اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الوعي، المعرفة، الإدراك في عالم دانييل دينيت

الوعي، المعرفة، الإدراك في عالم دانييل دينيت

نشر في: 2 يناير, 2024: 11:44 م

1 - 3

هارفي بلوم

ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي

القسم الاول

دانييل دينيت Daniel Dennett: فيلسوف وكاتب وعالِم إدراكي أمريكي ولِد عام 1942 في مدينة بوستن بولاية ماساتشوستس الأمريكية،

وتركّز أبحاثه على فلسفة العقل وفلسفة العلم والفلسفة البيولوجية بقدر ماترتبط هذه المباحث المعرفية بالبيولوجيا التطورية والعلوم الإدراكية. يوصف دينيت في العادة بأنه واحد من جماعة (الأحصنة الأربعة) التي تضمّه مع كل من: ريتشارد دوكنز، سام هاريس، كريستوفر هيتشنز.

قضى دينيت شطراً من طفولته في بيروت - لبنان خلال الحرب العالمية الثانية حيث عمل والده عميلاً للإستخبارات المضادة في مكتب الخدمات الستراتيجية تحت غطاء الملحق الثقافي في السفارة الأمريكية بلبنان، وعندما بلغ دينيت الخامسة من عمره عادت به أمه إلى الولايات المتحدة بعد أن قضى أبوه في حادثة تحطم طائرة مجهول الأسباب، وقد كتب لاحقاً أن المرة الأولى التي تعرّف فيها على مفهوم الفلسفة حصل عندما إنضمّ إلى معسكر صيفي وهو بعمر الحادية عشرة؛ إذ قال له المسؤول الأعلى على المعسكر: " دانييل، أتعلمُ ماأنت؟ أنت فيلسوف!! ".

حصل دينيت على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة هارفرد عام 1963 حيث درسّه هناك دبليو. في. كواين W. V. Quine، ثم حصل على الدكتوراه في الفسلفة من جامعة أكسفورد تحت إشراف غلبرت رايل Gilbert Ryle. يصف دينيت نفسه بأنه شخص يميل للتعلم الذاتي autodidact؛ أو بشكل أكثر دقة يرى في نفسه المستفيد الأعظم من مئات الساعات التي قضاها في الحوارات والدراسات غير الشكلية التي إنكبّ عليها في مختلف الفروع المعرفية وعلى يد أمهر العلماء وألمعهم، الأمر الذي راق له كثيراً وأفعم روحه بالبهجة والمتعة معاً.

حصل دينيت على العديد من الجوائز، كما ألف الكثير من الكتب، نذكر منها:

- العواصف العقلية: مقالات فلسفية في العقل والسايكولوجيا، 1981

Brainstorms: Philosophical Essays on Mind and Psychology (MIT Press 1981)

- المحتوى والوعي، 1986

Content and Consciousness (Routledge & Kegan Paul Books Ltd; 2nd ed. January 1986)

- الموقف القصدي، 1996

The Intentional Stance (6th printing), Cambridge, Massachusetts: The MIT Press, 1996 (First published 1987)

- الوعي مشروحاً، 1992

Consciousness Explained (Back Bay Books 1992)

- فكرة داروين الخطيرة: التطوّر ومعاني الحياة، 1996

Darwin›s Dangerous Idea: Evolution and the Meanings of Life (Simon & Schuster; reprint edition)

- أنواع العقول: نحو فهم الوعي، 1997

Kinds of Minds: Towards an Understanding of Consciousness (Basic Books 1997)

- أطفال الدماغ: مقالات في تصميم العقول، 1998

Brainchildren: Essays on Designing Minds (Representation and Mind) (MIT Press 1998)

- الحرية ترتقي، 2003

Freedom Evolves (Viking Press 2003)

- أحلام لذيذة: معضلات فلسفية أمام علمٍ للوعي، 2005

Sweet Dreams: Philosophical Obstacles to a Science of Consciousness (MIT Press 2005)

- تحطيم التعويذة: الدين كظاهرة طبيعية، 2006

Breaking the Spell: Religion as a Natural Phenomenon (Penguin Group 2006)

- العلوم العصبية والفلسفة: الدماغ والعقل واللغة، 2007

(بالإشتراك مع ماكس بينيت، بيتر هاكر، جون سيرل)

Neuroscience and Philosophy: Brain, Mind, and Language (Columbia University Press 2007), co-authored with Max Bennett, Peter Hacker, and John Searle

- العلم والدين، 2010 (بالإشتراك مع آلفين بلاتينغا)

Science and Religion (Oxford University Press 2010), co-authored with Alvin Plantinga

- مولّدات الحدس وأدوات أخرى للتفكير، 2013

Intuition Pumps And Other Tools for Thinking (W. W. Norton, 2013)

