اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مع فتاة مثقفة

مع فتاة مثقفة

نشر في: 19 ديسمبر, 2023: 09:21 م

عبد الكريم البليخ

لم تكن مجرد فتاة جامعية مثقفة وإنما كانت أكثر من ذلك، سعة ثقافة وقوة شخصية ورغبة صادقة في فهم الحياة وزيادة المعرفة، وكانت إلى جوار تفوّقها في دراستها الجامعية تُحب الاطلاع وتهوى القراءة وتحاول كتابة القصة وتتذوق الشعر، ولم يكن اطلاعها قاصراً على العربية،

بل كانت ذات باع واسع في معرفة اللغة الإنكليزية والاطلاع على آدابها، ولذلك كله فإن الحوار معها ـ رغم فارق السنّ ـ كان يشعرني بغير قليل من المتعة والراحة في وقت عزّ علينا فيه معشر الصحافيين أن نجد بين الطلاب من أمثالها من يحسنون حتى إلقاء السؤال أو الاستماع إلى جوابه.

وكانت إذا بدأت حواراً حول موضوع تحرص على أن تحدّد هدف الحوار ولا تحب أن تقفز من موضوع إلى آخر دون أن تستوعب ما بدأته، أو دون أن يصل النقاش إلى غاية، وكانت تضجر من زملائها وزميلاتها عندما ينتقلون من موضوع إلى آخر لا صلة له به، أو عندما يطرحون أموراً تبدو لها تافهة لا تستحق مجرد الإثارة فضلاً عن المناقشة.

جاءتني يوماً تزفّ إليَّ نبأ حصولها على منحة علمية تُتيح لها أن تسافر إلى بلد من بلاد الحضارة تقضي فيها عاماً جامعياً، وكان وجهها يُنبئ عن سعادة غامرة، وهي تسألني الرأي في أمر سفرها واغترابها عن أهلها ووطنها لمثل هذه المدّة الطويلة لأوّل مرّة، وزادت سعادتها عندما وافقتها على قبول المنحة وشجعتها على السفر قائلاً إنّها إضافة ضخمة لحياتك وتجربتك وثقافتك. اذهبي وحاولي أن تحصّلي من العلم قدر ما تستطيعين، وحاولي أيضاً قبل ذلك وبعد ذلك أن تثري حياتك، وأن تعمّقي جوانبها نتيجة لاحتكاكك بأقوام آخرين، وبأنماط من السلوك والتفكير مختلفة عمّا تألفين.

وكنتُ أعرف أنّها خرجت لتوّها من تجربة فاشلة من تلك التجارب التي يمر بها الشباب في مثل سنها، ويحسّون أثناءَها أنّ الكون كله قد توقف عند تلك التجربة حتى إذا انتهت إذا بهم يفاجأون أنَّ الكون هو هو لم يتغيّر فيه شيء قط، وأن هذه التجربة لا تزيد عن أن تكون نقطة مضافة في تيار الحياة المتدفق.

وانتقل بنا الحديث إلى أن سألتني عن الحياة السعيدة، على ضوء ما مرّ بي من تجارب.. فقلت لها إنّ الحديث عن السعادة أمر يضرب بنا في غيابات بغير حدود، وأنا أعرفك، تحبين الكلام الواضح المحدّد، وما أظن أنّ الحديث عن السعادة والحياة السعيدة يمكن أن يكون حديثاً واضحاً محدداً، إذ كيف يكون الوصف واضحاً إن لم يكن الموصوف كذلك؟ ما أكثر ما اختلف الفلاسفة والمفكرون حول معنى السعادة ولا يزالون مختلفين.

أتصور أنّ الحياة الموفّقة تقوم على الاحترام المتبادل، وهو ما يجعل لكل من الطرفين قيمة في نظر صاحبه، فهي أساس صلب الحياة الموفقة، وأوشك أن أقول إنَّ هذا الشعور ضروري للاستقرار النفسي عند الفتاة أكثر منه عند الفتى.. فضلاً عن أنها تقوم على القدرة على التسامح. حياتنا لا يوجد فيها من لا يخطئ، ولا يوجد فيها الكمال، لأنها بطبيعتها محدودة وناقصة.

هذه في ما أرى دائم الحياة الموفقة، إن اجتمعت كان من نتائجها حياة رضية هنية تنتج خيراً، وإن فقدت تهدّد تلك الحياة من المخاطر، بقدر ما نفقده من العناصر الجوهرية.

ـ أما الحديث عن الحب مثله مثل الحديث عن السعادة يدخل بنا إلى الغيبيات من أوسع أبوابها.. الحب هو أعمق ما في الحياة، وأغلى ما في الحياة، وأروع ما في الحياة، وهو لذلك كله، ومن أجل ذلك كله عصي على التحديد والتعرّف. وعندما أصف الحب على هذا النحو، أعني الحب الناضج، ولا أعني تلك الضرورات التي يحس بها الشباب تثور أحياناً ثم تمور وكأنها ما كانت، وهي أمور طبيعية في حياة الشباب لا بد وأن تكون، ولكنها ليست هي الحب، وأخشى أن أقول لك إنَّ الحب نفسه ذلك الاحساس الرائع والعميق، يصعب أن يوجد ويستحيل أن يستمر بغير احترام متبادل وفهم مشترك ومقدرة على التسامح بين الحين والحين.

وثقي أنه ليس أحبُّ إلى نفسي من أن أراكِ أنتِ ولداتك تعيشين تلك الحياة المرضية الموفقة التي يفتقدها في دنيانا هذه كثيرون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram