د. طلال ناظم الزهيري
في رحلة الحياة، ينسج النجاح والفشل أنماطًا معقدة، تقودنا أحيانًا إلى طرق غير متوقعة. إن التصور التقليدي للنجاح باعتباره إيجابيًا بطبيعته وأن الفشل سلبيًا، غالبًا ما يبالغ في تبسيط التفاعل المعقد بين هذين العنصرين. ومن الأهمية بمكان أن نتساءل لماذا يميل المجتمع إلى وصف النجاح بالإعجاب والفشل بالازدراء، في حين أن كليهما في الواقع يمكن أن يكونا حافزين للنمو واكتشاف الذات.
غالبًا ما يتم الاحتفال بسرد النجاحات باعتبارها تتويجًا للعمل الجاد والتصميم والموهبة. يتم تسليط الضوء على الإنجازات، وتصبح حكايات الانتصار هي النقطة المحورية. ومع ذلك، فإن النجاح ليس وجهة ثابتة؛ إنه مفهوم مرن يمكن أن يتطور بمرور الوقت. ما يمكن اعتباره ناجحًا في مرحلة ما من الحياة قد يتحول إلى نقطة انطلاق لرحلة غير متوقعة.
وعلى العكس من ذلك، غالبًا ما يُقابل الفشل بوصمة عار مجتمعية، ويُنظر إليه على أنه نكسة أو حاجز. ولكن، هل ينبغي إلقاء الفشل في مثل هذا الضوء السلبي؟ لقد نهضت بعض الشخصيات الأكثر تأثيراً في التاريخ من رماد الفشل، وأعادت كتابة قصصها بمرونة وإصرار.
لنتأمل قصة "سمير غانم"، الممثل المصري الشهير. كان غانم يطمح في البداية إلى أن يصبح ضابط شرطة، إلا أنه واجه طعم الفشل المرير عندما فشل في ثلاث مواد، مما أدى إلى طرده من كلية الشرطة. لكن هذه النكسة الواضحة دفعته نحو مسار مختلف تمامًا، وهو المسار الذي أدى إلى الشهرة والثروة في عالم الترفيه. فشل غانم، بدلاً من أن يكون مصدراً لليأس، أصبح بوابة إلى مصير غير متوقع وأكثر ايجابية في نهاية المطاف.
في المجال التعليمي، قد ينظر الطلاب إلى الفشل باعتباره نهاية الطريق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنجازات الأكاديمية مثل المعدل التراكمي. ولكن كما يقول المثل الحكيم: "رب ضارة نافعة". قد يكتشف الطالب الذي يفشل في الوصول إلى الكلية المرغوبة أن هذا الانعطاف يفتح أمامه إمكانيات جديدة، مما يؤدي إلى مهنة أو شغف لم يتوقعه أبدًا.
النجاح والفشل ليسا ثنائيين؛ بل هي جوانب مترابطة لرحلة ديناميكية. وما قد يبدو فشلاً اليوم قد يكون حافزاً للنجاح المظفر غداً. ومن الضروري أن نعيد تعريف وجهة نظرنا، مع الاعتراف بأن النجاح ليس محصنا ضد الدروس التي يكتسبها الفشل، وأن الفشل بدوره يمكن أن يكون نقطة انطلاق نحو إنجازات غير متوقعة.
مجتمعنا العراقي على سبيل المثال غالبًا ما يفرض ضغوطًا هائلة على النجاح الأكاديمي، اذ قد تكون تجربة الإبن الذي يواجه انتكاسات في تعليمه أمرًا شاقًا لكل من الطالب وأسرته. ومع ذلك، من المهم للعائلات العراقية أن تدرك أن الرحلة الأكاديمية هي مجرد جانب واحد من جوانب تطور ابنائهم الشامل. وبدلاً من النظر إلى الفشل باعتباره طريقًا مسدودًا، يمكن أن يكون فرصة للعائلات لاستكشاف مسارات بديلة من خلال التعرف على الإمكانات غير المستغلة لديهم.
ومن خلال احتضان الازدواجية المتأصلة بين النجاح والفشل، يمكن للمجتمع أن يعزز فهمًا أكثر تعاطفًا ودقة للتجربة الإنسانية. من خلال تقدير إمكانات النمو والتعلم والتحول الكامنة في كل من النجاح والفشل، يمكن للأفراد أن يبحروا في رحلة الحياة بمرونة، مع العلم أن كل تطور ومنعطف يساهم في النسيج الغني لقصتهم الفريدة.
في الختام، نؤكد على أن النجاح الأكاديمي مهم بلا شك، إلا أنه من الأهمية بمكان بالنسبة للعائلات العراقية أن تدرك الطبيعة المتعددة الأوجه لإمكانات ابنائهم إن احتضان الفشل كفرصة لإعادة التوجيه والنمو يمكن أن يمهد الطريق لحياة مرضية وناجحة خارج الإطار الأكاديمي التقليدي. ومن خلال تعزيز بيئة داعمة، وتحديد مسارات بديلة، وغرس عقلية النمو، تستطيع الأسر العراقية تمكين أطفالها من خوض الرحلة المعقدة لاكتشاف الذات والنجاح. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يساهمون في بناء مجتمع يقدر المواهب المتنوعة ويحتفي بالمسارات التي لا تعد ولا تحصى لتحقيق الإنجاز.