TOP

جريدة المدى > هلا رمضان > رمضان وألعابنا الفقيرة- الغنية

رمضان وألعابنا الفقيرة- الغنية

نشر في: 28 أغسطس, 2010: 01:33 م

كاظم الجماسي نعم كنا اطفالا فقراء، وربما فقراء حتى العظم، غير ان مارضعناه من حليب العفة والطيبة، لم يكن ليمسه الزيف او الكذب ابدا، وكانت تفاصيل حياتنا اليومية تتدفق مثل ماء عذب وتجري كنسائم الربيع الندية، ولم تكن العابنا في مرابع طفولتنا فقيرة ابدا،(الختيلة، الصكلة، التوكي، لعب جعاب، نكر دعبل، جقة شبر، سنبيلة السنبيلة، المحجال، جير بحاس،غميضة الجيجو،
 شخط من شخطك، عظيم الضاع، شطيط طيط،...) وغيرها الكثير من الالعاب الثرية بالمتعة والفائضة بالبهجة، ما يجعلنا نأسى حقا لحاضر العاب اطفالنا المساكين.وللعب في رمضان نكهة مطبوعة في جوارحنا، لايمكن لها ان تزول على مر الزمان، ولم يكن من شيء ايا كانت سلطته وجبروته، موانع طبيعة كانت ام بشرية، من منعنا عن الانهماك في عوالمنا الفسيحة التي لاتحدها حدود، فبعد ان نلقي بـ (حقائبنا) المدرسية، وبعض الأحيان من وراء سياج البيت، ننطلق من فورنا الى الساحات المتربة التي كانت تتوزع بواقع ساحتين او ثلاث في كل قطاع من قطاعات(الثورة) المدينة – الثروة، التي لفرط ثرائها افرط المستبدون في كفخها ودمغها، لنلتقي اثنين او ثلاثة من اترابنا، ثم مايلبث العدد يكبر ويكبر، لينقسم مجاميع عدة، فتختار كل مجموعة منها لعبة تلعبها، فهذه تلعب الجعاب سيما لعبة الطنّب(بتشديد النون)، وتلك تلعب الختيلة، واخرى تلعب لعبة شطيط طيط، وهكذا تجري الدقائق والساعات سواء تحت لسع شمس القيظ او لسع برد (الازرك) ايام كانونية شديدة البرودة، ليمضي النهار ويحل وقت الغروب، والجميع لاهون منغمسون حتى اذانهم بالحماسة المتدفقة للعب، حتى تنبههم نداءات الامهات، فطعام الفطور سيبرد، وهم على لحم بطونهم، ليتقاطروا فرادى نحو منازلهم، هناك حيث اللمة الحميمة للاخوة والاخوات حول صينية الافطار التي يتصدرها رأس العائلة الاب العائد قبل قليل يتصبب عرقا وتعبا من عناء عمله اليومي..كانت ظروف حياتنا من القسوة بمكان، اذ كانت قحوف رؤوسنا تتلقى الاشعة العمودية لشمس آب اللهاب، من دون واق ما، او كانت جلودنا عزلاء امام هجومات زمهرير شباط وقبله الكانونين، ولا اذكر انني يوما تشرفت بزيارة اي طبيب او مستوصف او مضمد، وفي الوقت الذي يتعرض فيه جزء من جسمي لجرح ما، غالبا ما تجرح اقدامنا الحافية ونحن في غمرة اللعب، كسرة زجاج ما، حين يحدث ذلك فالمضمد والطبيب امهاتنا اللواتي اتقن (الاسعافات الاولية) البدائية الناجعة، كالخرقة المبلولة بالنفط الابيض او بالحبر كضماد، او الكي بـ (العطابة)- خرقة قماش مكورة محترقة-..ولما كنا نفرغ من التهام لقيمات بسيطة عجولين لاهثين، ننطلق الى قهوة(سهم) حيث التلفزيون الوحيد في قطاع(10) الذي يحتوي ما يربو على المائة بيت، وكلها تخلوا من (صندوق الفرجة) هذا، لنجد القهوة وقد غصت بروادها، على غير عادتها في الاماسي العادية، فنرى وجوها غريبة نتساءل عن هويتها فنجاب:(ولد منطقة العوينة في ضيافة ولد قطاع 10 للعب المحيبس) اللعبة الرمضانية العراقية بامتياز، وبعد ان انتظمت (كرويتات) قهوة سهم صفين، فرشت (الباريات) - فراش من شرائح القصب المضفور- لينتظم صفان من لاعبي الفريقين، الكبار يحتلون الكرويتات والصغار يفترشون الباريات، وكنت من الصغار الذين لعبوا ضمن فريق القطاع تلك الليلة التي لن انساها ماحييت..خلفت تلك الليلة جرحا عميقا في ذاكرتي، فعند احتدام وطيس اللعب، بعد ان بيت رئيس الفريق المحيبس بيدي اليمنى من دون اكثر من اربعين يد، توقف الزمن تماما بالنسبة لي، ولم اكن اسمع اي هسيس صوت على الرغم من الجلبة والضجيج الذي تفرضه حماسة اللعبة، فقط كنت اسمع قرع طبول الرعب والهلع المتصاعدين في قلبي الصغير الغض، وانا ارتجف كالسعفة في مهب الريح، وارى(الطالوب) رئيس الفريق المقابل يصول ويجول ويزئر كأسد هصور يحود قطيعا مرتعبا من الشياه..حتى حانت اللحظة الفاصلة، بصيحة(جيبه) المدوية، فخارت قواي وكاد ان يغمى علي، بعد ان اخذوا المحيبس مني، ولم اشعر بأي شيء، سوى برطوبة السائل الذي راح يسيل بين فخذي..و لم يكن من احد ينتبه لي لحسن الحظ، والا سيلازمني لقب معيب مخجل، طيلة ايام طفولتي وصباي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

احمد كاظممناسبة العيد في ضمائر العراقيين لحظة تاريخية فارقة، فبعد عناء شهر كامل من الصوم يأتي عيد الفطر كمكافأة عظيمة للصائمين، ولا يذكر العيد، الا وذكرت (العيدية) والحدائق ومدن الألعاب والدواليب والملابس الجديدة التي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram