غالب حسن الشابندر
حلقة 6
حول مبدأ السببية
ينطلق الباحث في مشروعه الديني على صعيد إثبات الأنباء الثلاثة ـ التوحيد، النبوة، المعاد ـ من جملة مباديء عقلية، تلك التي يسميها الفلاسفة العقليون بالمباديء الاولى، اي سابقة على التجربة، ومنها على سبيل المثال (السببية) التي بمقتضاها يؤمن العقل بان لكل معلول علّة، أو لكل حادث علّة، أو لكل مسبَّب سبب، وسبقها على التجربة يعني إداركها عقلا من دون الحاجة إلى تجربة، ولهم في ذلك بحوث طويلة معقّدة.
الله تعالى ـ كما يقول المؤلف ـ خلق الكون وفق نظام السببية، أي لكل مسبّب سبب، اي أن (لكل شيء حادث سب طبيعي يوجبُه) ص 20.
هذا هو نظام الطبيعة، قوامه مبدأ السببية، لا صدفة، ولا فوضى، ولا حدث بلا سبب سابق عليه رتبة، ولكن المُصنّف يستدرك هنا ليخبرنا عن حالات لا تخضع لهذا النظام، تلك هي الاعمال الخارقة إلت تستند إلى الله مباشرة، أي (إسناد الفعل الخارق إلى الله سبحانه من غير وجود عامل طبيعي في المورد أصلا) نفس الصفحة
ويعدّد لنا منها خمسة موارد.
المورد الاول: بدايات الخلق، فهي عمل خارق، يُسنَد إلى الله تبارك وتعالى مباشرة، وتسميته أو توصيفه بـ (الخارق) من جهة عدم خضوعه لقاعدة أو مبدا الطبيعة العام، الكلي، السببية، فهو عمل غير مسبوق بعامل طبيعي، كما هي أعمال الطبيعة بشكل عام
المورد الثاني: ما اسماه (أصل تكوّن الحياة) فإن المادّة لا يمكن أن تنشيء أو تخلق الحياة، (لا سيّما بعد تعذر وجود تفسير طبيعي لحدوثها، بسبب المُعطيات العلمية إلى الوقت الحاضر) ص 21
والمصنّف أساسا يعتمد على الفلسفة هنا وليس على معطيات العلم، وإنما أشار إلى معطيات العلم لترسيخ الفكرة، فإن الحي لا ينتج من ميّت، فالشوك لا ينتج عنبا كما يقولون.
المورد الثالث: تنوّع الحياة أو بعضها، باعتبار أن المادة واحدة، لا تكثّر نوعي فيها، فمن أين جاء هذا الكثير من الواحد؟
ومن هنا لابد من إسناد هذا التنوع إلى سبب خارج عن الطبيعة، وهو هنا (الله)، فهذا التنويع في الحياة عمل خارق لنظام الطبيعة، إنما يُسنَد مباشرة إلى الله تبارك وتعالى، وقد أولى خاصيّة الإدراك في بعض الحيوات أهمية متميّزة، حيث يتّسم بالتجريد ممّا لا يتناسب مع كثافة المادة أبدا
المورد الرابع: نهاية العالم حسب معتقد أهل الاديان التوحيدية، وقيام (نشأة أخرى)، مستندا إلى نصوص القرآن الكريم، على أن (النشأة الاخرى) وفق نظام العمل الخارق يمكن تصوره على نحوين كما يرى المصنّف: ـ
النحو الاول: أن تخضع هذه النشاة، العالم الآخر، الحياة الجديدة، للإرادة (الخالقة / الخارقة)، أن تخضع كلها، من دون استثناء.
النحو الثاني: ان يبتدع الله كونا جديدا، اي قوانين كونية جديدة، بحيث تُنتج عالماً جديدا.
الانقلاب الكوني غير النشاة الجديدة، لذلك خصّ النشاة الجديدة بتوضيح أكثر.
المورد الخامس: معجزات الانبياء، وكرامات بعض الصالحين، واستجابة الدعاء... كلها من الاعمال الخارقة، اسنادها إلى الله مباشرة، لا تخضع لسنة العمل الطبيعية.
يقول ما محصّله: (إنّ الحالة العامّة في الكون، هي حدوث الاشياء والحوادث الكونية وفق سنن الطبيعة، بما فيها الزلزلة والخسوف والكسوف وغير ذلك، ولا يصح إسناد شيء إلى الله سبحانه، ينفي على وجهٍ ينفي تأثير العامل الطبيعي) ص 24.
من هذه الحصيلة أفهم أن اصل المطلب هنا هو إثبات السببية الطبيعية في الكون بامر الله تبارك وتعالى، وهذه الاستثناءات الخمسة لأجل التوضيح لا أكثر ولا أقل.