اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: اسئلة مؤجلة

قناديل: اسئلة مؤجلة

نشر في: 6 يناير, 2024: 11:29 م

 لطفية الدليمي

حياتنا لاتخلو من أسئلة صعبة. كلُّ طورٍ فيها له أسئلته المشتقّة من تفاعلات العقل والواقع، وهي تفاعلات مشتبكة ومعقّدة.

أولى الاسئلة وأقلّها تعقيداً هي الاسئلة الخاصة بإدامة الوجود البشري؛ لكنّ أعقد الاسئلة هي تلك التي تتناول معضلات وجودية قد تكون مستجدّة أو متوارثة من حقب قديمة.

تخيّلْ إبنك – مثلاً – وهو يسألك: لماذا أدرسُ وأجتهدُ وأنا أعرفُ أنّ مآلي هو البطالة. هذا السؤال قد يبدو بسيطاً؛ لكنّه معقّدٌ أشدّ التعقيد بسبب السلسلة السببية التي قد تترتّبُ على ماقد يبدو إجابة ناجزة. سؤالٌ يقودُ لسؤال أكثر تعقيداً من سابقه. ستقولُ له: خُلِقنا لكي نعمل، ولاأظنّك ترتضي لنفسك أن تبقى بلا عمل؛ ولكي تعمل يجب أن تثري مؤونتك من المعرفة التي تفتحُ لك بوّابات العمل المناسبة. يمكن هنا أن يجيبك: ماذا عن (فلان) الذي صار مليارديراً وهو لايتحصّلُ على قليل من المعرفة؛ بل هو صفرُ اليدين منها؟. ستقول له: هذا ليس مثالاً مناسباً. ربما يكون إبنك ذكياً متمرّساً في البحث والاستقصاء فيقول لك: لو أجرينا مسحاً بسيطاً لرأينا أنّ معظم أثريائنا هم من غير حملة الشهادات العليا أو حتى الأولية. ستقول له: الشهادة ليست كلّ شيء. من قال أنّ الشهادة تعني إمتيازاً قادراً على ولوج بوّابات المعرفة الحقيقية والتقنيات التي تصنع حياتنا المعاصرة؟ هنا يمكن أن يفاجئك: ولماذا إذن أدرسُ وأنا أعرف أنّ هذه الدراسة لن تفيدني بشيء؟ هنا ستلجأ إلى الرافعة المثالية: الدراسة تبقى ذخراً وخصيصة مطلوبة. هي مثل الذهب: زينة وخزينة.

هذه الاسئلة - التي يمكن أن تمضي في مسالك شديدة التعقيد – هي أسئلة جوهرية نناورُ أحياناً – بل وغالباً – في الاجابة عنها. نحبُّ أن نفعل الاشياء على طريقة التوارث الكسول. لانحبُّ المغامرة. بيئتنا الاقتصادية وسياقاتنا العقلية تؤثرُ السلامة والمكوث في منطقة الامان لأنّ أثمان الخسارة باهظة وقاتلة.

هذه الاسئلة مهما تعقّدت تبقى بسيطة بالقياس إلى أسئلة أخرى تقترنُ بمعضلات وجودية كبرى. تخيلْ مثلاً أن يسألك إبنك ذاته بعد جولة مناظرة مشتبكة: لماذا أتيتَ بي ياأبي إلى هذا العالم؟ هل سألتني إن كنتُ أرتضي القدوم من عدمه؟ أنت كنتَ أنانياً لاتفكّرُ سوى بلذتك اللحظية عندما إبتدأت مسيرتي في التشكّل الاوّلي من حياتي الجنينية. لاأستثني أمّي من هذا. أنتما الاثنان آثرتما اللذة وجئتما بي إلى هذا العالم الذي لم أكن لأختاره لو أعطيتُ فرصة الخيار. بمَ ستجيب؟ هل ستقول أنّ هذه هي لعبة الحياة، وماكلّ أفعالنا فيها محسوبة ومقيسة بموجب خياراتنا. هل سيقتنعُ إبنك؟ وقبل هذا هل أنت مقتنع؟ هل ستسكنُ نار المساءلة في أحشائك؟

هذه بعضُ الاسئلة المعقّدة التي تترتبُ على ثنائية الحتمية / الارادة الحرّة. أسئلة كثيرة تتموضع في هذا المساق ولها قوّة المساءلة الوجودية لمعضلات البدايات الاولى. قَمْعُ مثل هذه الاسئلة ليس بالخيار الأمثل لأنّك لابدّ ستواجهها في يوم من الايام عندما تدفعك واقعةٌ ما إلى التفكّر الشامل في حياتك: التفكّر أبعد ممّا تأكل وتشرب لجهة مساءلة لحظة الخلق الاولى.

كثيرون سيقولون: الحياة جميلة رغم كلّ مشقّاتها، والاسئلة الكثيرة تفسدُ جمال اللحظة الحاضرة. الافضل أن نعيش بدل أن نتساءل في موضوعات ليست لنا عليها سطوة التكييف والتعديل والضبط وإعادة التوجيه.

الحياة لعبة. قد تكون لعبة حاسوبية لسنا فيها سوى (سوبر ماريو Super Mario). قد نتصوّرُ أنفسنا أبطالاً جبابرة في وقت لسنا فيه أكثر من لعبة صغيرة بيد عمالقة يروننا أقزاماً أمامهم. هذا بعضُ الحس المأساوي بالحياة، وفي غياب هذا الحس سنظلُ مثل الديدان الصغيرة الملتصقة بعشب الارض، تعيشُ في عالم ببعديْن ولاتتصوّرُ أنّ كوناً شاسعاً يوجد في الافق البعيد عنها.

السعادة وسلامة البال لاتأتيان مع إنكار الاسئلة الجوهرية. محاولة البحث والمساءلة واحدة من دوافع العيش البشري حتى لو إقترنت ببعض الحزن والاسف وشعور طاغٍ بالخسارة والخذلان

. لاأظنُّ أنّ كائناً بشرياً حقيقياً يرتضي العيش مثل دودة في سلامة الوجود وايثار الاطمئنان الرتيب تحت طيات العشب المظلمة التي لم تصلها أشعة الشمس لتطهّرها من العفن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram