اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الضمان الإجتماعي. .. الخطورة والضرورة

الضمان الإجتماعي. .. الخطورة والضرورة

نشر في: 10 يناير, 2024: 11:01 م

ثامر الهيمص

غالبا ما تكون النماذج الانيقة التي تفسر طرق عمل الاقتصادات خاطئة. فلا تقوم الاسواق بتصحيح نفسها بنفسها، لذلك تحتاج الى تدخل وادارة على الدوام، لضمان ارتفاع معدلات الطلب الاستهلاكي والاستثمارات والتوظيف. (جون مينارد كينز) .

لقد كان ولا زال قانون الضمان الاجتماعي لحد اليوم انيقا فقط اي مقبول نظريا, مادام لم ينفذ’ اذ لم يتم حتى الان اصدار تعليمات تنفيذ القانون الجديد’ والتي من المفترض ارسالها اولا الى مجلس الدولة لتدقيقها لتمر بعدها بسلسلة من الاجراءات الى حين وصولها الى جريدة الوقائع الرسمية. (طريق الشعب ليوم 22/12/2023). (جيب ليل واخذ عتابة) . رغم مثالبه التي تبرز التفاوت بين الضمان الاجتماعي والتقاعد في القطاع العام، من حيث الراتب التقاعدي ومكافئة اخر الخدمة، وهذا ليس طبقا لما وعدت به الحكومة.

من هنا نفهم تهافت 8 ملايين عراقي للعمل في جهاز مكافحة الارهاب, اذ يفضل اي عامل او موظف غير رسمي مهما كان راتبه الذي يسمى (معاش) على اي عمل بتقاعد، ما عدى الملياديرية الجدد والمليونيرية، او ذوي الحظ العظيم من متقاعدي الدرجات الخاصة الذين لا تقيدهم فترة خدمة او درجة علميه.

ادت هذه الخطورة الناجمة عن التفاوت الطبقي الحاد الذي يرتسم الان او الافق القريب او حيث لاضمان للعيال والشيخوخة’ المتزامنة مطالبها مع الاحتجاج الذي ادمناه بتجلياته المختلفة رغم الشهادات والاختصاصات المتنوعة ناهيك عن حق المواطنة والانتماء.

من هنا نؤكد مقولة كينز اعلاه اشهر اقتصادي في العالم بعد الكساد الكبير في العالم الراسمالي لمعالجة الكساد والبطالة من خلال التوظيف والضمان, ففي الفترات الانتقالية عموما يحصل غالبا مراجعة او تراجع من قبل الدولة خلال سياساتها العامة’ ولعلها من سمات الدول الديمقراطية’ فقد عادت الكينزية الى المشهد الاقتصادي الراسمالي بعد الازمة الاقتصادية عام 2008 كاسعاف لطوارئ واخطاء تمادي الجشع الراسمالي. ويمكن ان تعود ثانية وثالثة في الراسمالية العالمية التي لا تتقيد باسم حرية العمل او انفلاتها نحو الربح فقط واولا. ولا شك ان الساسة هم ايضا لهم مصالحهم من خلال الحاضنة الراسمالية. (فالوسط السياسي يشدد بشكل عام على الاهداف لكنه قلما يهتم بالادوات الانسانية والتنظيمية التي تناط بها عملية التنفيذ بحجة ان تنظيم اي مصلحة من المصالح الادارية انما يأتي دوره لاحقا (بيار كالام / تفتت الديمقراطية / من اجل ثورة في الحاكمية /ص80/ 2003). وهذا ما يفسر تلكأ وسطنا السياسي بما يتعلق بقوانين الضمان الاجتماعي. فالتلكأ غير مشروع كونه بدون اسباب حقيقية او عوائق تنظيمية, مما يعني انعدام ستراتيجية ذات ابعاد واضحة ضمن برنامج له جدوله الزمني. وانما فقط العمل بموجب المثل الشعبي بخصوص التخطيط: (بيضة اليوم ولا كتكوت الغد) ، والا يكون شاملا لكل عراقي لكي نضمن الاستقرار الاجتماعي والتخفيف في التفاوت بين الملياردير المعفي من ضريبة الدخل والذي يلتقي اوتوماتيكيا مع عامل المسطر. كلاهما تتجنبهم هيئة الضرائب لان ليس المفلس في القافلة امين فقط. مما يعني محدودية تدخل الدولة نظرا لترك الحبل على الغارب للسوق الحرة, حيث مبدأ تنازع البقاء. (ان العديد من مقومات السوق لا تتوفر اوتوماتيكيا بفعل السوق نفسه’ وانما من خلال الدولة. فالمنافسة لا تستمر الا بفضل السلطة العامة, والتبادل السلعي لا يتم اذا لم تتوفر معايير الجودة والمواصفات الفنية التي توضع او تعتمد من قبل هيئات رسمية او مهنية لا علاقة لها بقوى السوق واذا كانت كفاءة الاقتصاد ترتبط بحد ادنى من العدالة الاجتماعية, فتدخل الدولة هو الكفيل باعادة توزيع الدخل عبر عدة اليات من بينها السياسة الضريبية. (د. صالح ياسر حسن / الخصخصة و الاصلاحات الاقتصادية /بين خيبات العقيدة ورهانات الواقع /ص/549/ 2016) .

اذن ما الذي يحول دون الضمان الاجتماعي لعمالة القطاع الخاص, من حيث الاتساع ومن حيث التكافؤ في الراتب التقاعدي ومكافأة اخر الخدمة؟ ؟؟

تتذرع الحكومة عادة بعدم استجابة اصحاب الشركات والمشاريع الاهلية في دفع استقطاعات الضمان, وهذه ما يجعل الحكومة تتريث لكي لا يقال عنها لاتشجع الاستثمار ودعم القطاع الخاص, رغم تراجعة بسبب المستورد وغلق المعامل بسببه من حيث العموم وليس نسبة صاحب العمل في القسط الشهري للعامل المضمون, اضافة لزوغانات الضرائب والتحاسب الضريبي المعروف.

لذلك تقوم الحكومة لاعتبارات سياسية وانتخابية قصيرة النظر لرفع عدد منتسبي الرعاية الاجتماعية البائسة رغم كونها بعلاقة طردية مع نسبة الفقر, فغالب الفقر يبقى جذره البطالة بانواعها’ ولذلك يتواكبان متوازيان.

بالمقابل ازدهرت المؤسسات الاهلية في قطاع الخدمات مثل التربية والتعليم والخدمات الصحية’ غير المقيدة بأي نظام معياري نوعيا مع غياب لحقوق المنتسبين في الراتب كما هو في القطاع العام ولا تقاعد او ضمان، ولذلك مثلا في التربية بالمدارس الاهلية مستغلين تفاقم البطالة في الخريجين بجوار تواكب معاشات الرعاية الاجتماعية المتناغمة مع نسب الفقر وتفاقم البطالة. ولم تعالج القضية بما يهم المنتسب او تقليص الفجوة الطبقية, كما ان الجهاز الحكومي متخم مترهل ليصبح عائقا كسولا لدرجة عاجز عن ترويج قانون الضمان الاجتماعي الحالي, بنواقصه بعد تقريم شموليته حسب ماطرحت الوزارة المعنية حول امكانية شمول حتى سائقي الاجرة بالقانون الجديد, يضاف لكل هذا ان الوزارة ما زالت حتى الان تحجب التعليمات الخاصة بتنفيذ القانون حتى عن الدائرة القانونية التابعة لها. اذن الارتياب وارد, وبمناسبة سواق الاجرة فقد سبق لنا تناوله، والان بمناسبة قرب او احتمال صدور القانون المذكور في الوقائع العراقية, لا نجد بأسا من التمدد في مجالات اخرى, لنتسائل ما هو المانع لبقية غير المضمونين اجتماعيا وهم شرائح واسعة وتتوسع مع الايام مثل وكلاء الغذائية التي باتت مهمتهم اوسع بمناسبة السلال الغذائية المخصصة للرعاية الاجتماعية, وهكذا لاصحاب المولدات الذين طالت خدمتهم وستطول في الازمة لحين السيطرة على الغاز المصاحب وحين تعود كهرباء السدود والربط الخليجي, اذ هذه الشريحة بعمالها ايضا عراقيين لا تشملهم الرعاية الاجتماعية. كما ان هذه الفئة ليست قليلة اذ ربما تتجاوز النصف مليون. وهكذا عمالة المدارس والجامعات الاهلية، وصولا لكوادر وعمال المؤسسات الصحية الاهلية من مستشفيات الى مختبرات وصيدليات, وكل نظرائهم في الميادين المختلفة في الاتحادات والجمعيات بالاضافة لعمالة الصيارفة ومنافذ التحويل وصرف المعاشات. ولكن اولا واخيرا علينا وضع مسألتين لا تحل المشكلة بدون ايفائهما حقهما من الاجابة. اولا ان تكون لدينا نقابات مهمتها الاساس طمأنة المنتسبين على الضمان الاجتماعي، النقابات التي باتت غير فاعلة في هذا الاتجاه اللهم الا نقابة المحامين. ولا ندعها اي النقابات والجمعيات مجرد اذرع لجهات استحوذت عليها بموجب عرف التوازن.

