مهدي حمودي الانصارييعد جامع السيد سلطان علي من الجوامع القديمة في بغداد التي لا يعرف تاريخ انشائها بالتحديد. يتربع في مكان متميز في شارع الرشيد، ويطل على نهر دجلة من ناحيته الاخرى. ويذكر د. علي الوردي في لمحاته، ان قسماً من جداره الخارجي واحدى مآذنه قد أزيلا حين اختط خليل باشا والي بغداد، حينذاك، الشارع الجديد، ووضعت على سياجه البديل اللوحة المعدنية للشارع بعنوان (خليل باشا جاده سي) اي طريق خليل باشا.
ثم تغيرالاسم الى شارع الرشيد بعد الحرب العالمية الاولى.يشهد جامع السيد سلطان علي في شهر رمضان، طقسا دينيا وضعه الناس من غير تدبير من احد، وصار عرفا يقومون به كل سنة، منذ اقدم الازمنة. اذ يقبل سكان المناطق المجاورة من محلات المربعة والسنك ورأس القرية والعمار، قبل الافطار بقدورهم التي طبخوا فيها طعامهم الخاص، ليتناولوا افطارهم بالمشاركة مع من حضر الى المسجد، ويعد القائمون على خدمة الجامع، موائد طويلة لهذا الغرض لتتم بعد اذان المغرب واحدة من اجمل ممارسات شهر رمضان، اذ يتشارك الجميع لقمة القناعة ملفوفة بالمودة الصادقة التي جمعهم عليها شهر الصيام.وحسب الشيخ بلال عبدالله القائم على خدمة المسجد فان هذا العرف يرجع الى ازمان بعيدة ولم يتأثر بما حدث من احداث مؤسفة اثناء السنوات السابقة، وظل الجميع يتشاركون بهذا الافطار الذي يجمعهم بالمحبة.ويقبل الفقراء وطالبو البركة على الجامع اوقات الافطار، لمعرفتهم بوجود طعام كافٍ للجميع، اذ تقدم الكثير من اسر المحلات المجاورة، قدوراً مليئة بالطعام المعد لعمل البر و النذور، اذ يستقبله القائمون على خدمة الجامع ويجمع على موائد الافطار، وتتشرف الكثير من تلك الاسر بتقديم تلك الوجبة كل عام، خدمة للمسجد ومن يختلف اليه. تعود سدانة الجامع وتصريف شؤونه الخاصة الى اسرة ابراهيم الراوي الرفاعي التي تنتسب الى صاحب المقام السيد سلطان علي احد ابناء السيد الرفاعي الذي دفن في المسجد وتعود التسمية اليه،ويستقبل في كل سنة في شهر رمضان دراويش ومريدي الطريقة الرفاعية لاقامة حلقات الذكر وتلاوة آيات القرآن الكريم، التي تستمر الى ليلة القدر اذ الاحتفال الكبير الذي يصل الى الصباح بين ترتيل وسجود.ويأوي الى المسجد الكثير من المساكين والدراويش اذ يعطف عليهم سكان الاحياء المجاورة ويعتقدون بتقواهم، وتتحدث قصص الناس هناك عن شخصيات غريبة تعيش في كنف المسجد منذ القديم، فهناك شخص افغاني يسمى (عزيزة ابو بم) يتخذ من المسجد والحضرة الكيلانية ملاذا له، ويدور في اطراف الباحة الكبيرة ويكثر من الضجيج بكلمات وعبارات غامضة المعنى يختمها بكلمة بوم. وحين يرضى عن حالة ما ، يقول خوب بالفارسية وتعني جيداً.وكان هذا حافي القدمين الا من عدد من الجواريب يرتديها فوق بعضها. ويعده الناس فألاً حسناً ويتبركون بكلماته الغامضة.جاءته يوما امرأة فقالت له: يا عزيزة هل يفوز جوادي بقصب السبق، وهي تضمر معنى آخر بسرها، فقال لها وهو يمشي، خوب، خوب!!.وقد صادف ان صح قوله لديها، وصارت تأتيه بالطعام والملابس صيفا وشتاء، الا انه يختار منها الجواريب فقط. يضيء جامع السيد سلطان علي صفحة نهر دجلة ليلا، بأنواره الى ساعات الصباح الاولى، اذ يوقظ اذان الفجر من المسجد العريق عشرات المصلين من صوبي الكرخ والرصافة داخلين في رحابه العتيد متمسكين بحب ولي من اولياء الله الصالحين.
موائد البر في جامع سيد سلطان علي العريق
نشر في: 28 أغسطس, 2010: 01:30 م