طالب عبد العزيز
في سبعينات القرن الماضي، وعلى الارصفة، حيث يباع الكتاب بدرهم، كان يطالعني عنوان كتاب(الأمريكي القبيح – أو بترجمة أخرى الامريكي البشع، لوليام ج. ليدرر) لم أقتنه في حينها، ربما بسبب عنوانه الصادم، أو لأن صورة الامريكي لم تكن بالقبح الذي يشي العنوان به،
لكنَّ الحرب في فيتنام وأخبار الجرائم التي يرتكبها الجيش الامريكي هناك بحق المدنيين كانت قد افصحت عن الصورة القبيحة للأمريكي البشع، أمّا جملة محمود درويش الشهيرة(أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا) فقد كانت الاكثر دلالة وفصاحة، عن دولة هي الاقبح والابشع في دول العالم.
ظلت الصحافة العراقية تحدثنا عن جرائم الحكومات الامريكية باستمرار، ولم تقر في الذات العراقية صورةٌ مغايرةٌ عنها، أبداً، قبل طغيان الجرائم التي ارتكبتها الحكومات العراقية في شباط 1963 وحتى سقوط النظام في 2003، الذي قلب المعادلة، وجعل من أمريكا فردوساً في أعين العراقيين، الامر الذي لاحظناه أثناء دخول قوات التحالف بغداد والمدن الاخرى، وما صورة باقات الورد التي قدمها البعض من السذج الى الجنود الامريكان بغائبة عن أعيننا بعد، وهكذا، أبدل النظامُ بظلمه وجرائمه صورةَ الامريكي القبيح من مجرم وقبيح الى ملاك ومنقذ.
بعد 2003 و بقبولها مشاركة الجيش الأمريكي في دخول بغداد ستكون مجموعة الأحزاب الاسلامية في العراق قد كرست صورة الملاك المنقذ تلك، موهومة بالحرية والاستقلال والخلاص من الظلم، وما الصور التي كانت تنشر لأصحاب العمائم السود والبيض مع قادة الجيش الامريكي برتبهم العالية، مجتمعين على موائد الطعام إلا عين التكريس ذاك، وهكذا، وقع الشعب بعامته أسير الوهم، فيما تحدث العلمانيون واليساريون على حد سواء عن امكانية التعايش مع امريكا، على وفق أسس وقواعد الديمقراطية، واحترام إرادة الشعوب، في الحرية وتقرير المصير، وهو وهم آخر، الامر الذي سوّق الامريكي هذا بوصفه طوق النجاة من الدكتاتورية والانظمة الرجعية.
حين وصل وزير الخارجية الامريكي بلينكين اسرائيل بعد عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول الماضي قال انا هنا كيهودي، وبعدها أعلن بايدن عن صهيونيته بقوله لو لم توجد اسرائيل لأوجدناها، وباحصائية بسيطة نجد أنَّ غالبية الطاقم الذي يتحكم بالجيش والسياسة والدبلوماسية والمال في امريكا هم من اليهود الصهاينة، وأنَّ أقرانهم هم الذين يقودون أوربا، والاتحاد الاوربي، ومجلس الامن الدولي، والمنظمات المتبرعمة منه، وبذلك سنفهم وبشكل أوضح لعبة(الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات)القذرة، التي ستحيلنا الى صورة الامريكي القبيح تلك.
لا نقول جديداً إذا أصبح العراق مرتهَناً بيد أمريكا. تلك حقيقة لا جدال فيها. وإذا كنا لا نريد الحديث في الاسباب فيتوجب علينا التفكير بالنتائج، وأظنها جليةً وواضحة. منذ أكثر من عشرين سنة والعراق بلا دور وطني وقومي، والمسؤول في الدولة العراقية ملجمٌ، لا يصرِّح بكلمة تدين أفعال امريكا واسرائيل، مع يقينه بانها كانت وراء نشوء القاعدة والزرقاوي، ومن ثم الدولة الاسلامية وداعش، وربما كانت وراء تاسيس عدد من المليشيات المسلحة، وأنها تتحكم بصادرات النفط، وحركة المال، في البنوك العالمية، وبهيمنة البنك الدولي، وإختراق السيادة في ايِّ وقت، وتعلم بخطورة الشركات الامنية، مثلما تعلم بوجود غرف مغلقة لمنظمات امريكية في شمال العراق، وهناك مناطق محظور على العراقيين دخولها، وهناك المزيد مما لا نعرفه ولن نعرفه.
الى متى سيبقى العراق رهينة امريكية؟ ومتى ستفيق الارادة العراقية من غفوتها؟ وإذا كان النظام السابق قد أسقط الروح الوطنية، وأوقف العراقيين على بوابة الحلم بالملاك المنقذ هذا الذي عززَّ الاسلاميون من وهم وجوده بينهم، ومنعوهم من الافاقة منه.. ترى، ألم يئن الوقت للتفكير بآلية الخلاص منها، والعمل على فك الارتباط المذل هذا، والخروج الى المصير الذي ينتظرنا، وهذه اسرائيل تفرض إرادتها على العرب المسلمين والمسيحيين في الشرق كله، دونما متصدٍّ لها، وقد تكشفت للجميع صورة الامريكي القبيح؟