TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > محمد باقر السيستاني.. مرجعية عقدية

محمد باقر السيستاني.. مرجعية عقدية

نشر في: 1 يناير, 2024: 09:48 م

دور البذور الروحية للمؤلف

غالب حسن الشابندر

- 5 -

يرفض المصنّف منهج الالهامات القلبية المدّعاة في إثبات الأنباء الثلاثة، الله، النبوة، المعاد، وحتى على صعيد الكشف عن خصائص الاله ـ صفات الله ـ يرفض هذا المنهج الذي طالما يلجا إليه جماعة العرفان، فما يُطلَق عليه بـ (المشاهد القلبية والمشاعر الداخلية) لا يصلح دليلا في مجال البحث في خصائص الاله / صفاته فضلا عن وجوده، ولكن ما هو مقصودهم بـ (المشاهد القلبية)؟

يجيب المصنّف موضحا في ص 36 من الجزء الخامس من كتابه أو موسوعته بما نصُّه: ـ

(والمراد بالمشاهدات القلبية أن يجد الإنسان الله سبحانه وتعالى بقلبه وجدانا مباشرا كما يجد الاشياء المحسوسة برؤيتها).

أما المقصود بـ (المشاعر الداخلية) فهو: ـ

شعور الإنسان في داخله باستقبال الإلهام من الله تعالى أو المحادثة معه سبحانه تعالى).

وليس لأحد أن ينكر ما يخطر على القلوب من افكار وتصورات، فلا العلم ولا الدين ولا الفلسفة تنكر ذلك، ولكن المهم هنا مدى صلاحيتها على (معرفة ما وراء الطبيعة).

وفيما يسهب المصنِّف في التفريع والتشعيب في أصل الموضوع ينتهي إلى نتيجة تتصل مباشرة فيما نحن فيه، حيث ينكر هذه الصلاحية، والسبب الرئيس هنا، هو غموض هذه الإلهامات والاشراقات، فلا تصلح (لتأسيس مبدا معرفي موثوق لمجرّد الشعور بها على حدّ قيمة الإدراكات الحسيّة، بل تُعتبر حالة شخصية بحتة لا بد من التعامل معها بحذر) ص 40.

والواقع لو إن السيد المؤلف حفظه الله اقتصر على الثيمة الاخيرة لكفانا هذه الجولة المعقدة رغم غناها الفكري، أي القول من أن المشاهدات القلبية والخواطر الداخلية والالهامات الشعورية لا تصلح طريقا إسدلاليا، أو لا تصلح برهانا على القضايا العقدية والفلسفية، لسبب جامع مانع، ذلك إنها تجارب شخصية، ومن الصعوبة ترجمتها على شكل دليل علمي حتى لغة، وإذا ما حاول صاحبها ترجمتها لغة ستكون ذات اللغة في غاية التشوش والاضطراب.

ولكن المصنّف يضيف هنا معرفة جميلة في هذا المجال، حيث يشير بما معناه، إن مثل هذه المشاهد والمشاعر بما أن ميدانها النفس، وبما أن النفس ميدان غامض، تتاخم فيها المشاعر والاحاسيس والخواطر، وتتداخل وتتباعد، وذلك من حب وبغض وميل ونفرة ولذة وألم، ولأن من غرائبها التحدث إلى ذاتها وإلى ذوات تجترح بعضها وتستذكر بعضها فمن المستحيل في مثل هذا الواقع المعقَّد أن تصلح تلك الالهامات القلبية دليلا، أو أن تكتسب صفة الدليلية،، لأنها متأثرة بهذا المحيط اللجي، بهذا البحر العاصف من المشاعر والاحاسياس والخواطر، فإن الدليل / البرهان يجب أن يتسم بالوضوح والقوة والسطوع.

المؤلف كما يبدو لي لا يريد أن يظلم هذه الالهامات القلبية والمشاعر الوجدانية فنجده يعود إليها ليشترط فيما كان ولابد أن نعطيها بعض الاعتبار... يتشرط عرض نتائجها على الاصول العقلية.

يقول ما نصّه وهو يتحدث عن مدى صلاحية هذه المشاهد والالهامات دليلا / برهانا بما نصّه: ـ

(أن لا يثق من يجد هذه المشاهدات والمشاعر مجرّد شعوره بها، بل لابد من عرضها على الثوابت العقلية وما ينتج عنها...) ص 43.

ومن ثم شرط آخر في البين: ـ

يقول ما نصّه: (ثم لا بد من تواتر شواهدها وقراءتها للشخض نفسه حتى يأمن الخطأ منها). نفس الصفحة

هنا يستدرك السيّد الكريم، فكأنه لا يريد لهذه المعرفة الشخصية، التجربة القلبية، الشهودية أن تذهب أدراج الرياح، خاصَّة والمصنّف ربيب بيئة روحية وجدانية، مشبّعة بعلوم الدين والروحانية، فلا استبعد تمارس عليه ضغط الاعتراف، أو المداراة، فاستجاب لذلك من حيث يشعر أو لا يشعر لهذا الضغط، فحاول أن يعيد لها الاعتبار، ولكن بهذين الشرطين المذكورين، بعرضها على (الثوابت العقلية وما ينتج عنها) أولا، وبتواترها ثانيا، اي بالشرطين معا كما هو ظاهر عبارته الشريفة، أو يكفي في ذلك إحالة واحدة!

إنّه الحنين الى اللاشعور...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أين اختفوا؟

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

العمودالثامن: كيف ننجو؟

العمودالثامن: رواتب نواب جزر القمر

 علي حسين يستحق مجلس النواب العراقي 40 مليون برقية شكر من العراقيين، ليس فقط لأنه ساندهم ووقف إلى جانبهم وناقش قوانين تتعلق بالصناعة والتعليم والصحة ، وليس فقط لأنه يقدم لهم المتعة مجاناً...
علي حسين

قناطر: الغربُ الديمقراطي جدّا!

طالب عبد العزيز لقد عرّت الوقائعُ في غزّة جسد الغرب الديمقراطي العفن، وتكشفت فلسفة انسانه عن أنيابٍ ومخالب قذرة ودامية هذا الاستعمار البريطاني- الأوربي-الأمريكي، الذي أحسن الظنَّ به بعضُ الموهومين العرب، ممن هاجر منهم...
طالب عبد العزيز

معايير الديمقراطية والحلول المبتورة

فرات المحسن أفضل من يقيم طبيعة الديمقراطية هم أهل البلد وليس مؤسسات أو هيئات أو مقيمون من غير أهله، أي أولئك الذين يتفاعلون ويتأثرون يوميا بمجريات وقواعد السلوك الديمقراطي وإجراءاته القائمة في مؤسسات الدولة،...
فرات المحسن

التاريخ النكد: كورسك بين معركتين

د. ليث مزاحم خضير لحسن حظ الأوكرانييّن أن يتزامن احيائهم لذكرى يومهم الوطني، أو عيد استقلالهم عن الاتحاد السوفيتي -سَلف غريمهم الحالي- وهم في (شبه) أفضليّة نسبيّة على جبهات القتال، ذلك أن احتفال أوكرانيا...
د. ليث مزاحم خضير
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram