TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ثنائية النجاح والفشل في مجال التعليم

ثنائية النجاح والفشل في مجال التعليم

نشر في: 14 يناير, 2024: 10:34 م

د. طلال ناظم الزهيري

في رحلة الحياة، ينسج النجاح والفشل أنماطًا معقدة، تقودنا أحيانًا إلى طرق غير متوقعة. إن التصور التقليدي للنجاح باعتباره إيجابيًا بطبيعته وأن الفشل سلبيًا، غالبًا ما يبالغ في تبسيط التفاعل المعقد بين هذين العنصرين. ومن الأهمية بمكان أن نتساءل لماذا يميل المجتمع إلى وصف النجاح بالإعجاب والفشل بالازدراء، في حين أن كليهما في الواقع يمكن أن يكونا حافزين للنمو واكتشاف الذات.

غالبًا ما يتم الاحتفال بسرد النجاحات باعتبارها تتويجًا للعمل الجاد والتصميم والموهبة. يتم تسليط الضوء على الإنجازات، وتصبح حكايات الانتصار هي النقطة المحورية. ومع ذلك، فإن النجاح ليس وجهة ثابتة؛ إنه مفهوم مرن يمكن أن يتطور بمرور الوقت. ما يمكن اعتباره ناجحًا في مرحلة ما من الحياة قد يتحول إلى نقطة انطلاق لرحلة غير متوقعة.

وعلى العكس من ذلك، غالبًا ما يُقابل الفشل بوصمة عار مجتمعية، ويُنظر إليه على أنه نكسة أو حاجز. ولكن، هل ينبغي إلقاء الفشل في مثل هذا الضوء السلبي؟ لقد نهضت بعض الشخصيات الأكثر تأثيراً في التاريخ من رماد الفشل، وأعادت كتابة قصصها بمرونة وإصرار.

لنتأمل قصة "سمير غانم"، الممثل المصري الشهير. كان غانم يطمح في البداية إلى أن يصبح ضابط شرطة، إلا أنه واجه طعم الفشل المرير عندما فشل في ثلاث مواد، مما أدى إلى طرده من كلية الشرطة. لكن هذه النكسة الواضحة دفعته نحو مسار مختلف تمامًا، وهو المسار الذي أدى إلى الشهرة والثروة في عالم الترفيه. فشل غانم، بدلاً من أن يكون مصدراً لليأس، أصبح بوابة إلى مصير غير متوقع وأكثر ايجابية في نهاية المطاف.

في المجال التعليمي، قد ينظر الطلاب إلى الفشل باعتباره نهاية الطريق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنجازات الأكاديمية مثل المعدل التراكمي. ولكن كما يقول المثل الحكيم: "رب ضارة نافعة". قد يكتشف الطالب الذي يفشل في الوصول إلى الكلية المرغوبة أن هذا الانعطاف يفتح أمامه إمكانيات جديدة، مما يؤدي إلى مهنة أو شغف لم يتوقعه أبدًا.

النجاح والفشل ليسا ثنائيين؛ بل هي جوانب مترابطة لرحلة ديناميكية. وما قد يبدو فشلاً اليوم قد يكون حافزاً للنجاح المظفر غداً. ومن الضروري أن نعيد تعريف وجهة نظرنا، مع الاعتراف بأن النجاح ليس محصنا ضد الدروس التي يكتسبها الفشل، وأن الفشل بدوره يمكن أن يكون نقطة انطلاق نحو إنجازات غير متوقعة.

مجتمعنا العراقي على سبيل المثال غالبًا ما يفرض ضغوطًا هائلة على النجاح الأكاديمي، اذ قد تكون تجربة الإبن الذي يواجه انتكاسات في تعليمه أمرًا شاقًا لكل من الطالب وأسرته. ومع ذلك، من المهم للعائلات العراقية أن تدرك أن الرحلة الأكاديمية هي مجرد جانب واحد من جوانب تطور ابنائهم الشامل. وبدلاً من النظر إلى الفشل باعتباره طريقًا مسدودًا، يمكن أن يكون فرصة للعائلات لاستكشاف مسارات بديلة من خلال التعرف على الإمكانات غير المستغلة لديهم.

ومن خلال احتضان الازدواجية المتأصلة بين النجاح والفشل، يمكن للمجتمع أن يعزز فهمًا أكثر تعاطفًا ودقة للتجربة الإنسانية. من خلال تقدير إمكانات النمو والتعلم والتحول الكامنة في كل من النجاح والفشل، يمكن للأفراد أن يبحروا في رحلة الحياة بمرونة، مع العلم أن كل تطور ومنعطف يساهم في النسيج الغني لقصتهم الفريدة.

في الختام، نؤكد على أن النجاح الأكاديمي مهم بلا شك، إلا أنه من الأهمية بمكان بالنسبة للعائلات العراقية أن تدرك الطبيعة المتعددة الأوجه لإمكانات ابنائهم إن احتضان الفشل كفرصة لإعادة التوجيه والنمو يمكن أن يمهد الطريق لحياة مرضية وناجحة خارج الإطار الأكاديمي التقليدي. ومن خلال تعزيز بيئة داعمة، وتحديد مسارات بديلة، وغرس عقلية النمو، تستطيع الأسر العراقية تمكين أطفالها من خوض الرحلة المعقدة لاكتشاف الذات والنجاح. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يساهمون في بناء مجتمع يقدر المواهب المتنوعة ويحتفي بالمسارات التي لا تعد ولا تحصى لتحقيق الإنجاز.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram