السماوة (المثنى) 964
في أحد أزقة شارع باتا وسط السماوة، يجلس الحاج حميد على كرسي متحرك، أمام آخر محل ندافة، محتفظاً بذاكرة المهنة، من أيام قطن الحويجة والموصل، حين كان العمل بـ "الكوز" يتطلب جهداً عضلياً كبيراً، قبل أن تصل المكائن التي جعلت "الندافة" أمر يسيراً.
وتجاوز الحاج حميد، سبعة عقود من العمر، وخمسة عقود من العلاقة مع القطن، وهو يكتفي اليوم بالجلوس أمام أولاده الذين أورثهم أصول المهنة، ولا يخفي حنينه إلى أيام القطن العراقي الفاخر، مثل "اللوكا" و"الشراعي" و"الخاكي" الذي كان يُورّد من مزارع الحويجة ونينوى، لكنه أوان قد فات، فالديباج الإيراني والصيني التهما معظم حصة القطن، ومع هذا، مازال زبائن الذهب الأبيض يمنحون الحياة لمحل الحجي حميد، وأمثاله في بقية المحافظات من الذين وثقت شبكة 964 أعمالهم، كما في العمارة والرمادي ومدينة الصدر والبصرة:
حميد خضير – أقدم نداف في السماوة لشبكة 964:
ورثت المهنة منذ ستينيات القرن الماضي عن أبي، ونحن آخر من يعمل بهذه المهنة في السماوة.
كنا نعتمد في السابق على آلة يدوية تسمى "الكوز"، وبفعل التطور تم استبدالها بمكائن صناعية تندف كميات كبيرة من القطن بسرعة ودون جهد.
الكوز آلة مقوسة تضم وتراً، وكانت تستخدم في السابق لضرب القطن، لنثره وعزل الأوساخ والشوائب عنه.
كنا نشتري القطن العراقي المزروع حصراً في العراق، ولا نستعمل المستورد لأن العراقي كان الأفضل.
في السابق استخدمنا قطن "اللوكا" وهو من الدرجة الأولى، وكان يزرع في الحويجة والمناطق الشمالية، ونشتريه من معامل بغداد.
في الدرجة الثانية يأتي القطن المصلاوي والخاكي والشراعي، وجميعها اختفت بعد عام 2003، الآن نستخدم "الديباج" المستورد من إيران والصين.
الإقبال على شراء اللحاف و"الدوشك" المصنوع يدوياً أصبح أقل، بسبب توجه الناس إلى شراء الأغطية الجاهزة والفراش المصنوع من الاسفنج، وأعتقد أن مهنتنا أوشكت على الانقراض.