- في عالم المُزَح: إستخدام الدعابة في عكس هندسة العقل،

2011

Inside Jokes: Using Humor to Reverse-Engineer the Mind (MIT Press، 2011)

- من البكتريا إلى باخ والعودة ثانية: تطور العقول، 2017

From Bacteria to Bach and Back: The Evolution of Minds (W. W. Norton & Company، 2017)

فيما يلي تمهيد هارفي بلوم للحوار الموسع الذي أجراه مع دانييل دينيت ونُشِر في موقع (The Atlantic Online) في 9 ديسمبر (كانون أول) 1998، وقد مهّد المحاور لحواره بملاحظات أراد منها الكشف عن طبيعة عمل دينيت وإضاءة جوانب منها وعلى نحوٍ يمهّد السبيل للقارئ في متابعة دقائق الحوار اللاحق، ويمكن للقارئ أن يلمس بأن هذه المداخلة الإستقصائية لعمل دينيت مع الحوار التالي لها لم تفقد شيئاً من حيويتها وقدرتها على إجتراح العصف الذهني المطلوب لدى القارئ (على الرغم من بعض تقادمها الزمني) لابتعادها عن الإنغمار في سياق الموضوعات الآنية أو المرحلية العابرة ولكونها تختص بواحدة من أهم الموضوعات المعاصرة التي ستظل تشغل حيزاً عظيم الأهمية في العقود القادمة من مسيرة التطور البشري؛ أعني بذلك موضوعة الفلسفة والثقافة في خضمّ تطورات الذكاء الإصطناعي والثورة المعلوماتية والرقمية التي باتت معلماً رئيسياً في القرن الحادي والعشرين.

المترجمة

عندما كنت طالباً للفلسفة منذ سنوات خلت في نهاية الستينات (من القرن العشرين) جرت العادة على تصنيف الفلسفة في مدرستين رئيسيتين: الفلسفة التحليلية، والفلسفة القارية (أي الأوربية، المترجمة). كان الفلاسفة الأوربيون، وعلى نحو نموذجي متواتر، يشيدون صروحاً ضخمة؛ في حين إعتاد نظراؤهم التحليليون تفكيك النظم الكبيرة وفحص كل مكوّن فيها بدقة وتمحيص، وقد غالى الفلاسفة الاوربيون في معتقداتهم عندما ظنوا أن الفكر قادر بمفرده على صناعة عواصف مزمجرة تطرق بوابات السماء والجحيم!! في حين بدا الفلاسفة التحليليون أكثر تحفظاً في تطلعاتهم الفكرية: إذا ماكانت الفلسفة الأوربية تتطلع حينذاك لتكون شيئاً مثل الشعر أو الموسيقى فإن الفلسفة التحليلية بدت توّاقة لتكون مثل العلم. جورج فيلهلم فريدريك هيغل - الذي رأى في كل وجه من أوجه التأريخ والسياسة والدين والفن وسيلة لكشف النقاب عن روح العالم - يمكن أن يوصف بكونه الحامل الأكبر والمميز لروح الفلسفة الأوربية، أما لودفيغ فتغنشتاين فيمكن إختياره كممثل للفلسفة التحليلية سعى بكل جهده لإفراغ الطروحات الهيغلية والطروحات المضادة لها من شحنتها المتفجرة. فتغنشتاين، في نهاية الأمر، هو الذي يُعرَفُ عنه مقولته الذائعة الصيت والتي أوردها في كتابه أطروحة منطقية - فلسفية (1921): " مالانستطيع الكلام بشأنه ينبغي أن نتجاوزه في صمت ".

العمل الخلاق الذي أنجزه الفيلسوف دانييل دينيت، الذي يشغل مركز الدراسات الإدراكية في جامعة تافتس (وقت نشر الحوار عام 1998 ولازال يشغل هذا المركز حتى نهايات 2016، المترجمة)، لايؤشر جملةً من الموضوعات الفلسفية المعاصرة فحسب بل يشير كذلك إلى المثلبة أو النقيصة الأوربية - التحليلية التي طالت الفضاء الفلسفي بأسره. عندما شرعتُ مؤخراً في قراءة أعمال دينيت الفلسفية ظننت بادئ الأمر أنني أقرأ لفيلسوف تحليلي يوظف الذكاء الإصطناعي وعلم الحاسوب لجعل الموضوعات الفلسفية ذات أبعاد محتملة يمكن الإمساك بها، ويبدو لي هذا الأمر صحيحاً إلى حد بعيد؛ إذ أن من الأمور المغوية للمرء أن يقول بأن دينيت لم يلتقِ يوماً بإنسان آلي (روبوت) لايلقى هوىً في نفسه، وإن أكثر مايحبه في الروبوتات هو أنه يعتبرها محض موضوعات فلسفية: بدلاً من الإنغمار في نقاشات لاتنقطع أو تفتر حدتها بشأن موضوعة " كيف يعمل العقل " يرى دينيت أن ماهو أكثر قرباً للمنطق والجدوى هو بناء عقل إصطناعي - مهما بدا بدائياً وفجاً - ثم رؤية ماالذي يستطيع عمله. إذا كنت جالساً أمام منصة يُؤدى فيها إختبار تورنغ* - الذي يُراد منه جعل الحاسوب يخدع الكائنات البشرية ويدفعهم للظن بامتلاكه ذكاء حقيقياً - فإن دينيت سيكون حتماً الفيلسوف الذي يأخذ مكانه بين مجلس المحكّمين (وهو ماحصل بالفعل مرّات عدة)، وإذا ماكنت تبتغي تصميم روبوت بإعلى المعايير والإمكانيات المتاحة في الوقت الحاضر وجعله قادراً على التعامل مع العالم الواقعي فإنك ستفكر في ضمّ دينيت لفريق عملك حتماً ولعل هذا الأمر هو ماسيزيل إية دهشة بعد معرفة حجم روابط الرجل مع مجتمع الذكاء الإصطناعي؛ لذا غالباً مايدعى إلى حضور ملتقيات ومؤتمرات ومختبرات حيث لايُشجّع الفلاسفة الآخرون على الذهاب أو ليست لهم هم بذاتهم أية رغبة جدية في الذهاب أصلاً!!.

إن سؤال الذكاء الآلي (وعلى النحو الذي صاغه آلان تورنغ) غدا موضوعة مركزية في زماننا الحاضر - هذا السؤال الذي يتعامل معه دينيت دوماً بكثير من الصرامة التحليلية، ولنتأمل مثلاً في جواب دينيت التالي والمثير للجدل والتفكير بشأن إمكانية الآلات في حيازة مراتب ذكاء عليا للغاية: " إن السبب الأكثر تسويغاً للإعتقاد بإمكانية أن تغدو الروبوتات - يوماً ما - واعية هو أننا نحن الكائنات البشرية نمتلك الوعي، وأننا - بشكل ما - نوع من الروبوتات ". إن جواب دينيت هذا يشكّل جزءً من حملته لتجاوز الإنفصام بين العقل - الجسد - تلك المعضلة المزمنة التي ورثناها عن ديكارت الذي حدّد شرط وجوده بوعيه الذاتي (بمواضعة الكوغيتو Cogito الشهيرة الخاصة به) والذي رأى ايضاً أن الجزء المفكّر من الذات متصل بطريقة تصادفية تقريباً مع الجسد. يسعى دينيت (مثل كثيرين غيره من العاملين في حقل العلوم الإدراكية) للكشف عن أن العقل والمادة ليسا بالضرورة الملزِمة متعارضين: العقل ليس مصنوعاً من مادة تتمايز جوهرياً عن الجسد - هذا إذا فهمنا الجسد بأنه جهاز معالجة معلوماتية شديد التعقيد والذي يشغل الدماغ محض جزء فيه، وإذا كان الأمر على هذا النحو فلن يكون من الأمور الباعثة على الدهشة أو الغرابة عندما نفترض أن آلات معالجة المعلومات التي يصنعها الإنسان ستكون قادرة على الإنتهاء إلى حالة يمكن معها إمتلاك وعي ذاتي خاص بها. إذا لم تكن ممّن يؤمنون بتأثير شرارة إلهية من نوع ما (لايهم كثيراً سواء دعوناها الروح أو الحماسة الحيوية الدافقة élan vital أو - بمصطلح دينيت ذاته - صنارة الصيد السماوية)، فكيف سيمكنك أن تكون في غاية الوثوق بأن الحياة - التي طُبِخت عبر دهور طويلة في مختبر الطبيعة - هي أمر مختلف بصورة جوهرية (وليس في درجة إرتقائه حسب) عن النماذج المصنّعة في مختبر ذكاء إصطناعي؟

يُتبع... ..

هامش المترجمة

* إختبار تورنغ Turing Test: هو طريقة لتحديد ما إذا كان الحاسوب (أي البرنامج الذكي) قادراً على التفكير مثل الإنسان أم لا، أي أنه طريقة لتحديد ما إذا كان البرنامج ذكياً ام لا. إسم هذا الاختبار يعود إلى مخترعه عالم الرياضيات البريطاني آلان تورنغ Alan Turing الذي صمّم هذا الاختبار في عام 1950. خلال هذا النوع من الاختبار نعتبر أن لدى الحاسوب ذكاء اصطناعياً مماثلاً للذكاءالبشري إذا استطاع تقليد رد فعل الإنسان لأفعال معينة في ظروف محددة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram