طالب عبد العزيز
طلب الناقدُ السعوديُّ محمد العباس من أصدقائه القائمين على مسابقة (المعلّقة) الشعرية فتحَ صدورهم، وتقبل الآراء الناقدة، لواقع ومآل المسابقة تلك، وبيّن مخلصاً حيثيات العمل الثقافي والتلفزيوني هذا، موضَّحاً بأنه أُرتُجِل ارتجالاً،
وعلى كل المستويات، يعني آلية إدارة المسابقة ولجنة التحكيم التي وصفها بالمدرسية الباردة، والخائفة على المشاركين، وتوقف ملياً عند جمهرة الشعراء الذين حُشروا في بوتقة واحدة(الفصيح والنبط والعمود والتفعيلة والنثر) فكان جريئاً بحق، وأفصح عن كثير مما لم نقله نحن، فشكراً له، لأنه فتح الباب لنقول شيئاً قريبا من ذلك.
واضح أنَّ المؤسسات الثقافية والفنية الغنية في دول الخليج وبعد تراجع الأدوار الثقافية الرائدة في الحواضر العربية (بيروت والقاهرة وبغداد ودمشق) أخذت على عاتقها القيام بالدور البديل، واستقطاب كبار الكتاب والادباء والمثقفين، وتأسيس الجمعيات والاندية، والاعلان عن المسابقات والمهرجانات والمؤتمرات وغيرها، وهو أمرٌ لا نعدم أهميته على الصعيد القومي، ثقافيا وفكرياً، ولا يجدر القول بنا إلا معاضدين ومساندين، كيف لا وقد اتضحت معالمه ونتائجه في العقود الاخيرة، لكنه يفتح الباب لقول آخر مختلف، ولآراء تتباين في درجة مسؤوليتها وصدقها، ولا نستبعد معها العقلية البسيطة، غير المدركة لجوهر الفعل الثقافي، التي تديرها، والنوايا الشخصية، أوالدوافع السياسية، أحياناً، وربما كانت هناك أغراض اخر.
لكن، وبعيداً عن النوايا المضمرة التي تقف خلف إقامة المسابقات والتسميات هذه(شاعر العرب، شاعر المليون، امير القوافي، وشاعر عكاظ..) فأنَّ آلية التقييم والفضل بين الشعراء التقليدية جداً تحيلنا الى ما كان عند العرب في الجاهلية، أو في صدر الاسلام، وهي ممارسة بدائية، ليس من العقل والتدبير بشيء إعتمادها، وعلى وفق ما نشاهده، والتي قد تصحُّ في التعامل مع شعراء النبط(الشعر البدوي)وربما كانت امتداداً معقولاً، له ولا نقول تطوراً، أما تطبيقها على الشعر والشعراء اليوم فهذه قضية بحاجة الى إعادة نظر، والبحث عن آلية جديدة، تتناسب مع معطيات العصر الحديث، والفهم الموضوعي لقضية بالغة الحساسية مثل الشعر.
لجنة التحكيم (المدرسية) التي أشار لها الناقد العباس احالتني الى أكثر من ستين سنة خلت، كنت فيها طالباً بالمتوسطة، نهارَ وقفتُ منشداً قصيدتي، امام لجنة من كبار المدرسين الشعراء، الذين أشاحوا بوجوههم عني، لأنني لم أكتب قصيدة عن الوطن، وأخذوا بغيري لأنهم كتبوا عن فلسطين. في الوقت الذي يجد الشاعرُ الحديثُ نفسه قاصراً عن إيجاد شكل مناسب لقصيدته، باحثاً في خريطة أفكاره، وفي ما يقرأ ويسمع، من قصائد لشعراء، يكتبون بلغات أخرعن شكل مناسب، يلبّي غروره، ونزوعه في كتابة قصيدة، يعتقد فيها بأنها ستكون إضافة نوعية للإرث الانساني، تدعم الجمال وتؤاخي بين طعنات الروح، مدركاً خطورة الكتابة في الفن الرفيع هذا، يذهب القائمون على المسابقات تلك الى العبث بأنبل قضايا الشعر، وأكثر مهامه خطورةً، وبذلك ذهابٌ بالجهد العظيم الذي بذله الروّاد الشعراء، والستينيون العظام، ممن حملوا راية التجديد قبل ثلاثة ارباع القرن.
لا تنفصل آلية الكتابة عن آلية التلقي، وإذا كانت الجهات القائمة على الثقافة في الخليج بخاصة قد نصبت نفسها بديلاً عن ما كان قائما في للثقافة العربية، وفي العواصم العربية التي اشرنا لها فهي مدعوة الى تحديث الآليات تلك لا أكثر. أيعقل إطلاق صفة كبيرة، مثل شاعر المليون، أو شاعر العرب على شاعر لم نقرأ له كتاباً واحداً في الشعر؟ ولم تتناوله كتب النقد العربي بشيء؟ ترى، أين سنضع شعر أدونيس وسعدي يوسف وسركون بولص وعبدالمعطي حجازي وانسي الحاج وقاسم حداد وبول شاؤول ومحمد بنيس وحسين عبد اللطيف وزاهر الجيزاني والعشرات من الشعراء العرب، الذين صنعوا حياتنا شعراً، والذين نفاخر الامم بوجودهم في ثقافتنا.