ثائر صالح

استلمت هدية ثمينة في عيد ميلادي سنة 1980 من الإعلامية والكاتبة د. اعتقال الطائي (1948 - 2023) التي رحلت في الخامس من هذا الشهر، هي اسطوانة لبعض أعمال باخ من أداء عازف البيانو المجري الشاب أندراش شِف،

لمعرفتها بحبي لموسيقى باخ. التسجيل صدر في 1979 عن دار هنغاروتون المجرية، في نفس العام الذي انتقلنا فيه إلى المهجر في المجر، اعتقال وأنا، ونفس العام الذي ترك فيه شِف المجر إلى المهجر. ولا أزال محتفظاً بهذا التسجيل ينتقل معي حيث انتقلت، تذكار لتلك الأيام صعبة لكن الجميلة والثرية بالنشاط الفني والثقافي.

ولد شِف في بودابست يوم 21/12/1953 ودرس في أكاديمية فرانس ليست الشهيرة على يد أفضل أساتذتها، وشق طريقه كعازف ماهر قبل أن يغادر المجر سنة 1979. لكنه فشل في الحصول على الجنسية الأمريكية بسبب سفراته المتعددة لإقامة الحفلات، فانتقل إلى النمسا وحصل جنسيتها في 1987، ثم الجنسية البريطانية في 2001. وهو يعيش منذ ذلك الحين متنقلاً بين زالتسبورغ (النمسا) ولندن بالدرجة الأولى، ويقيم كذلك في فلورنسا بإيطاليا وكاماكورا قرب طوكيو لفترات بسبب زواجه من عازفة الكمان اليابانية يوكو شيوكاوا.

يعدّ شِف بين أفضل عازفي البيانو المعاصرين، ليس لجودة عزفه وترجماته المتقنة لأعمال أساطين الموسيقى فحسب، بل كذلك بسبب غوصه في الأعمال الموسيقية نفسها وعرضها بطريقة بسيطة لطلابه ومستمعيه، وكان منحه لقب سير من قبل الملكة أليزابث الثانية عام 2014 بسبب خدماته للموسيقى يتضمن نشره الثقافة الموسيقية بين أوساط واسعة من المجتمع. حقيقة يصعب تعداد الجوائز والأوسمة الرفيعة التي حصل سير شِف عليها، ومن دول كثيرة في مختلف القارات.

حصلت تسجيلاته لأعمال باخ وبيتهوفن وموتسارت وشوبرت على ثناء النقاد، ويعد تسجيله لعمل باخ تنويعات غولدبرغ (2003) الذي كتبت عنه في الأسابيع الماضية بين أهم التسجيلات. ويقدم شِف هذا العمل كثيراً، وهو من البرامج المعتادة أثناء زيارته السنوية لإلقاء المحاضرات في أكاديمية بارنبويم - سعيد، مرتبطة بحفلة - محاضرة يشرح تحليله وفهمه للعمل. ويبرز كذلك تسجيله لكل كونشرتات البيانو التي ألفها موتسارت مع فرقة زالتسبورغ الأكاديمية بقيادة شاندور فيغ. كما قدم وسجّل كل سوناتات البيانو التي ألفها بيتهوفن، وهي نقطة مضيئة في تاريخ الموسيقى. يؤدي كذلك أعمال سكارلاتّي وهايدن وبرامز وتشايكوفسكي وبارتوك، وحصل تسجيله كونشرتات البيانو التي ألفها مندلسون على شعبية.

ينشغل شِف بقيادة الفرق الموسيقية كذلك، فقد قاد أوركسترا الفيلهارمونيا (لندن) وفرقة أوروبا للحجرة، كذلك فرقتي سان فرانسسكو ولوس أنجلس الفيلهارمونية. وله فرقة خاصة أسسها سنة 1999 اسمها فرقة أندريا باركا للحجرة تتألف من خيرة العازفين المنفردين وعازفي فرق الحجرة في العالم، اختارهم شِف ليقدم معهم كل كونشرتات البيانو التي ألفها موتسارت، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الفرقة غير الدائمة ضيفاً متكرراً على الكثير من المهرجانات الموسيقية العالمية. ويعكس اسم الفرقة روح الدعابة التي يمتلكها، وهو الترجمة الإيطالية لاسمه: شِف تعني سفينة وهي باركا بالإيطالية. واعتاد في محاضراته وحفلاته إطلاق الدعابات والفكاهات لكن بوجه جدي خالٍ من الإيماءات الزائدة.