وهذا لا يتأتى ثانيا الا عبر استقرار امني كعامل اساس للاستثمار’ الذي تزدهر في ظله الصناديق الخاصة للضمان الاجتماعي, لتضع هذه الصناديق اموالها في المصارف الاهلية المضمونة من قبل البنك المركزي وشركة الودائع العراقية’ لكي يتم استثمار المبالغ المستقطعة المفتوحة حتى لاصحاب العمل’ ولنا ان نتصور حجم الاستقطاعات لهذه الفئات, التي نقول فيها كما المثل الشعبي (نطعمهم من لحم ثورهم) بدون المرور بوزارة العمل, كاستثمارات في مشاريعنا المتلكئة و غيرها.

بهذه الحالة فقط نضمن استقرارنا الامني المرتكز على مكافحة الفقر الذى نلمسه من الجرائم وداعش وتجارة الاعضاء والبشر والمخدرات والتهريب وغسيل الاموال والفساد. لنتخلص نهائيا من ازدواجيات الرواتب والفضائيين, معززين للقطاع الخاص الذي يفترسه الاستيراد الذي دمر معاملنا ومشاريعنا.

كما ان الضمان الاجتماعي الشامل يقفز بنا خارج الضمانات التي تعتمد على الضامن الاجتماعي كالعشائرية والمذهبية والكوتات التي تمأسست,و التي تبلورت كمنتج اساسي للمحاصصة. كما ان الاستقرار الثابت الاركان كالضمان الاجتماعي سوف يقلص حتما كلف الامن الباهظة جدا ومكافحة الارهاب والمخدرات وكلفة الحمايات التي يقال انها تكلف وحدها مليار دولار سنويا’ التي باتت مظهرا سلبيا. ولا بد من الاشارة ان كثرة مستفيدي الضمان الاجتماعي, ستشكل مبالغ لم نألفها سابقا سيما وانها تأتي من الكتلة النقدية المكتنزة في البيوت’ بعد ان يضمن المستفيد انه في امان على مستقبله وعيالة, كما ان هذه الصناديق المشكلة بموجب القانون ستكون اداتنا الاساس في عملية اسناد طريق التنمية والاصلاح الاقتصادي، عندما تتشكل الصناديق كبديل عن قروض استثمارية حامت حولها شبهات، او اوراق سياسية ظاغطة ليست لوجه الله.

لذلك ينبغي ان تكون لدينا منظمات او نقابات وجمعيات يرتهن نجاحها فقط بضبط عملية الضمان الاجتماعي وصولا للتساوي مع قانون التقاعد الرسمي ليتكاملا بصندوق موحد بدون امتيازات بلا مسوغ موضوعي، بعد توحيد قانون الخدمة المدنية و بدون استثناات الغنائم الحالية.

املين من المصلحين ان يعتبروا الضمان هدفا مركزيا لضمان عراق مستقر بدون جيوب ومقاطعات، ولعلها الفرصة الاخيرة لاستقرارنا مادام هناك فسحة في اسعار النفط في الافق المنظور الذي تحدده مشاكل المناخ والتلوث. اضافة للعامل الديمغرافي في وسط التغيرات الجيو بولكتيكية قبل وبعد منعطف غزة وما يترتب من ستراتيجيات اقليمية ودولية. لنشرع بعده بالضمان الصحي للجميع الذي يعزز الضمان الاجتماعي ونخرج من عنق الزجاجة الحالي من خلال شركات تأمين, ليصبح, الضمان الاجتماعي والتامين الصحي، بديلا عن الهويات الفرعية التي راهن عليها البعض وكانت خاسرة للعشرين سنة الماضية والتي قبلها، لننتقل الى مرحلة الوطنية العراقية بكاملها وبمواطنة حقة، حيث الناس سواسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram