عادل باكوان*
ترجمة: عدوية الهلالي
أصبحت عدم المساواة الاجتماعية واحدة من التحديات الرئيسية التي يواجهها العراق، فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، كانت قضية العدالة الاجتماعية من أهم القضايا خلال الاحتجاجات المختلفة، والأسباب كثيرة ومعقدة، لكن لا بد من القول إن المجتمع العراقي منقسم الآن بين طبقة عليا حيث تعيش فيها الأقلية بشكل مريح وطبقة دنيا حيث تناضل الأغلبية بشدة من أجل البقاء.وبين الاثنين، اختفت ببساطة الطبقة المتوسطة التي كانت حاضرة إلى حد كبير بين السبعينيات والتسعينيات.
وفي العراق الجديد الذي أقامه الأميركيون، تتكون هذه الأقلية المميزة أساساً من كبار المسؤولين التنفيذيين في الأحزاب السياسية وتنظيمات الميليشيات، فضلاً عن مديري الشركات التابعة لها، والنواب والوزراء الحاليين أو المتقاعدين، والعائلات التي تنتمي إلى منصب جديد من البرجوازية العليا والدنيا، والمجموعات الإعلامية المؤثرة، ومديري الشركات المتوسطة، أو الكبيرة المرتبطة بدول النظام الإقليمي (إيران، تركيا، دول الخليج) والذين لديهم إمكانية الوصول إلى السلع التي نادرًا ما تكون متاحة للسكان الأكثر حرمانًا: هؤلاء يمكنهم السكن في قرى جديدة مبنية وفقًا للنموذج الغربي، وتسجيل أولادهم في مدارس مستقلة باللغة الإنجليزية بالكامل، والاستمتاع بوجود حمامات سباحة، وملاعب، وحدائق، ومناطق ترفيهية، ومسارح ودور سينما، ووجهات مميزة لقضاء العطلات (مثل إسطنبول ولندن وواشنطن وباريس)، والسفر على درجة رجال الأعمال أو كبار الشخصيات،
وبحسب بحث أجراه المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق (CFRI)، فإن هناك 36 مليارديرا و16 ألف مليونير بين هذه البرجوازية العراقية الجديدة المنتمين إلى نخبة المجتمع. وعلى سبيل المقارنة، فإن عدد المليارديرات في العراق يعادل عدد الدول التالية مجتمعة: المجر، رومانيا، البرتغال، هولندا، الدنمارك، نيجيريا، الإمارات العربية المتحدة، الكويت ولبنان. وفي الوقت نفسه، يعاني الناس عند الطرف الأدنى من السلم الاجتماعي من شعور عميق بالإحباط والفقر المدقع والإقصاء المنهجي، كما يتبين من عدد من المؤشرات.
ووفقًا لوزير التخطيط العراقي، كان 68% من 40 مليون عراقي تحت سن 30 عامًا في حزيران عام 2021 مما يجعل العراق أحد البلدان التي لديها أصغر عدد من السكان في العالم. ومن بين هذه الفئة الاجتماعية والديموغرافية، المنخرطة بقوة في الحركة الاحتجاجية، فإن معدل البطالة مثير للقلق، ويقدره صندوق النقد الدولي بـ 40٪. 5.كما ان النساء، اللاتي أصبحن الآن حاضرات بقوة في جميع المظاهرات، يعانين أيضًا بشكل جماعي من البطالة الهيكلية: 87٪ من النساء العراقيات لا يشكلن جزءًا من السكان العاملين. وهذا هو ثاني أدنى معدل في العالم بعد اليمن، بحسب نفس تقرير صندوق النقد الدولي.
وتتأثر جميع الفئات الاجتماعية الموجودة في أسفل السلم أيضا بالفقر المدقع المرتبط بأزمة البطالة الجماعية. وبحسب وزارة التخطيط العراقية، ففي محافظة نينوى يعيش 34.50% من السكان تحت خط الفقر، وفي محافظات ذي قار وميسان والديوانية والمثنى تبلغ هذه الأرقام 40.90%، 42.30%، 44.10%. و52.50% على التوالي. ومن المحتمل ان يعيش ربع سكان العراق تحت خط الفقر في السنوات المقبلة.
ولن يتمكن الأطفال من هذه الفئات المحرومة من تحقيق سوى 40% من إمكاناتهم، مما يعكس مستوى منخفض للغاية من رأس المال البشري، متقدمين مباشرة على اليمن ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا على نطاق عالمي. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة بقيادة محمد شياع السوداني ليست مسؤولة عن الوضع المأساوي الحالي، إلا أنها مسؤولة عن إدارة إرثه. ونتيجة لذلك، أصبحت إدارة الفوارق الاجتماعية أولوية ملحة للغاية تتطلب خطة عمل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. وهذا بلا شك يمثل أحد أهم تحدياتها: اختبار لحكومة تعرف نفسها بأنها حكومة هدفها الوحيد خدمة مصالح الشعب العراقي!
· مدير المركز الفرنسي لأبحاث العراق