اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > نافذة على فلسطين.. أفلام تقاوم بالصورة البصرية والفكر الخلاّق

نافذة على فلسطين.. أفلام تقاوم بالصورة البصرية والفكر الخلاّق

نشر في: 10 يناير, 2024: 11:07 م

الجونة: عدنان حسين أحمد

لم يكن بالإمكان، والحرب قائمة على غزّة، إقامة مهرجان الجونة السينمائي السادس بمظاهر احتفالية باذخة كما في دوراته الخمس الماضية التي لفتت الانتباه إليها محليًا وعربيًا وعالميًا كواحةٍ للحرية الفكرية، والجرأة الفنية، والجمال البصري الذي ينمّي الذائقة الفنية لمحبّي الفن السابع ومتلقّيه.

ولم يسعَ القائمون على المهرجان لتبرير إقامته في ظل الظروف المأساوية التي يتعرّض فيها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لأبشع إبادة جماعية عرفها العالم في تاريخه الحديث فلاغرابة أن يكسروا القاعدة المتبّعة في إلغاء المهرجان بعد تأجيله لأكثر من مرة على أن تتحسن الظروف وتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية ويلوذوا بفكرة "الدورة الاستثنائية" التي تضحّي بالمظاهر الاحتفالية الباذخة في حفليّ الافتتاح والاختتام ويرفدوا المهرجان ببرنامج استثنائي متفرد يحمل عنوان "نافذة على فلسطين" تتضمن عرض عشرة أفلام فلسطينية تم اختيارها بالتعاون مع "مؤسسة الفيلم الفلسطيني" التي رأت أنّ هذا البرنامج "يمثّل فرصة فريدة للتفاعل مع الأشخاص الصامدين. وأنّ هذه الأفلام ليست مجرد تصوير للحياة في فلسطين ولكنها نافذة على التجارب الجماعية والتحديات والانتصارات التي تشكّل المنطقة". ولكي تتضح الصورة أكثر وتخلو من التشويش والالتباس فقد أكدوا بأن هذا البرنامج "هو أكثر من مجرد مجموعة مختارة من الأفلام، إنها دعوة للتعاطف والتفاهم والتقدير المشترك للتجربة الإنسانية". وعلى الرغم من أنّ 8 من هذه الأفلام العشرة قديمة ويعود إنتاجها إلى عاميّ 2004م و 2019م إلاّ أن هناك فيلمين جديدين ومُهمَّين هما "الأستاذ" لفرح النابلسي و "وداعًا طبريا" للمخرجة لينا سويلم اللذين تم إنتاجهما سنة 2023م. أمّا الأفلام الأخرى بحسب تسلسلها فهي "إسعاف" لمحمد الجبالي، و "إلى أبي" لعبدالسلام شحادة، و "باب الشمس" ليسري نصرالله، و "بلا سقف" لسينا سليمي، و "الرسم لأحلام أفضل"، و "الشجاعية" لمحمد المُغنّي، و "كوندوم ليد" لعرب وطرزان ناصر، و "ليس بالصورة فقط" لدرور ديان وآن پاك. وقد تسنّى لي مشاهدة كل هذه الأفلام باستثناء "كوندوم ليد" الذي تصادف عرضه مع فيلم "سعادة عابرة" للمخرج الكوردي العراقي سينا محمد، وهو فيلم كوميدي تدور أحداثه عن زوجين مُحبَطين يسعيان لتحقيق لحظات حميمة في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل لمدينة غزة.

يعتمد فيلم "الأستاذ" لفرح النابلسي على قصة رصينة ومحبوكة بشكل جيد صوّرت المخرجة وقائعها قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023م وبدء الحرب على قطاع غزة. تتمحور قصة الفيلم على شخصية باسم الصالح التي جسّدها ببراعة الفنان صالح بكري، مدّرس اللغة الإنگليزية الذي تعرّض ابنه المراهق للسجن بسبب مشاركته في تظاهرة، وعلى الرغم من مرض الابن إلاّ أنّ السلطة الإسرائيلية تتركه يواجه مصيره المحتوم بوحشية كبيرة الأمر الذي يفضي إلى تفكّك زواجه وفقدان أسرته، وزهده بالحياة. ولكنه بالمقابل يركز اهتمامه على الطالبين الشقيقين آدم المجتهد، ويعقوب المتمرّد اللذين تهدم السلطة الإسرائيلية منزلهما، وتحرق أشجار الزيتون، وتقتل يعقوب بدم بارد فتتطور الأحداث حينما يحتفظ الأستاذ بأسير إسرائيلي في منزله على أمل أن يقايضه بألف أسير فلسطيني بينهم أطفال ونساء حيث يقّدم الفيلم في خاتمة المطاف رسالة مفادها "أنّ فعل المقاومة يجب أن يكون مُحترفًا ومُمنهجًا بشكل مستمر".

يدور فيلم "إسعاف" لمحمد الجبالي على حرب 2014م في غزة حيث ينضم المخرج إلى طاقم سيارة الإسعاف مع اقتراب الحرب، ويستكشف القصص الخفية وراء أعمال العنف المتكررة في غزة وسط دوي المدافع وقصف الطائرات التي تدمر البشر والحجر والشجر. وعلى الرغم من قساوة أحداث الفيلم ودمويته إلاّ أنه يعبر عن المعاناة الصادقة للشعب الفلسطيني، ويرصد بصيص الأمل لسكّان غزة الذين يعيشون وسط حروب متواصلة لا تزرع اليأس والقنوط في نفوسهم المحبة للحرية والحياة الكريمة رغم قساوتها ووحشيتها.

على الرغم من أنّ الثيمة الأساسية لفيلم "إلى أبي" لعبدالسلام شحادة تتمحور حول التصوير الفوتوغرافي في خمسينات وستينات القرن الماضي وما تلاها من عقود إلاّ أنّ هذه الثيمة تتشظى إلى أبعد من مهنة التصوير سواء بالأسود والأبيض أو الملوّن فالمخرج يقسّم فيلمه إلى خمسة أقسام رئيسية تمرّ جميعها عبر تقنية التصوير الفوتوغرافي وهي حرب حزيران سنة 1967م، والانتفاضة الأولى، ودخول السلطة الفلسطينية إلى غزة، والانتفاضة الثانية، وفيلم "الأيدي الصغيرة" الذي أنجزه المخرج شحادة سنة 1996م. يعتمد المخرج على تقنية السرد الذاتي في هذا الفيلم متخذًا من أغنية سيد درويش خلفية لهذه السردية الحميمة التي تقول أشياءَ كثيرة تتجاوز حدود البوح والتوثيق حيث يقول:" "أنا اسمي عبدالسلام.. ولدتُ في مخيم رفح بعد الهجرة بـ 13 عاماً حكايات انكتبت في أعماقي ذكريات وصورًا.. كيف تهجّروا في عام 48.. أنا نفسي صرت حكاية" يعرض المخرج صورًا للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر والرئيس العراقي عبدالسلام عارف وصورًا لمطربين مشهورين أمثال عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، ويعيدنا إلى ذكريات الطفولة والصبا حينما كان يلتقط صورًا لتلاميذ المدارس، ثم تتحول هذه الصور الجميلة إلى مصدر خوف ورعب شديدين حينما يستعملها المحتل كوثيقة إدانة وتجريم.

تتضمن النافذة أيضًا فيلم "باب الشمس" للمخرج المصري يسري نصرالله الذي يقتبس مادته من الرواية الملحمية للكاتب اللبناني إلياس خوري التي تروي قصة شعب فلسطين والنكبة وما عانه الفلسطينيون من التهجير في مخيمات الجليل إلى مخيمات لبنان ويرصد فيها خمسين عامًا من التاريخ المرّ والمعاناة القاسية من دون أن يغيّب عنصر الأمل أو يطمس غريزة الحب التي تتأجج في قلب الإنسان الفلسطيني في سنوات الحرب والسلام.

تتلقّى بطلة "بلا سقف" تحذيرًا من قِبل قوات الجيش الإسرائيلي قبيل شن الغارات الجوية لإخلاء المنزل بينما تنهمك هي في إعداد وجبة الإفطار الرمضانية لعائلتها فيسبب لها هذا الاتصال المروّع مأزقًا مأساويًا آخرَ يجبرها على مواجهة خيار مستحيل. يقدّم هذا الفيلم قراءة ثاقبة للواقع المعقد الذي تعيشه غزة في أوقات الحرب التي تهدد الفلسطينيين المسالمين بالقتل والطمس والإبادة الجماعية.

يأخذنا فيلم "الرسم لأحلام أفضل" للمُخرجَين مي عودة وضياء العزة إلى الصور المعبرة التي تجود بها قرائح الأطفال الفلسطينيين ومخيلتهم المجنّحة؛ أطفال تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثانية عشرة يعيشون تحت حصار ظالم فيحرّكون رسوماتهم الجميلة التي تستدعي نضال الأطفال الفلسطينيين الذين يقارعون الاحتلال بطريقتهم الخاصة ويتيحون لأنفسهم مساحة كبيرة من الأمل والحلم بمستقبل أجمل وأكثر أمنًا أمانًا.

يتمحور فيلم "الشجاعية" لمحمد المغنّي حول أسرة نمطية من غزة تعيش حالة من الفوضى والارتباك بعد أن تعرضوا إلى الهجمات بالقنابل التي قوّضت منزلهم وقتلت بعضًا من سكّانه وأصابت البعض الآخر بجروح خطيرة حيث بترت ساق الأب، وأصيب ابنه الصغير بجرح طفيف في باطن قدمه الأيسر فيما انفصل عن زوجته التي تعيش مع عائلتها الآن لكنها تريد العودة إلى زوجها الذي نفر منها ورفض الإجابة على أي سؤال يتعلّق بها أمام الكاميرا.

يدور فيلم "ليس بالصورة فقط" لدرور ديان وآن پاك على الشقيقين الألمانيين الفلسطينيين رمسيس وليلى كيلاني اللذين تركهما الوالد بعد أن انفصل عن أمهما الألمانية وتزوج من معلّمة في غزة وأنجبت خمسة أولاد لكنهم تعرضوا في حرب 2014م إلى غارة جوية قتلتهم جميعًا حيث تسافر ليلى إلى فلسطين للتعرف على جذورها بينما يقوم رمسيس بجولة أوروبية ويتابع قضيته ضد إسرائيل من خلال المحاكم الألمانية بينما يتمنى عمهما صالح أن يرى أبناء أخيه على أرض الواقع وليس بالصورة فقط.

يختصر المبرمج الهندي رامان شاولا تجربة المخرجة الفرنسية لينا سويلم (نصف جزائرية، نصف فلسطينية) حينما يقول في دليل المهرجان أن فيلمها الأول "جزائرهم" يركز على الجانب الأبوي لعائلتها بينما تستكشف في "وداعًا طبريا" الجانب الأمومي، وهذا توصيف دقيق جدًا حيث تسافر سويلم عبر الزمان والمكان لالتقاط القصص التي تناقلتها أربعة أجيال من النساء الفلسطينيات الجريئات في عائلتها التي تتألف من والدتها وجدتها وسبع أخوات لتطرح على والدتها أسئلة الحُب، والسفر، وحياة المنفى بعيدًا عن الجذور والذاكرة الجمعية التي تتوهج في الأذهان. وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ هذه النافذة الفلسطينية قد رفعت العتب، ومنعت الإحراج، وجعلت إقامة المهرجان مهمة وطنية لابد منها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

النجم غالب جواد لـ (المدى) : الست وهيبة جعلتني حذراً باختياراتي

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

معاهد متخصصة فـي بغداد تستقبل عشرات الطامحين لتعلم اللغة

متى تخاف المرأة من الرجل؟

مقالات ذات صلة

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!
سينما

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!

يوسف أبو الفوزصدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924- 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجن… المرأة.. الحياة)، يورد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram