كاتباً متخصصاً بقصص الأطفال فما هي أهم مجاميعك القصصية؟
- أنا الآن اعمل موظفاً بالدنمارك، ومتفرغ لكتابة قصص الأطفال، واعمل هناك وكذلك زوجتي منذ (19) عاما. وكان باستطاعتي ان احصل على الجنسية الدنماركية ولكني رفضت ذلك اعتزازا بجنسيتي العراقية التي افتخر بها، وأنا الآن سوف أناقش أطروحتي لشهادة الماجستير التي هي عن إعلام الحزب الشيوعي في فترة الكفاح المسلح، ولدي قصص مطبوعة مثل (اغتراب نخلة) و(إضراب ديك)، وعندي أيضا (زهرة وقمر) ورسوماتها للفنانة عفيفة لعيبي صدرت عام 1984، و(شيخوخة زورق) أيضا عام 1984 وهذه جميعها ستترجم للكردية والدانماركية، فضلا عن العربية.
11 شيوعياً في العائلة
* داوود أمين هل يتولد لديه أحيانا شعور بأنه ظلم إعلاميا، ولم يسلط عليه الضوء، كشاعر أو مسرحي أو قاص وحتى مناضل شيوعي؟
- هناك العديد من الأسماء هي من تبحث عن الإعلام والظهور تحت الأضواء، لكني ولأسباب اجهلها لم تكن هذه القضية تهمني كثيرا، ومع ذلك أنا في مدينتي الناصرية معروف جدا كسياسي ومسرحي، لأني من الخط الأول في المسرح، ومن جيل بهجت الجبوري، وعبد المطلب السنيد وكنت متربعا على ادوار البطولة بالعديد من المسرحيات، وأنا في عام 1958، اعتليت خشبة المسرح المدرسي، وطلب مني المرحوم عزيز عبد الصاحب أن امثل دورا باللغة الانكليزية في مسرحية (الغريب)، وكنت البطل في مسرحية (المسيح يصلب من جديد) مع الفنانة إيمان خضر وكاظم العبودي وحازم ناجي والفنان التشكيلي كاظم إبراهيم وشاركت في مهرجان المسرح بمحافظة البصرة بمسرحية (الستربريز) مع صالح البدري وأخذنا الجائزة الأولى على المنطقة الجنوبية وحصلت على لقب أفضل ثاني ممثل في مسرحية المغني، وكذلك نجحت في أعمالي المسرحية مع حسين نعمة، وكاظم الركابي، وحسين السلمان فضلاً عن ان عملي الحزبي اخذ مني الكثير، فممثلا كنت أخطط أن يطبع ديواني الشعري الأول عام 1975، ولكن الى الان لم يتحقق ذلك الحلم لانغماسي بالعمل الحزبي، لذا تجدني أشرفت على العديد من الهيئات الحزبية في المحافظة وكنت سكرتير الشبيبة فيها، ومثلتها في برلين، فانا معروف في مدينتي كسياسي ومسرحي أكثر من أي شيء آخر، ونحن عائلة مكونة من(11) فرداً جميعهم شيوعيون ومن الكادر المتقدم بالحزب.
اجتماع طوله 10 سنوات
* نريد أن تحدثنا عن فترة تواجدك مع الأنصار في جبال كردستان، ومتى بدأت، وما الذي يحمله أرشيف الذاكرة من حكايات الأنصار؟
- انتقلت للجبل عام 1980 وبقيت هناك حتى أيلول عام 1989، وتلك التجربة هي من اعز محطات حياتي،وأنا دائما أقول وأصف تلك الفترة حين اسأل عنها بأني كنت مع الأنصار في اجتماع حزبي طوله عشر سنوات، نعم كنت في الأنصار من الكادر المتقدم في الحزب، لكني بطبيعتي إنسان شعبي، لذا تجدني ومن الأيام الأولى لوصولي هناك، التحقت بمفرزة مقاتلة، وساهمت بالعديد من المعارك، وبتواجدي في المفرزة المقاتلة كنت مسؤول العمل الأيديولوجي فيها أيضا، وقمنا بإصدار مجلة دفترية اسمها (المفرزة 47).
المسؤول الإعلامي لقاطع بهدنان
* طبيعة الحياة على الجبل بالتأكيد محفوفة بالمخاطر والتحديات والروتين اليومي، وكيف استطاعت مزاجية الشاعر أن تتأقلم مع تلك الأجواء؟
- كنا في الليل نذهب على شكل مجاميع مؤلفة من 2 – 3 أفراد للقرى الكردية الموجودة، وتستقبلنا العوائل ليس كضيوف وإنما كأفراد منهم، ويوفرون لنا الطعام والدفء ثم يجهزونا بالشاي والسكر وما نحتاج اليه من أكل كبيض أو جبن او برغل وقبل بزوغ الفجر نترك القرية ونذهب للجبل، وفي الصباح يشحن قلوبنا بالحياة صوت فيروز، وللعلم أن جميع المفارز المقاتلة لا يوجد لها مقر ثابت، مقرها ودار استراحتها هي تلك العوائل ومحبتهم، فتجدنا إما بالكهوف أو تحت الأشجار فالحياة كانت بدائية جدا، ومع ذلك كنا نعمل مسرحيات ومحاضرات على الرغم من تلك الظروف الصعبة، وعملنا نشرات إخبارية، وكذلك لدينا إنصات لمعرفة ما يدور، أما المقرات الرئيسية فعملها شيء آخر، فلديهم أجهزة لاسلكية، وطبابة وحمايات خاصة ومشاجب، وبعد ذلك سحبت لأكون المسؤول الإعلامي لقاطع بهدنان الذي يشمل محافظتي نينوى ودهوك، وكان قاطع القيادة المركزية السياسية والعسكرية يقع في المثلث العراقي التركي الإيراني، وعندما افتتحت الإذاعة الكردستانية أصبحت مسؤول القسم العربي فيها.
مع فلك الدين كاكائي
* أسماء معروفة عملت معك في تلك الفترة؟
- كان معي الأستاذ فلك الدين كاكائي ممثلا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك رئيس برلمان الإقليم الحالي السيد بايز عزيز عن حزب الاتحاد الكردستاني، وعن حزب الشعب الذي يتزعمه سامي عبد الرحمن هناك شخص اسمه أديب، الآن هو في ألمانيا وما زلت أتواصل معه، وعندما سحبت للإعلام المركزي كان معي رضا الظاهر ومفيد الجزائري ويحيى علوان. والحقيقة تجربة الانتصار تجربة مهمة وممتعة على الرغم من الخسارات التي تعرضت لها خلال تلك الفترة، كخسارتي لشقيقتي الشهيدة الموناليزا التي استشهدت في كردستان، وهي من مواليد 1951، وكانت عضوة الرابطة العليا للمرأة العراقية مع نزيهة الدليمي وشهرتها (أنسام)، والأستاذ فخري كريم على معرفة واسعة بشجاعة وتفاني وطيبة الموناليزا، ولا أخفيك أن فقدانها من خساراتي الكبرى، وقام الأتراك بقتلها وتم دفنها في إحدى القرى التركية تسمى(موسكه)، ولم يستطع الرفاق جلب جثمانها، ومختار القرية اخبرنا بان زوجته قامت بتغسيلها ودفنها على الطريقة الإسلامية، وقال المختار انه محتفظ بأقراطها و300 دولار كانت بحوزتها وهي موجودة كأمانة متى يأتي احد من العائلة يقوم بتسلمها.
طلاقي وزواجي الثاني
* فضلاً عن وجود الشهيدة الموناليزا، هل من آخرين من العائلة كانوا في الجبل؟
- نعم كان أخي أمير الذي سبقني بالمجيء للأنصار، وكذلك أخي سمير وزوجته دانيا، وفضلا عن خسارتي للشهيدتين سحر والموناليزا، خسرت أيضا زوجتي أم نهران حيث كانت معها نهران وسوزان وتركتهم في عدن عام 1979، عندما كنت اعمل في الإعلام باليمن، وحين استقر بي الحال في كردستان بعثت لزوجتي الأولى أم نهران ورقة الطلاق برسالة وأنهيت الموضوع، بسبب كوني أوصيتها بان مهمتها هي رعاية البنات، لأني متفرغ للنضال وقد استشهد، لكنها قامت بإرسال البنات إلى مدرسة ايفانوفا وهي مدرسة في موسكو لرعاية أبناء الشهداء والمفقودين والمناضلين، وهذا الأمر صدمني تماما لذا طلقتها وما زلت ادفع ثمن تلك الجريمة التي لم تسامحني عليها ابنتي نهران إلى الآن، مع العلم أني بعد عودتي الى سوريا وعملي في الإذاعة تزوجت من امرأة سورية منحتني الكثير وكانت سندي في السراء والضراء وأم صادقة لبناتي من زواجي الأول نهران وسوزان وروزا وهي تعيش معي الآن.
الشهيد ابو اكريم
* أسماء لها وزنها ولا تفارق الذاكرة من حيث تأثيرها؟
- أسماء كثيرة وللأمانة أقولها إن الجميع كانت لهم صولات وجولات في جبال كردستان، ولكن في ذاكرتي مثلا الشهيد البطل (ابو اكريم) عامل البناء القادم من مدينة الثورة وقد كتبت عنه، وكذلك أهدى فالح عبد الجبار كتابه عن (بشت شان) له، لأنه من حافظ على مسودات ذلك الكتاب، وهناك البطل توما توماس ذلك الشجاع الذي لا يخشى احداً، ولا أنسى ما حييت بطلاً من أبطال كردستان الاقتحامي وصاحب المواقف الجريئة الرفيق (أبو أحلام) جاسم الحلفي الذي له صولات لا تعد من البطولة والإقدام، وكذلك الرفيق (أبو أحرار) والاقتحامي البطل علي العقابي، ومن الرفيقات هناك مناضلات فاقن الرجال بشجاعتهن مثل أم نصار من محافظة الديوانية وغيرها من الرفيقات البطلات.
* هل تشعر أحياناً بالندم على ما فعلت؟
- أبداً، اعتز وافتخر بحياتي النضالية على الرغم من خساراتي، ولو يعيد التاريخ نفسه لن أحيد عن الدرب الذي سرت به في سبيل وطني والمبادئ التي ضحيت من اجلها، وسأكررها لأني اشعر بمتعة كبيرة وقناعة تمنحني السعادة والراحة النفسية حين أتذكرها.
جميع التعليقات 1
أمير أمين
تحية طيبة ذكر هنا أن ميلاد الأخ داود في حزيران والصحيح هو في 20 أيار 1948 وشكراً لكم