كاظم الجماسييرد على الدوام في الادبيات الدينية الاسلامية ان ابرز سمة لشهر لمضان من بين سمات بارزة اخر سمة الطاعة، ففي هذا الشهر يكثر المسلم من العبادات عبر الصوم بأفقه العام والصلوات المضافة الى الجدول الاصلي للصلوات الواجبة اليومية، على ان يتكرس عبر تلك العبادات والصلوات مفهوم الطاعة الذي يعني فيما يعنيه اولا الاعتراف الكامل بفضل الله على خلقه على وفق التعاليم الاسلامية، ومن ثم الامتثال لاوامره التي تمثل المنظومة الخلقية الدينية لفعل الخير من وجوهه كافة.
ويرد في الآية القرآنية(واطيعوا أولي الامر منكم) حيث تعرض محمول هذه الاية لكثير من الاجتهادات، ومعظمها لم يكن سوى حزمة تبريرات لافعال ظالمة وصلت حدود الاجرام، ارتكبها الكثير من(اولي الامر) تجاه شعوبهم المظلومة، ولنا في هذا الكثير الكثير من حوادث التاريخ التي تعزز هذا الطرح وتدعمه.واجتهد فيما بعد ائمة المسلمين في فرز الدلالات التي يلدها منطوق الاية المذكورة، في معرض فرز انواع معاني الطاعة ومعنى الطاعة المقصود في كلام الرب، قال احد الائمة العظام (لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهنا يتضح المعني الانساني العميق لمفهوم الطاعة، فهي هنا ابعد ماتكون عن مفهوم العبودية الذي استنكرته ادبيات الاسلام استنكارا شديدا، ويدعم ذلك قول عمر بن الخطاب الخليفة الثاني حيث يقر بحرية الانسان منذ ولادته في قوله(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا..).والطاعة في العقيدة الاسلامية لاتعني من بعد مفهوم الطاعة العمياء، وبذلك فهي تعني فهما عميقا للواجب الديني المنوط بعاتق المؤمن الحقيقي، وللمؤمن حق السؤال فيما يوجه له من امر ينبغي عليه تنفيذه، لكي تكون طاعته رديفا لليقين، فيأتي عمله متقنا مبدعا متوائماً مع الغايات المقصودة من قبل العقيدة التي يؤمن بها.تلك بعض من معاني الطاعة في شهر الطاعة بنحو خاص ومعاني الطاعة المتعددة في العرف الاسلامي بنحو عام، وبالالتفات لما حدث بالنسبة لنا نحن العراقيون المتحررون حديثا من ربقة استبداد قاس وشديد، يجري خلط كبير في مفهوم الطاعة، سيما في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، اذ حاول ويحاول عدد لايستهان بحجمه وتأثيره من ائمة وخطباء وروزخونية، قاصدين مغرضين، او جاهلين غير مؤهلين، ومن على منابر عدة دينية، جوامع وحسينيات ومناسبات دينية مختلفة، او من على منابر اعلامية متعددة، فضائيات واذاعات وصحف، حاول اولئك تحريف المعنى الحقيقي للطاعة، فأوجبوها حين تقتضي مرامي من يمثلونهم الوجوب، وانكرها حيث اصطدامها مع مراميهم ومقاصدهم، الامر الذي تسبب في تشتيت فهم الجماهير التابعة لذلك المفهوم، مازرع افتراقات عدة بينهم، فضلا عن تكريس الجهل وتعظيمه بعض الاحيان إلى حد انجاز التعمية الكاملة في عقل التابع وضميره. والمعظلة ان جميع المنتمين الى ذلك العدد من الروزخونية، على الرغم من تضاداتهم الحادة واختلاف وتناقض مشاربهم، يتكئون، من دون اي وجه حق، وبتبريرات واهية لاتصمد امام الحجة المنطقية،يتكئون الى هوامش المنظومة الفكرية الدينية وليس متنها، او يجتزئون النص القرآني او الحديث النبوي بما يخدم طروحاتهم الشوهاء الضارة بالمجتمع وجوهر الاسلام.ان المكسب الأول والاعظم احدثه التغيير في العراق بأجماع اراء العراقيين، حيازتهم على الحرية وسيما حرية التعبير عن الرأي، ويتعرض هذا المكسب العظيم الى مؤامرة شرسة لتفريغه من محتواه، يقودها ويمعن في تنفيذها بعض الساسة العراقيين الذين لم يغادروا حتى اللحظة العبودية المتمترسة في ضمائرهم وعقولهم، توقا للاستحواذ الظالم على السلطة وما توفره لهم من مغانم خاصة، وبات على الشرائح الواعية من العراقيين فضحهم والدفاع باستماتة عن مكسبهم العظيم، والذي بذلوا من اجله انهارا من دماء الشهداء الزاكية، كما ان عليهم فضح المفاهيم المنحرفة للطاعة، وليكن شهر الطاعة، شهر رمضان الذي نعيش ايامه، مناسبة حقيقية لرفع الصوت عاليا: لا للاستعباد باسم الدين، ولا طاعة لعاص منحرف عن شرائع السماء والارض.
الطاعة في شهر الطاعة
نشر في: 25 أغسطس, 2010: 07:46 م